إذا أرادت الولايات المتحدة أن تستعد فعلياً للمنافسة القائمة بين القوى العظمى، يجب أن تتدرب قواتها بما يتماشى مع عملياتها الميدانية، تقدّم التجربة الأميركية خلال الحرب الباردة دروساً قيّمة (إيجابية وسلبية) حول أفضل الطرق لتجهيز القوات المشتركة للتعامل مع الخصوم، لإعادة تعلّم آليات المنافسة بين القوى العظمى، لا بد من تغيير التدريبات والخبرات، ويتعين على البنتاغون أن يشدد على التدريبات المشتركة لتفعيل قدراته الجماعية.

كانت التدريبات الواسعة خلال الحرب الباردة كفيلة بالحفاظ على فاعلية التشكيلات القتالية من الناحية التكتيكية، وقد فكّر الضباط حينها بالفوضى المحتملة والشكوك التي ينتجها أي صراع كبير بين القوى النووية، لكن أدت تلك التدريبات أيضاً دوراً سياسياً وعسكرياً محورياً، فأثبتت قوة التزام الأميركيين تجاه حلفائهم وشركائهم، علماً أن قواتهم كانت تشارك الولايات المتحدة دوماً في مناورات جماعية تهدف جزئياً إلى تحسين العمليات المشتركة بين قوات التحالف وتعزيز جهوزية العناصر.

Ad

قد تركّز التدريبات الجديدة على اختبار عمليات مألوفة بمستويات غير مسبوقة.

يستطيع هذا النوع من التدريبات أن يختبر العمليات الخاصة وقدرة القوات التقليدية على فرض حصار على السفن التجارية العائدة للخصوم، تثبت مصادرة السفن بطريقة متزامنة من جانب قوات العمليات الخاصة ووحدات سلاح البحرية التقليدية والمُدرّبة على تنفيذ مهام معقدة مستوى البراعة في تنسيق العمليات في مختلف المجالات، كما أنها تضمن تنظيم تدريبات مدروسة مع شركاء التحالف لمنح السفن مرساة آمنة حتى موعد انتهاء الحصار البحري الوهمي.

على صعيد آخر، تسمح التدريبات الواسعة الجديدة للقوات المشتركة باختبار المفاهيم التي أصبحت محط نقاش واسع في المراجع العسكرية، منها العمليات المتعددة المجالات أو العمليات الشاملة لجميع المجالات، مع أنها لا تُطبَّق في مناسبات كثيرة.

في هذا السياق، يقول محلل السياسة الدفاعية، أندرو ف. كريبينفيتش، إن التدريبات الميدانية المدروسة من حيث التصميم والتنفيذ تشكّل «أداة ممتازة للتفوق في المنافسة»، فهي تستطيع تخفيف الشكوك حول التهديدات الناشئة، وتُحدد الخليط المناسب من الأنظمة الجديدة والموروثة، وتسمح بتطوير وتقييم قدرات واسعة وإطلاق أشكال جديدة وفاعلة من العمليات، وتكشف عن أي مشاكل عملية في مسار تطوير الخطط الجديدة وهياكل القوات الناشئة.

أخيراً، قد تشكّل التدريبات الواسعة أدوات فاعلة لإرسال إشارات إلى الخصوم المحتملين حول النوايا والإمكانات الأميركية، فقد تكشف مثلاً عن قدرة القوات الأميركية على شن اعتداءات جماعية مفاجئة بطائرات بلا طيار ضد أهداف بحرية متعددة في الوقت نفسه، وقد تتعرض السفن الحربية المعادية حينها لاعتداءات مكثفة بالطائرات من جانب قوات برية تتمركز على الساحل (قد تكون أميركية أو تابعة لقوات التحالف)، فتطلق تلك الوحدات موجات من الطائرات غير المكلفة والقصيرة المدى لتمشيط البحر، لكن ثمة حاجة مسبقة طبعاً إلى احتساب المخاطر والفرص المرتبطة بالكشف عن الإمكانات المتاحة وتوجيه رسائل محددة إلى الجهات المستهدفة. على الولايات المتحدة أن تأخذ بالاعتبار أي جوانب غامضة قد يسيء الخصوم فهمها، مما يؤدي إلى تصاعد التوتر وتفاقم المواجهة بدرجة غير مرغوب فيها، كذلك، ثمة حاجة إلى تعقب وتسجيل ردود الخصوم والحلفاء تجاه تلك التدريبات، ويجب أن تُقيّم التحليلات اللاحقة الأثر العام للرسائل التي تريد الولايات المتحدة توجيهها.

لإحباط العمليات الروسية والصينية في «المنطقة الرمادية» إذاً، على الولايات المتحدة أن تستعمل العمليات المشتركة الواقعية والمتكررة لإثبات قوتها العسكرية الجديرة بالثقة، وهذه المقاربة تترافق مع نتيجة غير مباشرة لكن أساسية: سيتمكن قادة القوات المشتركة من تحديد أساليب خوض الحروب المتباينة ودمجها.

*توم غرينوود و أوين دانيالز