أصبح الانتشار المحتمل لفيروس كورونا في جميع أنحاء قطاع غزة غير المستعد للتعامل معه مصدراً رئيساً للقلق لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، فمن شأن الوباء المحلي الخارج نطاق السيطرة ألا يشكل تهديداً كارثياً من الناحية الإنسانية فحسب، بل قد يؤدي أيضاً إلى تصعيد الوضع الأمني الهش.

واعتباراً من 29 أبريل، أفادت سلطات «حماس» التي تحكم القطاع عن سبع عشرة حالة فقط من الإصابة بفيروس "كوفيد-19"، وسط تعافي عشر حالات منها، وتمّ الكشف عن الحالات الأولى- اثنان من سكان غزة العائدين من باكستان- في 19 مارس. وعلى الرغم من أن الوضع يبدو تحت السيطرة، فإن الصورة الفعلية غير واضحة المعالم نظراً لغياب الفحوص على نطاق واسع والميل الرسمي إلى إصدار تقارير غير دقيقة.

Ad

كيف كان رد «حماس»؟

كانت استجابة سلطات الحركة في غزة للأزمة بطيئة في البداية، حيث رفضت الإجراءات الوقائية التي اتخذتها ودعت إليها "السلطة الفلسطينية" في الضفة الغربية، ومع ذلك فقد اتخذت في النهاية التدابير الضرورية، مثل فرض التباعد الاجتماعي، وإرسال الأشخاص الذين يدخلون القطاع إلى الحجر الصحي، وإغلاق المدارس والمساجد. كما أنشأت 28 مركزاً للحجر الصحي، معظمها في المدارس والفنادق، وتم إنشاء ألف وحدة حجر صحي جديدة في موقعين: 500 في جنوب القطاع بالقرب من رفح و500 في شماله بالقرب من بيت حانون، وتم تجنيد الجناح العسكري للحركة، "كتائب عز الدين القسام"، لبناء هاتين المنشأتين.

بالإضافة إلى ذلك، خصصت «حماس» وأعدّت مستشفيين لعلاج مرضى كورونا، هما: "مستشفى غزة الأوروبي" في خان يونس و"مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني" في مدينة غزة، وبدورها خصصت "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) منشآتها في غزة وبعض مواردها المرتبطة بالرعاية الصحية لهذا الجهد، في حين أعلنت قطر في أواخر مارس أنها ستواصل مدفوعات مساعداتها الشهرية حتى سبتمبر على الأقل، بقيمة إجمالية تبلغ 150 مليون دولار خلال هذه الفترة.

وعلى الصعيد السياسي، لم تؤد الأزمة إلى رأب الصّدع بين حكومتي «حماس» و"السلطة الفلسطينية" المتخاصمتين؛ وبدلاً من ذلك، اقتصرت لهجتهما على الاتهامات المتبادلة، فخلال الشهر الماضي، خففت "السلطة الفلسطينية" بعض العقوبات التي فرضتها على غزة في السنوات الأخيرة، وخاصة في مجال الرعاية الصحية، كما خصصت جزءاً صغيراً من المعدات الطبية التي تلقتها من المانحين الدوليين وقامت بنقلها إلى القطاع، ومع ذلك، تُجادل «حماس» بأن هذه المعدات مُنحت للسلطة الفلسطينية لتوزيعها على جميع الأراضي الفلسطينية، وأن غزة تتلقى أقل بكثير من نصيبها العادل.

ضعف غزة

على الرغم من عزلة القطاع إلى حدّ كبير عن العالم الخارجي ولديه عدد كبير من الشباب، فإن العديد من العوامل الأخرى تجعله عرضة للغاية لهذا الوباء، فمساحته الصغيرة البالغة 360 كيلومتراً مربعاً ذات كثافة سكانية عالية للغاية، مع بنية تحتية متداعية، ومعايير صحية متدنية نسبياً، وثقافة تفاعل اجتماعي واسع النطاق.

فضلاً عن ذلك، أدّت ثلاث عشرة سنة من الحكم الإسلامي والخصومات مع إسرائيل، ومصر، و"السلطة الفلسطينية" إلى تدمير نظام الرعاية الصحية، الذي لطالما تمّ إهماله لصالح "الجهاد" وغيره من الأولويات، وتفاقمت هذه المشكلة في السنوات الأخيرة بسبب التخفيضات المالية الكبيرة التي فرضتها "السلطة الفلسطينية"، مصدر التمويل الرئيس في غزة (تم تقليص متوسط التحويل الشهري الأصلي البالغ 120 مليون دولار بأكثر من 20 في المئة). ووفقاً لمسؤولي «حماس»، إن القطاع في حاجة ماسة إلى معدات اختبار وأجهزة تنفس (لديه أقل من 100 للسكان الذين يبلغ عددهم نحو 2 مليون نسمة)، وأسِرّة للعناية المركّزة (لديه 110 فقط، معظمها قيد الاستعمال فعلاً).

كما أن الوضع الاقتصادي في غزة ضعيف للغاية، حيث يعاني القطاع مستويات عالية من الفقر، ونسبة بطالة تزيد على 50 في المئة، ومساعدات خارجية محدودة، وتفاقمت مشاكل غزة المالية تدريجياً بسبب انخفاض مصادر الدخل التقليدية مثل المخصصات المالية من "السلطة الفلسطينية"، وعمليات التهريب عبر الحدود، والدعم الإيراني.

المساهمات والمخاوف الإسرائيلية

على الرغم من مخاوف إسرائيل العميقة من تفشي الوباء بصورة أوسع في قطاع غزة، فإن أمامها خيارات محدودة لتوفير المساعدة بالنظر إلى الأعباء التي تتكبدها الناتجة عن فيروس كورونا، وعلاقاتها العدائية مع «حماس»، ولذلك ركّزت على تشجيع وصول المساعدات الطبية الدولية وتسهيلها، وخاصة المعدات من "منظمة الصحة العالمية" و"الصليب الأحمر الدولي" وغيرهما، وشملت هذه التبرعات أدوات اختبار، ومعدات طبية وقائية، وجهاز تشخيص سريع متقدم يعتمد على تقنية تفاعل البوليمراز المتسلسل، وعدد قليل من أجهزة التنفس.

وعملت إسرائيل أيضاً على قيام بعض أطبائها بتنظيم دورات تدريبية متخصصة لعشرات الأطباء والممرضين في غزة، حيث تم عقد هذه الدورات في معبر "إيريز" و"مركز برزيلاي الطبي" في جنوب إسرائيل، وقد أدّى هذا الإجراء من "التطبيع" غير الاعتيادي إلى إثارة انتقادات لحركة «حماس» داخل غزة وخارجها، وربما في محاولة لإبعاد هذه الشكاوى، اعتقلت الحركة الصحافي رامي أمان في 9 أبريل بعد أن عمل على إدارة مؤتمر عبر الفيديو مع الإسرائيليين لمناقشة أزمة الفيروس، وقد اتُهم بالقيام بـ"أنشطة تطبيع".

وكما هي الحال في الضفة الغربية، أدت الأزمة إلى انخفاض كبير في مستوى العنف المحلي، فقد توقف إطلاق الصواريخ من غزة بالكامل تقريباً، وألغى المحتجون تجمعاً كبيراً على طول الحدود كان مقرراً في 30 مارس، التي هي الذكرى السنوية الثانية لحملة الضغط العنيفة "مسيرة العودة".

كما جعلت الأزمة حركة «حماس» أكثر استعداداً لإعادة فتح الملف الخاص بمدنيَيْن إسرائيليَيْن وجثتي جندييْن إسرائيلييْن احتجزتهم الحركة كورقة مساومة لإطلاق سراح سجناء فلسطينيين، واقترح زعيم الحركة في غزة يحيى السنوار علناً صفقة يمكن أن تلبي جزئياً المطالب الإسرائيلية مقابل الإفراج عن فئات معينة من السجناء: أي النساء، وكبار السن، والقاصرين، والمصابين بأمراض. ومنذ ذلك الحين، ينظر الطرفان في مثل هذه الصفقة من خلال مصر ووسطاء آخرين.

وفي الوقت نفسه، تخشى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من أن يؤدي تدهور خطير في غزة إلى قيام أعمال عنف عبر الحدود، تشمل إطلاق صواريخ وتنظيم مسيرات حاشدة ضد الحاجز الأمني، وقد ألمح السنوار إلى مثل هذه الأعمال في الوقت الذي تنصّل فيه من المسؤولية عن الوضع الرديء في القطاع؛ وكان قد حذّر في الثاني من أبريل من أنه إذا لم يتمكن سكان غزة من التنفس بسبب النقص في أجهزة التنفس، "فسوف نجعل ستة ملايين مستوطن إسرائيلي غير قادرين على التنفس"، وأدلى مسؤولون آخرون بتصريحات مماثلة.

وتفاقمت هذه المخاوف بسبب التوترات المستمرة داخل قيادة «حماس»، ففي السنوات الأخيرة، برز السنوار كقائد الحركة الأكثر نفوذاً في غزة، وهو منصب تعزّز عندما غادر رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية الساحة، ويُعزى صعود السنوار بشكل رئيسي إلى تركيزه على تحقيق بعض الإنجازات المحددة خصيصاً لغزة، وهو جهد كثّفه خلال الأزمة الحالية، ومنذ فترة طويلة قبل تفشي الوباء، كان يُجري مقايضات مع عدوّين تقليديين- إسرائيل ومصر- في محاولة لضمان الحصول على مكاسب إنسانية واقتصادية كبيرة لغزة، وكذلك إطلاق سراح السجناء، في إطار تفاهمات عدم التصعيد ووقف إطلاق النار على المدى الطويل، وقد تضمنت هذه المقاربة الاستخدام المعتدل للاحتكاك العنيف، وتعرضت «حماس» أيضاً للانتقاد من قبل بعض قياديي الحركة في الخارج، وخصوصا أن إنجازاتها- على الرغم من أهميتها بالنسبة إلى غزة- لم ترق إلى مستوى التوقعات الأوسع للحركة.

ونظراً إلى وصول فيروس "كوفيد-19"، وأخيراً قيام حكومة إسرائيلية جديدة، فمن المرجح أن يتوقع السنوار إحراز تقدّم أسرع، ومع اقتراب «حماس» من جولتها المقبلة من الانتخابات الداخلية عام 2021، سيخضع السنوار لمزيد من الضغط للوفاء بالتزاماته، وإن عجزه عن إحراز تقدّم ملحوظ لتحسين الأوضاع في غزة أو إطلاق سراح السجناء قد يدفعه إلى تحويل مسار الضغوط الداخلية من خلال اعتماد التصعيد مع إسرائيل، وخصوصا إذا تفاقم الوباء.

الحلقة الأضعف

تُعتبر غزة الحلقة الأضعف في النظام الفلسطيني الضعيف بشكل عام، كما أن علاقاتها مع إسرائيل هشة للغاية، ولطالما تأرجح الطرفان بين ترتيبات وقف إطلاق النار والتصعيد نحو مواجهة مسلحة كبيرة أخرى، ويمكن للأزمة الحالية أن تجعلهما يميلان بأي من الاتجاهين، على الرغم من أنه من المرجح أن يؤدي الوباء الذي لا سيطرة عليه إلى تحفيز أعمال العنف ضد إسرائيل.

وبصرف النظر عن الفيروس، من المرجح أن تؤدي الخطة الجديدة للحكومة الإسرائيلية المتمثلة بتطبيق السيادة على أجزاء من الضفة الغربية إلى زيادة احتمالات العنف، فحركة «حماس» لا تريد أن تتخلف وراء التراجع السياسي المتوقع لـ"السلطة الفلسطينية"، حتى أنها قد ترى فرصة لتحويل السخط الشعبي الداخلي نحو إسرائيل، وقد تحاول إيران تعكير المياه أيضاً، كما فعلت في الماضي من خلال جماعات مثل حركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين».

لذلك، يجب على أصحاب المصلحة الدوليين والإقليميين التعاون مع إسرائيل في إطار الجهود العاجلة لتزويد غزة بالمعدات الطبية الأساسية، كما يجب أن يساعدوا في تخفيف التوترات بين الجانبين، خصوصا فيما يتعلق بتبادل الرهائن والسجناء، وهي مسألة كانت عقبة كبيرة نحو التوصل إلى وقف لإطلاق النار على المدى الطويل، وبما أن المصالحة بين "السلطة الفلسطينية" و«حماس» ليست مطروحة في المستقبل المنظور، فعلى أصحاب المصلحة أن يحثوا "السلطة الفلسطينية" على أن تستمر على الأقل في تقليص العقوبات التي فرضتها على نظام الرعاية الصحية في غزة.

*مايكل هيرتسوغ وغيث العمري