يكثر الحديث في الزمن "الكوروني" عن مطالب ومشاريع قوانين لتعديل بعض أحكام القوانين النافذة بما يتلاءم مع المعطيات والوقائع التي فرضتها التدابير الاستثنائية المتخذة من قبل الأجهزة المختصة لمواجهة انتشار وباء "كوفيد-19".

وها هي الأفكار تتناثر والمشاريع تتبارز لتعديل قانون الإيجار وقانون العمل في القطاع الأهلي بما مؤداه عدم السماح بفسخ عقدي الإيجار والعمل في حال الإخلال بدفع المستحقات التي تقع على المستأجر، وعلى أرباب العمل أثناء الأزمات الشبيهة بالأزمة "الكورونية" التي تتعطل خلالها المصالح وتشل المرافق الخاصة والعامة، ويأتي ذلك بعد أن وافق مجلس الأمة الكويتي على مشروع قانون بتعديل القانون رقم (8) لسنة 1969 بالاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض السارية، بتغليظ بعض العقوبات بما يتناسب مع الأوضاع الصحیة السائدة، وبعد أن وافق أيضاً على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام المرسوم بالقانون رقم (38) لسنة 1980 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية، بما يحافظ على حقوق الدولة والأفراد في التقاضي من خلال تعليق بعض المواعيد الخاصة بالطعون أو التقادم أو الوقف أو الانقطاع أو التعجيل.

Ad

وعلى الرغم من حسن النوايا التي تقف خلف التعديلات المطلوبة فلا بد من التنبيه الى مغبة الجموح المحتمل في الصياغة والمضمون بما قد يشكل مساساً واضحاً بالمبادئ الدستورية والأحكام المستقرة، ولا سيما تلك التي تتعلق بـ«المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي» التي أفرد لها المشرع الدستوري الباب الثاني و«الحقوق والواجبات العامة» التي فصلها في الباب الثالث، الأمر الذي يجب معه مضاعفة الحرص على إبقاء القوانين داخل إطار "الحجر" الذي يحافظ على سلامتها الدستورية.

صحيح أن واجب العناية «بالصحة العامة وبوسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة» يتربع على قائمة الالتزامات الدستورية للدولة التي تضمن وفقاً لنص المادة 8 من الدستور "دعامات المجتمع" وتكفل له "الأمن والطمأنينة" وترعى سنداً لنص المادة (10) «النشء وتحميه من الاستغلال وتقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي» وتكفل وفق المادة (11) «المعونة للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل، كما توفر لهم خدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية» وتهتم وفق نص المادة (40) «بنمو الشباب البدني والخلقي والعقلي»، بيد أن هذه الكفة من المسؤوليات الدستورية يجب أن تتوازن مع مثابة دستورية أخرى هي عدم المساس بالحقوق والحريات الأساسية التي يقابلها واجب المواطن باحترام التزاماته الدستورية.

هذا التوازن الدستوري الدقيق بين الحقوق والواجبات لا بد أن ينعكس على صياغة وأهداف ومضمون كل التشريعات والقرارات التي تصدر والتدابير التي تتخذ في أوقات الرخاء كما في أزمنة البلاء والوباء، فمهما كانت الدواعي الصحية ضاغطة، ومهما كانت واجبات الدولة بارزة، ومهما كانت المطالبات حاضرة، لا بد لأي تعديل قانوني أن يراعي أحكام المادة (7) من الدستور الكويتي التي تقضي بأن «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع» وأن الاقتصاد الوطني وفق منطوق المادة (20) «أساسه العدالة الاجتماعية، وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين»، وأن حرية ممارسة النشاط التجاري والاستثماري يقتضي أن تبقى وفق نص المادة ذاتها «في حدود القانون» الذي ينظم أيضاً وفق المادة (22) من الدستور العلاقة بين العمال وأصحاب العمل، وعلاقة ملاك العقارات بمستأجريها «على أسس اقتصادية، مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية»، وعليه لا يجوز أن نبالغ بالتجاوز مبدأ «العقد شريعة المتعاقدين» وإلا ستصبح إجراءات التصدي للأزمة فرصة تسمح لأحد المتعاقدين بالتهرب خبثاً من التزاماته التي وقع عليها بمحض إرادته.

فحق العمل الذي كفلته المادة (41) من الدستور واعتبرته واجباً على كل مواطن «تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام»، يقابله حقوق أخرى لأرباب العمل ينظمها القانون وترعاها المبادئ الدستورية المستقرة وفي مقدمتها مبدآ «المساواة» و«العدالة الاجتماعية»، اللذان ينطبقان أيضاً على علاقة المستأجر بالمؤجر وعلى علاقة أي متعاقد بالطرف الآخر من العقد.

وأخيراً، تبقى المادة (29) من الدستور صادحة في هذا الشأن بإعلانها أن الناس، كويتيين وغير كويتيين، «سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين»، والدولة طبقاً لنص المادة (25) تكفل «تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة» دون المساس بحرية أو التعرض لحق أو الإخلال بتوازن تعاقدي أو الإخلال بالنظام العام.