في كل مجتمع يوجد أنصاف متعلمين أو مجانين أو كذابون أو شعراء سليطو اللسان أو مراهقون مستخفون دمهم، يغرقون مجتمعاتهم بالأكاذيب والشتائم والأطروحات غير العلمية وغير العقلانية، ويوقدون الفتن، وهذه ليست المشكلة الوحيدة، لأن المشكلة الأكبر عندنا أن أكاذيبهم وخرابيطهم وشتائمهم يصدقها جمع من الناس، ويتطوع جمع آخر كبير لنشرها في وسائل التواصل، وجمع ثالث يتصل بنا وبغيرنا يومياً ليسأل عن صحتها، وحتى في رمضان المبارك وفي عز أزمة كورونا لم ينعم هؤلاء على الناس بإمساك ألسنتهم وأقلامهم.

وهكذا ينشغل مجتمعنا في المناقشة والجدل والردود في غياب المعلومة الصحيحة التي كان على الأجهزة الرسمية بيانها ونشرها من أجل التصدي لكل منشور سيئ وغير صحيح ويفرق المجتمع.

Ad

تعالوا نحسب كم ضاعت أوقات الناس في المناقشة بين مصدق ومكذب حول دواء مزعوم تم اكتشافه في الكويت في حين تعجز مختبرات أمم الأرض كلها المتقدمة والعظمى وأجهزتها العملاقة وتكنولوجياتها الهائلة عن اكتشاف هذا الدواء، فزعموا أنهم وجدوه في الكويت! وحتى أسرة بيت الحكم لم تسلم فزعموا كذباً أن طائرة خاصة نقلت جثمان متوفاة من الأسرة إلى النجف مع نشر صورة للطائرة، ووصل الكذب إلى أسرة الأمير الوالد الشيخ سعد، رحمه الله، بعد إطلاق خبر كاذب تحريضي عن إرسال طائرة كبيرة لنقل حفيد له من السنغال إلى الكويت. وأيضاً تعالوا نتحدث عن الخرعة التي أصابت بعض الأسر عندما نفى أمثال هؤلاء وجود فيروس كورونا على الإطلاق، وقالوا إن فيروس كورونا عبارة عن كذبة كبيرة، وزعموا أن الصحيح هو مؤامرة دولية قامت بها دولة عظمى فنشرت غازا ساما وقاتلا! فيا له من كشف لمعجزة أو فلتة غابت وفاتت على المجتمع الدولي بأسره واكتشفتها الكويت! والمصيبة أن عندنا من صدقها. وهناك من يكتب عن بعد بقلة أدب عن القضاء الكويتي لأنه محكوم بعشرات السنين سجناً، ويتطوع العشرات لنقل ونشر ما يكتبه وما يتلفظ به من قاذورات في وسائل الاتصال.

وأضف إلى كل ذلك ما نشر من تناقض عن زيارة الوفد الصحي الصيني للبلاد، والأقاويل الكثيرة عن الإصابات ومستوى الرعاية والأموال التي صرفت في هذه الأزمة، والتأليب بين وزيري المالية والنفط وكذلك بين وزيري الصحة والتجارة، وجميع هذا يتم مع صمت مطبق من قبل الحكومة.

والأمثلة كثيرة وضحايا الإشاعات والأكاذيب أكثر من أن تعد شكواهم وآلامهم لأن من لم يخش العقوبة وأساء الأدب لا يهتم بهم وربما قصد الإساءة لهم. ذكرتني هذه الأكاذيب والإشاعات بمن زعم قبل الأزمة أن الصندوق السيادي سيكفينا وأحفاد أحفادنا لمدة مئة عام، فجاءت هذه الأزمة لتكشف هشاشة ذلك الزعم بعد أن احتل مساحة كبيرة من الجدل والندوات وتبادل الاتهامات في وسائل التواصل، وإضاعة الوقت والتردد في اتخاذ القرار.

الخلاصة أن أمثال هؤلاء لم يكتفوا في السابق بنشر مخرجات فكرهم القاصر أو المريض في الاقتصاد والسياسة والمجتمع الكويتي، فقاموا اليوم يشيعون أكاذيب جديدة في رمضان وفي خضم هذه الأزمة التي تمر بها البلاد بلا خوف من قانون أو تأنيب ضمير.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن"، ولكن يبدو أن بعض شياطين الإنس لم يصفدوا.