بدأت رحلة حاتم محمد راضي، بمولده في الخامس من يناير عام 1952، بقرية "ساحل الجوابر" التابعة لمركز الشهداء بمحافظة المنوفية (شمال القاهرة)، وانتقل مع أسرته إلى ضاحية العباسية في العاصمة المصرية، وكان الشقيق الأوسط بين أخيه الأكبر المهندس وأخته الصغرى الطبيبة، وامتثل لرغبة والده الذي كان يعمل مهندساً في الالتحاق بالكلية الحربية، وبعد عامين حوَّل حاتم وجهته إلى الدراسة بمعهد الفنون المسرحية، ما أثار غضب والده، وقاطعه لفترة طويلة.

وخلال حقبة السبعينيات حصل الفتى المتمرد على درجة البكالوريوس من قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ورأى أساتذته وزملاؤه أنه يحمل مقومات النجم السينمائي، من وسامة وقوام رشيق، وقدرة على التمثيل ببراعة، وسرعان ما بدأ مشواره أمام الكاميرا، وحينها نصحه الفنان وحيد سيف بتغيير اسمه، فاختار حاتم لقب "ذو الفقار" اعتزازاً بالفنان صلاح ذو الفقار، الذي كان جاره في نفس الشارع بضاحية العباسية.

Ad

الغول والحناكيش

في ذلك الوقت، منحه أستاذه المخرج المسرحي جلال الشرقاوي، فرصة ذهبية لصقل موهبته، كمساعد للإخراج، وقدم معه مسرحية "شهرزاد و8 ستات" بطولة هدى سلطان وزبيدة ثروت ومحمد عوض، ثم رائعة شكسبير "تاجر البندقية"، وأسند إليه الشرقاوي دور "شايلوك" اليهودي البخيل، ليجسِّد هذه الشخصية بموهبة فائقة، ومن المعروف أنها من الشخصيات الأثيرة لدى كبار النجوم في العالم، وقُدمت من خلال المسرح ومعالجات سينمائية كثيرة.

وتتابعت رحلة ذو الفقار كمساعد مخرج وممثل في مسرحيات جلال الشرقاوي، حتى قال له الأخير: "خلاص ممكن تاخذ طريقك للتمثيل وأنت مطمئن"، ومن هنا غادر الفتى الوسيم كواليس المسرح إلى الدراما التلفزيونية، ورشحه الفنان الكبير محمود مرسي، للمشاركة في مسلسل "قيود من ذهب" مع المخرج أحمد توفيق، وتتابعت أعماله التلفزيونية، وأبرزها دوره في "فلاح في بلاط صاحبة الجلالة" مع كمال أبو رية ونرمين الفقي ومحمود الجندي ورجاء الجداوي، عن قصة للكاتب إبراهيم الورداني وإخراج يوسف أبو سيف.

في تلك الفترة، اعتاد ذو الفقار ارتياد بعض مقاهي القاهرة، وتكرَّر ظهوره جالساً مع أصدقائه، وخلال تردده المستمر على هذه المقاهي نشأت علاقة وطيدة بينه وبين روادها، وقام بتجربة "مسرح القهوة" التي سبقه إليها بعض الفنانين مثل عبدالرحمن أبوزهرة ونجيب سرور، وقدم خلالها بعض العروض القصيرة لكتاب عالميين مثل الألماني برتولد بريخت، والفرنسي يوجين يونسكو، والسويسري فريدريش دورينمات وغيرهم.

والتفت المخرجون والمنتجون إلى موهبة الشاب الوسيم، ونال استحسان الجمهور، وبات على أعتاب مرحلة جديدة في مشواره الفني، وظهر في أدوار سينمائية صغيرة أمام كبار النجوم، مثل وحش الشاشة فريد شوقي في فيلم "آه وآه من شربات"، و"عنتر شايل سيفه" و"مسجل خطر" مع النجم عادل إمام، و"الحناكيش" مع النجم فاروق الفيشاوي، وتوالت أعماله الفنية الناجحة، حيث تصدر دور البطولة في أفلام عديدة منها "الشقي" مع الفنانة هياتم.

وبلغ ذو الفقار ذروة تألقه الفني، وأسندت إليه أدوار البطولة مع نجمات السينما في الثمانينيات، مثل نبيلة عبيد ونادية الجندي ويسرا، وتعددت أقنعته كممثل موهوب، يتميز بنبرة صوته الهادئة، ويعد من الممثلين القلائل الذين جسدوا شخصية الشرير بأداء مغاير، ولا يعتمد على التعبير المبالغ من عقد الحاجبين وجحوظ العينين، بل من خلال فهم عميق لأبعاد الشخصية الإنسانية بطبائعها السوية والسيئة، وهي طريقة في الأداء برع فيها الفنان الكبير عادل أدهم.

واستقر ذو الفقار في منطقة آمنة، وبات اسماً معروفاً لدى جمهور السينما، واستطاع أن يقف في صف واحد مع عمالقة التمثيل في الثمانينيات والتسعينيات، لكنه لم يرتكن إلى أدوار البطولة فقط، بل كان يقبل الظهور في أدوار صغيرة، لقناعته بأهميتها في السياق الدرامي، ولأنها تعني له مغامرة فنية جديدة، ومنها دور ابن رجل الأعمال المدلل "نشأت الكاشف" في فيلم "الغول" 1983 بطولة فريد شوقي وعادل إمام ونيللي وصلاح السعدني، وإخراج سمير سيف، وفي العام التالي جسَّد شخصية الضابط في فيلم "التخشيبة" للمخرج عاطف الطيب، وبطولة أحمد زكي ونبيلة عبيد وسعيد عبدالغني وتوفيق الدقن ووحيد سيف.

زفاف أسطوري

اشتهر حاتم ذوالفقار بكرمه وسخائه وحرصه على فعل الخير، وارتباطه بمسقط رأسه بقرية "ساحل الجوابر"، وكان دائم الزيارة لأهله هناك، وأقام مسجداً في قريته، كما ساعد في توفير مستودع لاسطوانات الغاز ومحطة وقود لخدمة أهالي القرية، وتم تسمية جسر هناك باسم زوجته السابقة الفنانة نورا، وهي الثانية من بين زيجاته الثلاث، الأولى كانت "كريمة" ابنة الصحافي الكبير إبراهيم الورداني، والثالثة من خارج الوسط الفني، ولم ينجب منهن، وانتهت قصص زواجه بالانفصال.

كان ذو الفقار قد شارك الفنانة نورا في أعمال فنية عديدة، وحدث التقارب بينهما في كواليس التصوير، وتحول زفافهما إلى ليلة أسطورية، عندما أقام لهما النجم نور الشريف (زوج شقيقتها الفنانة بوسي) حفلاً تحاكى به الجميع، وحضره كوكبة كبيرة من النجوم والشخصيات العامة، امتلأت بهم قاعة كبرى في أحد الفنادق المطلة على النيل، بينما غاب عن الحضور والد ذو الفقار، الذي رفض هذه الزيجة، وكان يرغب في تزويج نجله من إحدى قريباته.

ولم يدم الزواج طويلاً، وفؤجئ الوسط الفني بانفصالهما، وتناثرت الشائعات حول أسبابه، ومنها أن نورا اكتشفت بعد أيام من زواجها، أن حاتم مدمن على المخدرات، وتأكدت هذه الشائعة، عندما ألقي القبض على النجم السينمائي، وزج به إلى السجن.

وفي وقت لاحق، كشف ذو الفقار أسباب انفصاله عن نورا، وقال إنها قصة حبه الوحيدة، رغم معرفته بفتيات كثيرات وزواجه من اثنتين غيرها، إلا أنها مثلت لديه تجربة رومانسية بالغة الأثر في وجدانه، ولا يدري كيف انجذب إليها في أول لقاء، فهي فتاة رقيقة و"بنت بلد جدعة"، وتعرف إليها في فيلم "عنتر شايل سيفه" بطولة الفنان عادل إمام، وحدث بينهما تقارب شديد، وانفصلا في هدوء، لأنهما "أولاد أصول"، وأبرز أسباب الطلاق تدخل شقيقتها في حياتهما، واختلاف الآراء والطباع بينهما.

تركت الزيجات الفاشلة أثرها السيئ على مسيرة ذو الفقار، وتزامنت مع سقوطه في هاوية الإدمان، وتراجع رصيده من أدوار البطولة، وتحولت أخبار النجم السينمائي من الصفحات الفنية إلى صفحات الحوادث، وبات الفتى الوسيم في مأزق تراجيدي، يدفعه بقوة جارفة إلى بئر سحيق، وكأنه دور مأساوي في مسرحية أو شريط سينمائي، تدور أحداثه في أوكار المخدرات، وينتهي لا محالة بالمثول أمام المحقق، والزج به إلى غياهب السجون.

وبدت تجربة الإدمان كارثية، وتحوَّل النجم الصاعد في حقبة الثمانينيات إلى متهم، وله صحيفة سوابق، وتم القبض عليه ثلاث مرات، بتهمة تعاطي المخدرات، وحيازة مواد مخدرة، وعلى نحو مفاجئ انقلبت حياة ذو الفقار رأساً على عقب، وتحوَّل مسلسل إدمانه إلى قضية شغلت الرأي العام، وتعطلت أعماله الفنية، وسط حالة استياء من جمهوره وزملائه في الوسط الفني.

وتلك المرة، لم تدهم الشرطة ستوديو التصوير، للقبض على النجم أثناء تصويره بعض المشاهد التي يمثل فيها دور شرير يدخن المخدرات، بل داهمت قوات الأمن إحدى الشقق بضاحية العباسية، وقبضت عليه وصديقه في 15 نوفمبر 1987، حيث تم ضبطهما بكميات من الهيروين للتعاطي وبعض أنواع المخدرات الأخرى، وتمت إحالتهما إلى المحكمة التي قضت بسجن ذوالفقار عاماً وتغريمه 500 جنيه، وحبس صديقه خمس سنوات بتهمة إدارة مسكنه وكراً لتعاطي المخدرات، وتمت مصادرة المضبوطات من المخدرات التي ضبطت بحوزتهما.

سجن أبو زعبل

توالت المفاجآت في قصة ذو الفقار مع الإدمان، وخابت التوقعات أن يثوب إلى رشده، بعد تجربة السجن القاسية، ويستأنف نشاطه الفني بعيداً عن الشبهات، لكنه قضى عقوبته وخرج آملاً في سيناريو جديد لأحداث حياته، وأن ينسى جمهوره سابقته الأولى، لكن في مايو 1994 تم ضبطه للمرة الثانية، وبحوزته كمية من مخدر الهيروين، وبعد مرور شهرين من بدء محاكمته قضت المحكمة ببراءته من تهمة الاتجار في المخدرات، كما تم ضبطه للمرة الثالثة في فبراير عام 1995، برفقة صديقه تاجر المخدرات الذي تعرف إليه في سجن أبوزعبل، وقضت المحكمة آنذاك ببراءته من تهمة التعاطي.

وبحلول بدايات القرن الحادي والعشرين، كانت الأضواء قد انحسرت تماماً عن الفنان المدمن، ولم تعرف السيناريوهات الطريق إلى منزله، وظل وحيداً تتقاذفه الضغوط النفسية، وتكتب نهاية مبكرة لموهبته التي قتلها بيده، ولكنه في عام 2004 أرسل إلى وزير الإعلام المصري -آنذاك- صفوت الشريف، يطلب مساعدته في المشاركة في أعمال فنية، مؤكداً أنه تعافى نهائياً من الإدمان، وقد قضى عقوبة السجن، معترفاً بأن المخدرات أخرته عن تحقيق كثير من الأحلام، وتسببت في ابتعاد الجمهور عنه.

وبدت مفاجآت ذو الفقار بلا نهاية، وفجرها خلال لقاء تلفزيوني في عام 2008 بقوله إنه طلب رد اعتبار بعد حصوله على البراءة من الاتجار في المخدرات، وحصل عليه بالفعل، وقام بتقديمه من بين أوراق ترشحه وقتذاك في انتخابات مجلس الشعب "البرلمان" عام 2007، وأضاف بتأثُّر شديد إلى حد البكاء: "لقد فعلت هذا لكي أثبت لنفسي قبل الناس جميعاً أن سجلي أصبح شريفاً لا تشوبه أي شبهات، حيث إن هناك من يتخصصون في تلطيخ سمعة الناس".

وحاول ذو الفقار أن يمسك من جديد بخيوط موهبته، وأن يستعيد بريق نجوميته، ولكن أحلامه تعثرت كفنان موهوب، وتباعد ظهوره في أعمال فنية، حتى قبل بأدوار مساعدة في بعض المسلسلات الدرامية، وكان آخرها شخصية باشا في مسلسل "الرجل والطريق" عام 2009 قصة الأديب سعد مكاوي وإخراج إبراهيم الشوادي، وبطولة صفية العمري وممدوح عبدالعليم وأحمد بدير وسميرة عبدالعزيز وهادي الجيار.

جزيرة الشيطان

وظل شبح الإدمان يطارد ذو الفقار، ويحاصره في دائرة الاتهامات والشائعات، مما جعله يتحدث في حوارات صحافية عن هذه التجربة، وقال: "دخلت السجن لأنني عشت مثل كثير من الشباب الوهم الذي يسمى المخدرات... وهمٌ أصاب في فترة من الفترات ناساً كثيرة... والحمد لله عدت وكأنني كنت في بئر، وحالياً أقوم بردمه، وبدأت أتعلم كيف أسدي النصيحة وحصلت على جائزة دولية في مكافحة الإدمان، لدوري في نشر التوعية والنصح، وقدمت محاضرات للمدمنين وأهاليهم، واستفدت كثيراً من السجن وقربني من الله، وخرجت متفائلاً، وقدمت فيلم (جزيرة الشيطان) مع النجم عادل إمام وتحولت حياتي إلى الأفضل، لأن تلك الفترة كانت رسالة لكي أفيق".

وكان على حاتم ذو الفقار أن يدفع ثمناً باهظاً، وأن يصارع الأمواج دون أن يمنحه أحد طوق نجاة، وساءت حالته النفسية في أعوامه الأخيرة، وتعرض لأزمات صحية، وبدأت بحادث سيارة اضطر على إثره إلى تغيير مفصل في ساقه، مما أثر على قدرته في الحركة، وابتعد عن الأضواء، ولم يطلبه المنتجون لأعمال فنية، وانقطع عنه كل أصدقائه وزملائه الفنانين، وعاش في عزلة، حتى مات وحيداً في مسكنه في 15 فبراير 2012، عن عمر ناهز 60 عاماً وتم دفنه بمسقط رأسه في محافظة المنوفية.