عقب تكليفه رئيس المخابرات مصطفى الكاظمي تشكيل الوزارة الجديدة، أمس، بحضور استثنائي لأبرز قادة الكتل النيابية في قصر السلام ببغداد، أعلن الرئيس العراقي برهم صالح أن «أزمة الحكومة انتهت».

جاء ذلك بعد اعتذار النائب البارز عدنان الزرفي المكلف تشكيلَ الحكومة منذ منتصف مارس الماضي، عن عدم استكمال مهمته، نتيجة الرفض الشديد الذي واجهه من الأجنحة المتشددة، مما دفع قوى وطنية كثيرة إلى دعوته إلى الانسحاب لمصلحة مرشح آخر من «القماشة» ذاتها تقريباً، هو الكاظمي.

Ad

وقدم ائتلاف حيدر العبادي، الذي ينتمي إليه الزرفي، شكره إلى المرشح المنسحب، معلناً وضع ثقته بالكاظمي كحليف معتدل.

وبدا الرئيس العراقي منهكاً حين وصف تكليف الكاظمي أخيراً، بأنه «عبور للأزمة»، لأنه أول رئيس جمهورية يضطر لتكليف أربعة مرشحين لتشكيل الحكومة في العراق خلال أقل من عامين، عرقلتهم الأزمات السياسية والدولية والاحتجاجات الواسعة في البلاد، مما دفع المراقبين إلى ترجيح أن يشكل الكاظمي الحكومة بأسرع ما يمكن، حذراً من حصول طارئ جديد يعرقل هذه المحاولة.

لكن عبارة الرئيس برهم صالح ليست كافية لحل لغز يحير العراقيين، لأن الكاظمي هو الآخر كان حتى قبل أيام، مرفوضاً بشدة من حلفاء طهران، كحال الزرفي المرشح المنسحب، بل إن الميليشيات تواظب، منذ اندلاع احتجاجات أكتوبر العنيفة، على اتهام الكاظمي بأنه يقف خلفها تحضيراً لانقلاب يوصله إلى السلطة، ثم اتهموه بالتورط في تسهيل اغتيال قاسم سليماني جنرال الحرس الثوري الإيراني في غارة أميركية شهدها مطار بغداد مطلع العام الجاري!

بل إن زعيم ميليشيا رئيسية هو قيس الخزعلي تنبأ الصيف الماضي بحصول تظاهرات ستقود الكاظمي إلى السلطة، واصفاً ذلك بأنه انقلاب أميركي!

ورغم أن الكاظمي نفسه لم يصدق تلك النبوءة التي جاءت في إطار الاتهام له وللرئيس العراقي ومجموعة من كبار الضباط ومثقفين بارزين، يجمعهم الاعتراض على نفوذ الميليشيات في العراق، ومساندة مطالب المحتجين، فإن ترشيح الكاظمي وترشيح الزرفي المكلف المنسحب كذلك، يؤشران إلى تحول عميق في قواعد اللعبة السياسية فرضه جيل جديد من الاحتجاجات العنيفة التي أدت إلى إحراق قنصليتين لطهران في البصرة وكربلاء، وإحراق عشرات المقرات التابعة لميليشيات توالي حرس الثورة، خلال العامين الماضيين، في صعود لافت للشعور الوطني المُطالِب بعدم توريط العراق في الأزمات الدولية لمصلحة إيران.

ويمثل الكاظمي والمرشح المنسحب، جيلاً من ساسة الصف الثاني، هم إسلاميون سابقون، تطورت توجهاتهم السياسية نحو البراغماتية الليبرالية، وكانوا مقربين في التسعينيات، إلى النخب العلمانية العراقية التي تعاونت مع واشنطن لإسقاط صدام حسين، مثل رئيس الحكومة الأسبق أياد علاوي، والسياسي أحمد الجلبي، والمفكر كنعان مكية. وحين أثمرت جهود العلمانيين حلفاء أميركا هؤلاء، حسب وصف شائع، جرى تسليم السلطة منذ عام 2005، إلى إسلاميين موالين لطهران في مفارقة مكلفة.

ويبدو أن إيران تتكيف مع حقيقة فشلها في فرض مرشح قريب إليها من الآن فصاعداً، لذلك قاتلت لاستبعاد الزرفي مكتفية بالكاظمي الذي يبدو أكثر دبلوماسية من سابقه، رغم اشتراكهما في التوجهات السياسية العامة التي تثير قلقاً غير مسبوق لدى الإيرانيين، وتعلن تحولاً في السياسة العراقية أو فصلاً جديداً رغم غموض فرص نجاحه، لا سيما أنه تزامن، ليس عن قصد، مع الذكرى 17 لسقوط صدام حسين في التاسع من أبريل.