أحدثت وفاة قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني تغطية اعلامية غريبة الى حد كبير، وقالت بعض وسائل الإعلام الغربية إن وفاة سليماني كانت خسارة لبطل محبوب، وهو ما عبرت عنه أيضاً صحيفة نيويورك تايمز في عددها بتاريخ 7 يناير الماضي، وتناولت الصحيفة ما وصفته برأي بعض المعارضين الإيرانيين ضد الجنرال سليماني.

وبحسب أحد استطلاعات الرأي فإن نحو 79 في المئة من الإيرانيين سيصوتون ضد النظام الحالي في طهران إذا حصلوا على انتخابات نزيهة، ولعل الأكثر غرابة هي الرواية التي تحدثت عن توجيه اللوم إلى الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب حول إسقاط طائرة مدنية والتي أسفرت بدورها عن مظاهرات شملت كل أنحاء إيران وقام المتظاهرون بتمزيق صور المرشد الأعلى والجنرال سليماني.

Ad

معارضة من دون قادة

المعارضة للنظام في إيران لا تستهدف رجال الدين فقط، وهي واسعة وعميقة، لكنها غير مركزة أيضاً، وتلك، على أي حال، ليست مصادفة لأن ما تبرع فيه الدول البوليسية هو التأكد من عدم وجود قادة معارضة يتمتعون بثقة الجماهير.

وآخر أكبر معارضين رئيسيين على قيد الحياة في إيران اليوم هما مهدي خروبي وحسين موسوي وهما رهن الاقامة الجبرية منذ أكثر من عقد من الزمن بسبب اتهامهما بقيادة مسيرات احتجاج ضد النظام في عام 2009، وقد ارتكبا أخطاء كبيرة في عملهما المعارض ويضعف دورهما أيضاً تقدمهما في السن اضافة الى اتهامهما بالعلاقة مع نظام طهران، ومعروف أنهما خدما في حكومة آية الله الخميني بعد ثورة عام 1979 وخلال تلك الفترة تم اعتبار آلاف الإيرانيين ضمن شريحة "الأعداء" التي شملت طبقة واسعة من الماركسيين والمثقفين وأنصار رئيس الوزراء المخلوع محمد مصدق، وقد تلقى هؤلاء الحلفاء الذين ساعدوا الخميني على إطاحة شاه إيران محمد رضا بهلوي طعنة في الظهر بمجرد سقوط الشاه وسيطرة الخميني على الحكم.

سياسة الاغتيالات

يذكر أن أبرز المعارضين هو ولي العهد رضا بهلوي الذي يعيش في المنفى في الولايات المتحدة، وأشار الكثير من المراقبين الذين تحدثت اليهم الى وجود دعم قوي له، ولكنه يفضل البقاء بعيداً عن العمل السياسي وعدم محاولة حشد المعارضة للنظام في الوقت الراهن وهو ما يفسر وجوده على قيد الحياة حتى الآن، ومعروف أن إيران لا تخفي سعيها الى اغتيال قادة المعارضة وقامت بعمليات قتل في أوروبا في ثمانينيات القرن الماضي وعملية واحدة على الأقل في الولايات المتحدة.

ثم هناك حركة "مجاهدي خلق" وهي منظمة سياسية تضم ميليشيات وذات جذور ماركسية مكرسة لإطاحة النظام في إيران، وتتمتع هذه المنظمة بوجود آلة دعاية فعالة ومؤثرة والكثير من المال والروابط مع الحكومة الأميركية، وقبل عدة أعوام نجحت في شطب اسمها من قوائم المجموعات الإرهابية لدى وزارة الخارجية الأميركية اضافة الى دفع أعضاء في الحزب الجمهوري الى حضور مهرجاناتها الخطابية في الولايات المتحدة، وتتمثل المشكلة الرئيسة لدى حركة "مجاهدي خلق" في أنها تعتبر طائفة دينية من قبل غير الأعضاء فيها.

دعم من صدام حسين

ويرجع ذلك في جزء منه الى حصول الحركة على دعم مالي من جانب صدام حسين خلال الحرب العراقية – الإيرانية وقد أعقب ذلك قتالها الى جانب قواته، والآن وبعد زوال صدام حسين يقال انها تحصل على المال من إحدى دول الخليج.

وقال لي أحد الأشخاص الذين تحدثت اليهم إنه يعرف ما هو الشيء الذي سيطلق في نهاية المطاف المعارضة للنظام الإيراني وهو الماء، وتتعرض إيران بسرعة الى نقصان في المياه وليس لتلك الظاهرة أي علاقة بتغير المناخ بل بسوء إدارة الدولة لمصادر المياه.

وقد علمت ذلك من نيكاهانغ كاوسر وهو معروف بانتقاده الحاد لنظام الحكم في إيران واشتهر برسومه الكاريكاتيرية المعبرة عن قضايا سياسية، وقد انتشرت أعماله في وسائل اعلام مرموقة في شتى أنحاء العالم، ولكن قبل أن يحترف الرسم السياسي كان جيولوجياً، وقد اضطر في نهاية المطاف الى مغادرة إيران بعد أن تم اعتقاله وتعذيبه بسبب رسومه الناقدة للنظام بشدة، ولكن قبل حدوث ذلك كان قد أبلغ من يدعى رئيس إيران "المعتدل" محمد خاتمي أن ادارة مياه إيران ستدفع البلاد في نهاية المطاف الى الهاوية بكل تأكيد.

واليوم يعتقد كاوسر أن تحذيره الذي أصدره قبل نحو عشرين عاما سيتحول الى حقيقة في وقت قريب، وإيران على وشك التعرض الى جفاف واسع– في رأيه– وهو ما تظهره نماذج الهجرة من الناطق الريفية واستمرار سوء إدارة المياه سيفاقم هذه الأزمة.

ويقول: "أنا أعتقد أن إيران ستواجه حالة صعبة ومؤلمة خلال الأعوام القليلة المقبلة، ولن تتمكن من الصمود، واستناداً إلى الأرقام التي أعلنتها حكومة طهران في العام الماضي ففي عام 2013 عندما أصبح روحاني رئيساً للجمهورية وصل عدد سكان المناطق الريفية الى 12 مليونا، وفي عام 2018 ارتفع العدد الى 19.5 مليون نسمة وذلك يعني زيادة في معدل الهجرة وصلت الى 7.5 ملايين خلال خمس سنوات فقط.

ويؤكد كاوسر أن معظم الذين ينتقلون الى المدن هم من سكان الأرياف الذين لم يعد بمقدورهم العناية بأرضهم بسبب نقص المياه، وهو يقدر أيضاً أن إيران تواجه نقصاً سنوياً في كميات المياه يقارب العشرين مليار متر مكعب وهي تعوض هذا النقص عن طريق السحب من الطبقات الصخرية المائية بوتيرة مثيرة للقلق.

ويضيف: فقدت إيران أكثر من 85 في المئة من موارد المياه الأرضية خلال الأربعين عاماً الماضية، وارتفع عدد السكان من 35 مليون نسمة الى 84 مليوناً، وهكذا أصبح هناك المزيد من المستهلكين وكمية أقل من المياه، وذلك يعني كمية أقل من الغذاء والفرص ويمكن القول من هذا المنطلق إن الأوضاع لا يمكن أن تستمر.

ومضى كاوسر الى شرح كيفية قيام النظام الإيراني بخطوات أفضت الى خلق أزمة المياه في البلاد، وقال إن أحد الأشياء المثيرة للاهتمام التي حدثت في أعقاب سقوط شاه إيران محمد رضا بهلوي كان القرار الذي اتخذه نظام طهران بالتوقف عن متابعة برامج ادارة المياه المستدامة، ولكن، كما هو معروف، فإن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد لأن الحرس الثوري الإيراني الذي كان الجنرال قاسم سليماني يساعد في إدارته لم يكن مجرد منظمة شبه عسكرية فقط بل تكتل تجاري يملك، بين أشياء أخرى، شركة بناء عملاقة تدعى "خاتم الأنبياء" وتجني الأموال الطائلة من عملياتها في بناء السدود.

وعلى أي حال فإن المشكلة هنا تكمن في أن بناء الكثير من السدود يعتبر عملية غبية عندما تعيش في بيئة حارة وجافة، حيث إبقاء المياه فوق سطح الأرض وتعرضها لأشعة الشمس يفضي الى فقدان كميات كبيرة منها بسبب التبخر، وذلك بدلاً من الاحتفاظ بتلك المياه في الطبقات الصخرية الباردة تحت سطح الأرض، حيث لن تكون عرضة للتبخر، ثم إن الشيء الآخر الذي تقوم السدود به هو منع الأنهار ومصادر المياه الأخرى من إعادة ملء الطبقات الصخرية ذاتها والتي تقوم حكومة طهران بسحب المياه منها.

الحقيقة الجلية

وثمة حقيقة جلية ومؤكدة وهي أن أي كمية من الأسلحة التي قد تملكها الحكومة الإيرانية لن تكون لها قيمة تذكر عندما لا يكون لدى أحد من أبناء الشعب الإيراني أي كمية من الماء. وإضافة إلى ذلك فإن الجماهير الإيرانية تدرك أن هذا الوضع المثير للقلق ناجم عن خطأ يقترفه نظام طهران وقد أقر وزير البيئة الإيراني عيسى كالاناتاري بأن محنة نقص المياه في البلاد هي من صنع البشر.

من جهة اخرى يقول كاوسر إنه يرتبط بعلاقة صداقة مع ولي العهد الإيراني رضا بهلوي وإنه رافقه عندما توجه لإطلاع مشرعين أميركيين من أمثال تيد كروز وجون ماكين على الوضع في إيران في الفترة الماضية.

وبحسب كاوسر فإن رضا بهلوي محاط بمجموعة من المستشارين وإن فئة الشباب فيها تدعوه الى اتخاذ اجراءات أكثر فعالية وجدية من أجل حشد المعارضة الإيرانية لحكومة طهران، فيما ينصحه كبار السن من المستشارين بتوخي الحذر وعدم التسرع في مثل تلك الخطوات، ويرى كاوسر أن الفئة الأخيرة هي التي فازت حتى الآن.

كسر جدار الصمت

لكن ولي العهد الإيراني كسر جدار الصمت في خطاب له حول الوضع في بلاده ألقاه بعد سنوات طويلة من الغياب في معهد هدسون في واشنطن في الخامس عشر من شهر يناير الماضي، وقد نقل ذلك الخطاب على الهواء مباشرة عبر قناة "يو تيوب" وشاهده 1300 متابع على الأقل، وتطرق بهلوي يومها الى الأخطاء التاريخية التي ارتكبها نظام طهران وقال انها عصية على الإصلاح، مضيفاً أن ذلك النظام لا يستحق إجراء مفاوضات معه، كما دعا أيضاً الحكومات الأجنبية الى التوقف عن دعم الوضع القائم في إيران لأنها تخشى من انتشار الفوضى في المنطقة، وشدد على ضرورة استمرار سياسة الحد الأقصى من الضغوط ونصح الشعب الإيراني بالبدء بتشكيل أحزاب سياسية والاستعداد لقيام نظام جديد يخلف الحالي في طهران.

* آرت كيلر