تسارعت خلال الأيام القليلة الماضية وتيرة إقرار قانون الدين العام، خصوصاً بعدما أحالت الحكومة إلى مجلس الأمة طلباً باستعجال القانون للتصويت عليه.

وحسب القانون المقترح، فإنه يتيح للحكومة اقتراض ما يصل إلى 20 مليار دينار مدة تصل إلى 10 سنوات لتغطية مصروفات استهلاكية، وأخرى استثمارية أعلنها وزير المالية هذا الأسبوع بواقع 8 مليارات دينار مرتبطة بتمويل عجز الميزانية و12 ملياراً مشروطة لقيمة المشاريع الرأسمالية المقررة في الميزانية.

Ad

وإذا كان انخفاض أسعار النفط المحلية عن الأسعار التقديرية الواردة في الميزانية كبيراً وغير مسبوق، خصوصاً أن سعر برميل النفط الكويتي يوم الثلاثاء الماضي انخفض بواقع 74 في المئة عن سعر التعادل و60 في المئة عن سعر الأساس المتحفظ في الميزانية، وداعماً لفكرة البحث عن بدائل غير تقليدية لتمويل الميزانية... فإن الاتجاه للاستدانة كخيار بلا قيود هو أمر بعيد عن الحصافة، إذ إن تجارب الحكومات السابقة منذ سنوات الفوائض المالية المليارية في بداية الألفية إلى سنوات العجز الناتجة عن تدهور أسعار النفط العالمية عام 2014 إلى الدخول في أول عملية استدانة من الأسواق الدولية عام 2017، كلها حفلت بميزانيات ذات إنفاق منفلت وعجز اقتصادي في تنمية الإيرادات غير النفطية، وأعباء متراكمة على أبواب الرواتب والدعومات بشكل يجعل التسليم لنفس العقلية التي أدارت الميزانيات السابقة في تولي ملف إدارة الدين العام أمراً محفوفاً بالمخاطر على الميزانية والإنفاق والتصنيف السيادي والعملة الوطنية وكل انظمة الرعاية الاجتماعية مستقبلاً.

وإذا كان إقرار الدين العام ضرورياً على اعتبار أن أزمة كورونا قللت فرص خلق البدائل فضلاً عن أن من يدرس الخيارات سيصطدم باستنفاد خيارات سهلة خلال السنوات الماضية على إنفاق غير ضروري كما حدث في السحب المرتفع من الاحتياطي العام خلال السنوات الماضية، فإن هناك محظورات لا يجب الاستهانة بها ولا إباحتها... فالمطلوب عمل حوكمة لإدارة الدين العام تخفض مخاطره وتقلل درجة انحرافه عن الأهداف المقررة لأجله.

خطة حكومية

وأول ما يجب اعتماده عند التفكير في تسويق قانون الدين العام في المجتمع أن يتسق طرحه بخطة حكومية محكمة تبين أوجه الصرف بشكل تفصيلي وفق برامج إفصاح زمنية (شهري - ربعي - سنوي)، ومنها تتبين حصافة إنفاق أموال الدين العام من عدمها، على أن توضح فيها أوجه الإنفاق وضرورتها مع الأخذ بعين الاعتبار إعادة النظر في إنفاق الميزانية العامة للدولة والتخلي عن أوجه الهدر الصريحة في الميزانية من مصروفات خاصة، وتلاعب بالعلاج في الخارج، ومشاريع ضعيفة العائد المالي والاقتصادي للدولة، على أن تواكبها كذلك خطة أخرى ملزمة لتنمية الإيرادات المالية غير النفطية للدولة على المديين المتوسط والطويل مع معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، خصوصاً ما يتعلق بالتركيبة السكانية.

وهنا ربما يجب الاعتراف بأن وضع خطة حكومية إنشائية على غرار خطط وثيقة الإصلاح الاقتصادي ومشروع استدامة ومختلف خطط التنمية السابقة والحالية ربما يعطي نتائج سلبية على مستوى الدولة وماليتها لأن الاستهانة بالأموال في زمن الاقتراض أقسى أثراً من الاستهانة في وقت الفوائض والرواج مع الأخذ بعين الاعتبار أن رقابة المجتمع والرأي العام والمختصين ربما تكون أجدى من رقابة وأداء مجلس الأمة الذي بات الإخفاق خلال السنوات الاخيرة ملازماً لأعماله في معظم الملفات الاقتصادية المهمة.

خيارات التمويل

لا شك أن هناك أدوات متعددة للتمويل تقلل مخاطر الاستدانة، وهنا يمكن لمديري الدين العام البحث عن مختلف البدائل من خلال التعامل مع المؤسسات الكويتية الحكومية المليئة بالسيولة، مثل مؤسسة البترول الكويتية، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، والتأمينات الاجتماعية، فضلاً عن البنوك المحلية ثم الدولية، وكلما كان المشاركون في إصدار الدين العام أكبر عدداً وفئاتٍ كانت المخاطر أقل، وأيضاً يتيح لها الترتيب والتعاون مع مؤسساتها الاقتصادية، ثم بنوكها المحلية في حال تزايد الصعوبات مع ضبابية أوضاع سوق النفط الذي يستعد حالياً لخفض تاريخي للإنتاج لتلافي انحدار الطلب في العالم على وقع أزمة كورونا، وما يترتب عليها من تداعيات اقتصادية وسيناريوهات مفعمة بالتشاؤم لتداعيات تستمر 3 سنوات.

هذه الخيارات يجب أن تقترن أيضاً بتحصيل كل الأموال المستحقة للخزانة العامة للدولة إلى جانب احتساب حصة من أرباح الاستثمارات السيادية للدولة ضمن الإيرادات العامة حتى ولو كانت لفترة زمنية تتعلق بفترات سداد الدين العام.

حصافة الإنفاق

في وضع مستجد كوضع تداعيات أزمة كورونا من المهم أن يكون التعامل مع الأموال المتأتية من الاستدانة حصيفاً إلى أبعد مدى، وعليه يكون حديث وزير المالية عن اقتراض نحو 20 مليار دينار، بواقع 8 مليارات مرتبطة بتمويل عجز الميزانية و12 ملياراً مشروطة لقيمة المشاريع الرأسمالية المقررة في الميزانية، هو أمر بعيد عن ضرورات الإنفاق، بل ربما يكون من ضمن مشروع قديم لم يراعِ مستجدات الأحداث التي تسبب فيها فيروس كورونا، فالأولوية اليوم في الإنفاق على المدى القصير لا بد أن تكون لمصلحة تدعيم شبكة الرعاية الاجتماعية من صحة وغذاء، ومغادرة مخالفي الإقامة، وإنشاء المحاجر الصحية، وكل ما يرتبط بضرورات مواجهة الفيروس وتداعياته على المجتمع، أما على المديين المتوسط والطويل فإنفاق 12 مليار دينار على مشروعات رأسمالية مدرجة في الميزانية معظمها لا يوفر للدولة إيرادات غير نفطية، أو فرص عمل للشباب الكويتيين، سيكرر أخطاء سنوات الفوائض في سنوات العجز، فالأولى أن تعاد صياغة أهداف إنفاق أموال الاستدانة على ما قررته أزمة كورونا على الاقتصاد والمجتمع.

مخاطر الاستهانة

لا شك أن الاستهانة بإدارة أموال الدين العام أمر بالغ الخطورة، وما أمثلة اليونان والأرجنتين وفنزويلا إلا صورة لا يريد أحد للكويت أن تبلغها، وهذا يستوجب على صانعي السياسات المالية والاقتصادية التعاطي بحذر معها، فلا يوجد أخطر من المضي في الاستدانة والتوسع فيها إلا الاستهانة بإدارتها.