نحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ونحمده على أنه أنعم علينا بحاكم يحنو على أبناء شعبه، وليس له هم إلا حمايتهم وتوفير الحياة الآمنة الكريمة لهم، إضافة إلى وجود مسؤولين حكوميين برز معدنهم النقي تحت ضغط هذه المصيبة، ونحمده كثيراً على ما أبرزته هذه الأزمة من تكاتف وتعاضد أغلب فئات المجتمع، وفي مقدمتهم شباب جميل يافع هب للتطوع لمساندة الحكومة في جهودها، وأثبت مدى حب هذا الشعب لوطنه، وأوضح روح الإيثار والتكاتف الأصيلة التي جبلت عليها الكويت منذ القدم.

ومع ذلك فإنه حتى نصون هذه النعم فإنه يجب الالتفات إلى العديد من الأمور السلبية التي أبرزتها هذه الأزمة، وأن نعتبر مما أصابنا، ويجب ألا يمر الموضوع مرور الكرام، ويجب أن نبادر من الآن إلى وضع الخطط اللازمة للتعامل مع ما بعد مرور الأزمة، والتي ستنتهي قريبا بفضل الله وبجهود المخلصين من أبناء الوطن.

Ad

لا أستطيع أن أصف ما حصل إلا أنه يشبه صفعة على خد الوطن، لعل وعسى أن نستفيق من غفلتنا ونأخذ حذرنا من الكثير من الممارسات المقيتة من أشخاص ومتنفذين ومسؤولين على مدى سنوات كثيرة، ولو كنا تعاملنا مع تلك الممارسات بالحزم اللازم لتلافينا الكثير مما نمر به الآن.

فهل كنا بحاجة لهذه الصفعة لندرك أخيرا أن التهاون المستمر مع تجار الإقامات الذين أغرقوا البلد بهذه الأعداد المهولة من العمالة السائبة، والتي أبسط ما توصف به أنها قنبلة موقوتة يمكن أن تدمر البلد نظراً لكثرة أعدادها، ووجودها خارج إطار السيطرة، وتكدسها في بؤر كثيفة تفاقم وضعها الصحي والأمني والاجتماعي، ويجعلها من أكبر مصادر التجارة غير المشروعة، ونقل الأمراض والعدوى كما ثبت مؤخراً، إضافة إلى أنها تشكل بؤرا مثالية لإيواء مخالفي القانون، وما ذلك إلا نتيجة للتراخي كما قلنا في التعامل مع تجار الإقامات والتغاضي عن ممارسات الشركات التي يفترض أن توفر السكن المناسب لعمالتها الكثيفة.

هل كنا بحاجة لهذه الصفعة لندرك مدى استهانة الكثير من المواطنين والوافدين أيضا بالقوانين ورجال الأمن، حيث تكررت حالات كسر حظر التجول، والاعتداء على رجال الأمن، وعدم الالتزام بتعليمات الحجر المنزلي، وهي ثقافة كبرت ونمت نتيجة للوساطات الكثيرة للمتنفذين، وتدخل أعضاء مجلس الأمة في أعمال السلطة التنفيذية، إضافة إلى ذلك فقد أوضحت الأزمة مدى تنامي حب الشهرة والظهور حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة العامة ومخالفة القانون، حيث شاهدنا الكثير من المواطنين والوافدين على قنوات التواصل الاجتماعي يدلون بتصريحات وانتقادات بطريقة غريبة خلفت استهجانا شعبيا لهم، وأدت في كثير من الأحيان إلى إثارة البلبلة والرعب نتيجة لمعلومات مغلوطة تسببت في خلق ضغط كبير على الجهات المسؤولة لنفي تلك المعلومات.

هل كانت الحكومة بحاجة لهذه الصفعة لتدرك مدى سطوة بعض النواب وتأثيرهم على قراراتها لمصالح شخصية وفئوية وقبلية، وتقديم ذلك على مصلحة الوطن والمواطنين، ولتدرك الحكومة بعدها أن سياسة الحزم وعدم الخضوع للابتزاز هي السياسة المثلى لتحقيق النتائج التي جعلت سمعة الكويت تجوب آفاق الأرض عن كيفية التعامل مع الأزمات.

هل كنا بحاجة لهذه الصفعة لندرك مدى حب وإخلاص وتفاني أبناء الوطن الذين قفزوا للصفوف الأمامية لمساندة الجهود الحكومية لمكافحة هذا الوباء وتسيير شؤون البلد في ظل الإغلاق الجزئي، مما يدحض بشكل كامل مقولة أن الكويتي لا يعمل التي روجها الكثير من الوافدين عن شبابنا؟

وهل كنا بحاجة لهذه الصفعة لندرك مدى أهمية المحافظة على احتياطياتنا المالية وتنميتها، ومنع الهدر، والتخطيط السليم للمشاريع، وعدم الانصياع للرغبات والمشاريع الشعبوية، علما أن هذه الاحتياطيات هي التي تشكل صمام الأمان الذي يضمن ويدعم قدرة الدولة على توفير الأمن والأمان للمواطنين في هذه الأزمة أو أي أزمات أخرى لا قدر الله؟

هل كنا بحاجة لهذه الصفعة لندرك مدى ضعف النموذج الذي قامت عليه المحفظة المليارية للمشاريع الصغيرة، والتي امتلأت بالكثير من المشاريع الهشة والركيكة التي لا تتمتع بأبسط مقومات الاستمرارية أو الاستدامة، ولا تشكل أي قيمة مضافة للاقتصاد، وأصبحت عبئا كبيرا على كاهل الحكومة، والوضع نفسه ينطبق على المزارع والجواخير ومشاريع الأمن الغذائي والتي كانت مساهمتها ضعيفة جدا ولا ترقى إلى مستوى الدعم الحكومي المقدم لها؟

هل كنا بحاجة لهذه الصفعة لندرك مدى تخلفنا علميا وتقنيا، وكم نحن بعيدون عن استخدامات التكنولوجيا الحديثة، وسقوط مقولة الحكومة الإلكترونية، وأبلغ مثال على ذلك هو تعامل وزارة التربية مع هذه الأزمة التي كشفت العقلية التي تدار بها الوزارة؟

قد نكون ضيعنا فرصة كبيرة أنعم الله بها علينا بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم، حيث غادر الكثير من الوافدين، وتحررت الكويت من سيطرتهم على كثير من مفاصل الدولة، وها هي الفرصة تأتينا الآن على طبق من ذهب، حيث بدأنا نشاهد مغادرة الكثير من مخالفي الإقامة إضافة الى الكثير من العمالة الهامشية والسائبة، ولن يتحقق ذلك إلا باتباع سياسة الحزم في تطبيق القوانين، والضرب بيد من حديد على تجار الإقامات، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والقضاء على مصادر الهدر، والتخطيط الحقيقي والجاد للمستقبل لتحقيق التنمية والاستدامة مع مراجعة متعمقة لخطط التنمية القديمة، وذلك بالاستعانه بالمخلصين من المواطنين بعيدا عن المستشارين الأجانب لوضع خريطة الطريق لكويت المستقبل.