صورة ناصعة رسمتها مؤسسات الدولة المختلفة في تعاملها مع أزمة «كورونا» التي تعيشها البلاد، على مستويات وزارات الصحة والتجارة والداخلية والدفاع، استحقت عليها إشادة الجميع، وفي مقدمتهم صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، لدى ترؤسه اجتماعاً استثنائياً لمجلس الوزراء.

صورة حية تنبض بوعي الكويتيين وحرصهم على بلدهم، لم يعكر معالمها سوى غياب الدور الفاعل لوزارة التربية التي سقطت في شبر ماء ولم تستطع أن تحرك ساكناً، بعدما وجدت نفسها أمام موجة عالية لا تستطيع مقاومتها.

Ad

نعلم جيداً أن هناك آراء قد أبرزت تلك المفارقة ولاحظت ذلك الغياب المخجل لوزارة منوط بها تشكيل الأجيال لخدمة حاضر البلاد ومستقبلها، ومع ذلك رأينا أن نؤكد هذا الغياب والتقاصر، لتنتبه الحكومة إلى أن «التربية» ليست حقيبة هامشية، وليست مجرد وزارة خدمية لا طائل من ورائها إلا أن تكون مجرد مراكز لتجميع أبنائنا ليقضوا فيها عدة ساعات من النهار، ثم يعودوا منها كما دخلوها بلا جديد.

وإذا كانت الصحة والتعليم هما عماد مستقبل الأمم، فلنعترف بأننا لا نتقدم إلى هذا المستقبل بتعليم حقيقي، لأنه لم يعد لنا من التعليم الا اسمه، وإلا فما تفسير أن تقف وزارة التربية عاجزة قاصرة قليلة الحيلة لا تدري ماذا تفعل حيال عدة ملفات طارئة كان مطلوباً منها أن تتخذ فيها قرارات حاسمة؟!

ومما يثير بواعث الخجل أن نلمح ذلك التردد واضحاً في كل قراراتها، خلال تعاملها مع الأزمة الحالية، فوزارتنا المحترمة تتعامل مع الأزمة بعقلية المشاهد لا عقلية المنوط به اتخاذ قرارات، لتضيع على أبنائنا نصف عام دراسي دون بديل، بعدما صدعت رؤوسنا طويلاً بالتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، وباستفادتها من تجارب البنك الدولي.

كل ذلك وسط ميزانيات ضخمة تلقتها الوزارة للإنفاق على مشاريعها الإلكترونية الطموحة، فأين ذهبت مشروعات الفلاش ميموري، والحقيبة الإلكترونية والتعليم عن بعد؟ للأسف لم تكن إلا عناوين براقة توضع كبنود للإنفاق من ميزانيات ضاعت على بلادنا سدى... لنجد أنفسنا قابعين في أدنى دركات التعليم، في حين خطت دول كثيرة من حولنا خطوات وثابة إلى المستقبل عبر انتهاجها التعليم الإلكتروني الحقيقي الذي هو سلاح العصر، ولا سيما في مثل هذه الظروف الطارئة.

وإحقاقا للحق، فإن الوزارة الحالية ليست وحدها المسؤولة عن ذلك التردي، فقد ورثت تركة مثقلة بسنوات من الإهمال والاستهتار والتردد والشعارات الجوفاء والتجارب الفاشلة والاكتفاء بالقشور.

آن الأوان لننظر إلى التعليم على أنه قضية أمن قومي وبناء للمستقبل وصناعة للنشء، لذا علينا أن نوليه الاهتمام المستحق، ولتكن البداية بفصل حقيبة «التربية» عن وزارة التعليم العالي، فلدى أولاهما ما يكفيها من المشاغل والأعباء والتراكمات التي تريد إنجازها، لاسيما أن هناك وزارات أخرى لا تتضمن ملفات بهذه الأهمية ولا بهذه الكثرة، تم فصلها!

مجدداً وختاماً نؤكد ونكرر أن الصحة والتعليم هما عماد بناء المستقبل، لذا على «التربية» أن تستعين بمشرط «الصحة» لإجراء جراحة عاجلة لإنقاذ الجسد التعليمي المثقل بالأوجاع.