توالت هذا الأسبوع معلومات عن تلقي الحكومة مقترحات متعددة، تصب في اتجاه مواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد المحلي، فيما يعرف بإجراءات التحفيز الاقتصادي.

ومع تأكيد أن هذه المقترحات على تنوعها واختلافها لاتزال أولية وفي طور الدراسة والبحث والتقييم، فإن ثمة ضوابط وقواعد معمولاً بها عالميا، لضمان نجاح أي خطة تحفيز وأن تكون بالفعل مفيدة للاقتصاد وألا توجّه لغير مستحقيها أو تكون الاستفادة منها لفئات محدودة، خصوصا أن اطلاق حزم التحفيز في الاقتصاديات الريعية، التي يعتمد فيها الأفراد والشركات على الإنفاق الحكومي تكون في العادة صعبة التنفيذ، وإمكانية حدوث الاختلالات فيها عالية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المالية العامة للدولة تواجه ضغط انحدار أسعار النفط الخام بنحو 50 في المئة، مقارنة بسعره قبل شهر واحد.

Ad

تحوُّط لا رفض

هذه المقدمة ليست دعوة لرفض حزم التحفيز من مبدئها بقدر ما هي تنبيه لأهمية التحوط في صياغة وتنفيذ تلك الحزمة والأخذ في الاعتبار منفعة الاقتصاد كأساس لها، وفي الحقيقة فإن معظم دول العالم المتقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، ومعها دول الخليج كالسعودية وقطر والإمارلات أقرت حزم تحفيز نقدية ومالية، وبالنسبة إلى الدول المتقدمة، تحديداً، فإن ملامح التحفيز فيها تبدو أوضح من إجراءات الدول الخليجية، لأن ضخ الأموال في السوق يستهدف المحافظة على الأعمال بكل ما توفره من فرص عمل وإيرادات ضريبية وإنتاج صناعي ونمو اقتصادي، بعضها حالي وبعضها الآخر على المدى الطويل، وفي الحقيقة فإن هذه المحددات تكاد تكون معدومة بالنسبة إلى دول الخليج، ومنها الكويت، لأن الاقتصاد فيها قائم بشكل جذري على الإنفاق الحكومي.

منفعة الاقتصاد

صحيح أن الأزمة شملت قطاعات السوق كلها تقريباً، من الأنشطة الصغيرة فالكبيرة، إلى ايرادات المالية العامة، والدولة هنا متضررة كما تضرر أصحاب الاعمال كبارا وصغارا، والأجدر ان يكون هناك برامج قروض متعددة للمتضررين الفعليين من أزمة كورونا وما صاحبها من توقف الأنشطة، بحيث تكون الفائدة ميسرة يمكن أن تقدمها البنوك أو تشارك في تقديمها، وتحت رقابة وإشراف بنك الكويت المركزي، ومن المهم ألا تكون شعبوية؛ مثل تقديم المنح المالية أو تأجيل سداد القروض الاستهلاكية والمقسطة، ولا تنفيعية؛ كأن تضمن الدولة قروض الشركات وتعويضها عن قرارات الإغلاق الحكومية أو دعم أسهم الشركات في البورصة، دون النظر لحصافة القرار الاستثماري... والأهم من ذلك أن يرتبط برنامج التحفيز بالمنفعة على الاقتصاد، وبحد أدنى أن تكون الأنشطة الخاصة للبرامج موفرة لفرص عمل للعمالة الوطنية.

عتبارات ومدد

فضلاً عن الأخذ بمجموعة من الاعتبارات الأساسية مثل ألا تؤدي أي حزمة تحفيز الى إضعاف الاوضاع الائتمانية للبنوك، باعتبارها مستودع النقد والودائع والقروض، كأن يتم التساهل في احتساب تعثر العملاء او تخفيف المتطلبات المتعلقة بالملاءة الرأسمالية، ومثلها شركات التأمين الضامنة للأصول، الى جانب الاخذ بعين الاعتبار في كل الأحوال أن التداعيات غير محسومة المدة، وربما تكون في بداياتها وأن تشمل عملية الحزمة التعثر الصريح الناتج عن تداعيات فيروس كورونا، لا أن تختلط تعثرات أخرى سابقة مرتبطة بسوء إدارتها بتعثر "كورونا الجديد"، مع ضرورة الاعتراف بأنه ليس كل المشروعات الصغيرة، ولا حتى الكبيرة، مفيداً للاقتصاد، فبعضها لا قيمة مضافة فيه إلا زيادة نهم الاستهلاك وتكديس العمالة الوافدة، لزيادة اختلال التركيبة السكانية.

وكأي برنامج تحفيز اقتصادي، يجب الاخذ بعين الاعتبار أيضا أن تأثير الحزمة المالية او النقدية ليس مباشرا، بل يقسمها معظم الاقتصاديين الى مرحلتين؛ الاولى تستهدف تطويق الصدمة والحد من آثارها السلبية، قدر الامكان، وتقليل مستويات التعثر والافلاس الى ادنى مستوياتها، ثم المرحلة الثانية التي تشمل دفع الاقتصاد الى النمو وعودة الاعمال الى مستويات طبيعية نحو أقرب مستوى من مرحلة ما قبل الأزمة او الهزة، التي تعرض لها الاقتصاد.

فرصة إصلاح

التحفيز ضروري بقدر حاجة الاقتصاد له، لكن بعيداً عن الهدر و"الفسفسة"، وهذا مقياس يشمل المواطنين والشركات، خصوصا أن الدولة تعاني بسبب سياسات مالية غير حصيفة استهلكت نحو ثلثي الاحتياطي العام خلال 5 سنوات، وتراجع اسعار برميل النفط الكويتي خلال ازمة كورونا بنحو 49 في المئة عن سعر الاساس المقدر بالميزانية -المفترض احتسابه بصورة متحفظة- فضلاً عن نمو مصروفات الميزانية، حتى غير الضرورية، فضلا عن احتمال زيادتها لتغطية نفقات صحية ودوائية وغذائية، وأخرى تتعلق بتمويل نفقات علاج وايواء الكويتيين خارج البلاد، وهذا كله يزيد ضغط الانفاق على الدولة وميزانياتها واحتياطياتها، وبالتالي يجعل نجاح اي تحفيز مرتبطا بفائدة الدولة الاقتصادية والمالية.

إن تداعيات انتشار فيروس كورونا يمكن ان تكون مدخلا على المدى المتوسط لبدء إجراءات اصلاح اقتصادي بشكل موسع، تتعلق بالتنبه الى خطورة تجارة الاقامات وأثرها السلبي على التركيبة السكانية، الى جانب ربط القطاع الخاص بالعمالة الوطنية، كي يكون لطلب المساندة والتحفيز وجاهة أكبر عند طلبها، والأهم فهْمُ أن احتياطات الدولة المالية لا تستنزف في غير محلها، فالحاجة اليها مع تداعيات ازمة كورونا في توفير المخزون الغذائي والدوائي ودعم احتياجات المجتمع أعلى بكثير مما تم الانفاق منه على مناحي الهدر في السنوات السابقة.