حرصاً منها على المساهمة في خروج البلاد من التداعيات التي تلقيها أزمة فيروس كورونا على شتى جوانب الحياة، أعدت غرفة تجارة وصناعة الكويت ورقة عمل مبادئية قدمتها أمس إلى فريق العمل المشترك بين الحكومة والقطاع الخاص، اعتمدت فيها على منطلقات تتمثل في إعلان برنامج التحفيز شاملا حزمة الحوافز المطلوبة، ثم تحديد أولويات إقرار الحوافز وفق معيار درجة الضرر، مع عدم السماح للضغوط السياسية بأن تصرف الحزمة عن أهدافها وعدالتها.

واقترحت الغرفة حزمة إجراءات تحفيزية تشمل ضرورة إعلان الحكومة التزامها التام بدعم الاقتصاد، وضرورة النهوض بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية والأمنية تجاه العمال "المياومين"، مع اعتماد ميزانية تكميلية للسنة المالية 2020/2021 لا تقل عن 15% إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي، ثم تخفيض آخر لسعر الفائدة إن أمكن، فضلاً عن قيام المصارف بإعادة هيكلة القروض للمؤسسات والشركات، مع دعم أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ووضعها على رأس أولويات برنامج التحفيز.

Ad

وبينت أن الإيجارات ينبغي أن تعالج في إطار شامل، مع تمويل الفنادق والمطاعم ومكاتب السياحة والسفر وشركات الطيران لمساعدتها على تجاوز الأزمة، داعية إلى انتهاج عدة إجراءات لاستقرار العمالة الوافدة، واستمرار الدولة في مشاريعها العمرانية، إلى جانب الإسراع في سداد الالتزامات تجاه المقاولين والموردين.

وبينما دعت الغرفة وزارة التربية إلى ضرورة تلافي سلبيات إغلاق المدارس من خلال تفعيل التعليم عن بُعد، بواسطة القنوات التلفزيونية، متطرقة إلى ضرورة التخلص من هدر الإنفاق الحكومي، وإنشاء الصندوق الوطني للأزمات بالشراكة بين القطاعين، ووضع تصور شامل لإعادة هيكلة الاقتصاد، أوضحت أن ورقتها لم تتطرق إلى الآليات والتفاصيل لما يتطلبه ذلك من إحصاءات لا تتوافر لديها، معربة عن استعدادها لمناقشة هذه الورقة مع الجهات المختصة في ضوء ما تملكه تلك الجهات من معلومات.

وهنا نص الورقة:

أولا: مقدمة ومنطلقات

لابد من الإقرار سلفا أن أزمة اقتصادية بهذا العمق مجهول القرار وبهذا الشمول للدول والأنشطة والقطاعات وبهذا البعد المستقبلي المفصلي من الصعب أن نجد لها حلولاً ترضي كافة الأطراف، ومن الأصعب أن تستكمل مقوماتها وصيغتها النهائية بومضة ملهمة أو بمرة واحدة، فالمدى الزمني لجائحة كورونا تتفاوت تقديراته تفاوتاً كبيراً، والانخفاض الحاد في أسعار النفط- التي يعتبر الاقتصاد الكويتي تابعاً لتقلباتها - تتعدد أسبابه بما يحول دون التفاؤل بعودة إيرادات النفط إلى مستوى ما قبل الأزمة في فترة قريبة.

وغرفة تجارة وصناعة الكويت إذ ترفع إلى مجلس الوزراء تقديرها لاستجابته الكريمة لمقترحها بتشكيل فريق عمل من الحكومة والقطاع الخاص لوضع تصورات لمعالجة الأزمة، تعرف تماماً أن ورقتها هذه ستكون متقاربة إلى حد بعيد في مقترحاتها مع غالبية الأوراق والآراء التي سيتلقاها فريق العمل من الجهات الرسمية المعنية ومن أصحاب الخبرة المجتهدين.

وتعتمد الورقة في اقتراحاتها منطلقات ثلاثة:

أ- إن برنامج التحفيز يجب أن يعلن شاملاً لحزمة الحوافز المطلوبة ويجري تطبيقه على مراحل تبعاً لتطور الأزمة ومدتها.

ب - المعيار الأساس في إقرار الحوافز هو درجة الضرر، وعلى هذا الأساس تحدد الاولويات والمبالغ المعتمدة، ولا نقصد بالضرر هنا ما تحملته كل شركة أو مؤسسة أو ما تحمله كل فرد من أعباء نتيجة الأزمة والإجراءات التي صاحبتها، بل المقصود هو الضرر الذي أصاب قطاعاً بأكمله أو نشاطاً أو فئة.

ج - من طبيعة الأمور أن تتعرض خطة التحفيز لضغوط سياسية، ولكن الأزمة الحالية تفوق كل سابقاتها خطورة، فالكويت واقتصادها مثل معظم دول العالم واقتصاداتها في الجبهة الأمامية لأزمة غير مسبوقة. وبالتالي يجب عدم السماح للضغوطات السياسية أن تنحرف بالحزمة التحفيزية عن عدالتها وأهدافها، أو أن تزيد من تكاليفها، ولضمان هذا وذاك، ترى الغرفة أن يكون لإدارة برنامج التحفيز جهة مركزية على أرفع مستوى ممكن يعاضدها فريق من الفنيين المتفرغين، وتكون لها الصلاحيات الكافية لتنفيذ ومتابعة برنامج التحفيز.

ثانيا - حزمة الإجراءات التحفيزية المقترحة:

أولاً: تضمنت الكلمة السامية التي وجهها حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت يوم الأحد 22 /3 /2020، توجيهاً مباشراً لإيجاد المعالجات اللازمة لتداعيات الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، وانطلاقاً من هذا التوجيه السامي، وفي إطاره، من الضرورة بمكان أن تعلن الحكومة وفي أسرع وقت ممكن التزامها التام بدعم الاقتصاد الكويتي، على أن يأتي برنامج التحفيز الاقتصادي بعد ذلك على توضيح الإجراءات والدعومات المعتمدة لتحقيق هذا الالتزام.

ثانيا: تتضمن تركيبة العمالة الوافدة في الكويت مجاميع كثيرة وكبيرة من العمال «المياومين» الذين قد لا يجدون قوت يومهم إن توقفوا ذلك اليوم عن العمل، وإن تأمين احتياجات هؤلاء في ظل الظروف الراهنة مسؤولية إنسانية وأخلاقية وأمنية يجب أن ننهض بها جميعا حكومة وشعبا وبأسرع وقت، وفي اعتقادنا ان شعب الكويت لن يتخلف يوماً عن هذه المسؤولية إذا ما توضحت له الآلية المعتمدة.

ثالثا: اعتماد ميزانية تكميلية للسنة المالية 2020-2021 (ميزانية الانعاش الاقتصادي إن صح التعبير) لا يقل حجمها عن 15 إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الكويت عام 2019، وهذه النسبة تقارب متوسط ما اعتمدته الدول الأخرى - ومنها دول مجلس التعاون - للميزانيات المماثلة وتمويل هذه الميزانية يعتمد في هيكله على حجم الاحتياطيات النقدية المتوفرة للدولة حاليا، فإذا كانت غير كافية يمكن ردم الفجوة من خلال الاقتراض وخاصة الاقتراض المحلي، ولا ينصح بتمويل ميزانية الإنعاش من خلال بيع الأصول في هذه الظروف التي انخفضت فيها تكاليف الاقتراض إلى مستوى غير مسبوق وانخفضت أسعار معظم الأصول إلى مستوى مماثل، علما أن الطريقين ليسا بالسهولة السابقة.

رابعاً: تخفيض آخر لسعر الفائدة إن أمكن.

خامساً: مما لا شك فيه أن الغرفة تؤمن ايمانا عميقا بالدور الوطني والمشاركة الفاعلة الايجابية في التنمية الاقتصادية لمصارف الكويت، والتي تستوجب منا الاهتمام الكبير بهذا القطاع.

وهنا بقي علينا أن نذكر ما يلي في هذا الاتجاه:

أ - إعادة هيكلة وجدولة القروض المصرفية للمؤسسات والشركات مع بحث تعويض المصارف عن تكلفة ذلك من خلال ودائع حكومية مجانية وأدوات أخرى تساعد المصارف على الاحتفاظ بملاءتها العالية وبالسيولة الكافية.

ب - تعتقد الغرفة أن الأزمة تلقي بأعبائها بشكل خاص على أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمقصود هنا ليس المشاريع الممولة من الصندوق الوطني فقط بل جميع أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة (محلات التجزئة والورش) التي يصعب عليها الصمود في مواجهة الأزمة وتشكل نسبة عالية من الكويتيين ذوي الأعمال الحرة، والذين يناهز عدد المسجلين منهم تحت الباب الخامس من التأمينات الاجتماعية 16000.

وبالتالي تأمل الغرفة أن يأتي أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة على رأس أولويات برنامج التحفيز، وألا يقتصر دعمهم على تأجيل أقساط القروض المصرفية.

سادساً: معالجة الإيجارات في إطار شامل واحد، على أن يبدأ ذلك بالمجمعات والمحال والمكاتب التجارية، وفي نفس الوقت، وأن يتحمل ذلك كل من الحكومة وأصحاب العقارات، مقابل أن يحظى هؤلاء بتأجيل أقساط قروضهم أو بمنحهم قروضاً مجانية لنفس المدة المعطاة للمستأجرين.

سابعاً: ضخ حد من التمويل يساعد الفنادق والمطاعم ومكاتب السياحة والسفر وشركات الطيران على تجاوز الأزمة، باعتبار قطاع الخدمات السياحية هذا من أكثر القطاعات تضرراً.

ثامناً: تتضمن حزمة التمويل والتحفيز إجراءات لاستقرار العمالة الوطنية، فضلاً عن استقرار حد كاف من العمالة الوافدة التي سنحتاجها بالتأكيد بعد الأزمة.

تاسعاً:استمرار الدولة في المشاريع العمرانية تحت الإنشاء والمشاريع المعتمدة وتسهيل تمويلها.

عاشراً: إسراع الدولة في سداد التزاماتها تجاه المقاولين والموردين، وحث الجمعيات التعاونية الاستهلاكية على تسديد مستحقات الموردين بأسرع ما يمكن، خاصة أن هذه الجمعيات تشهد ارتفاعاً كبيراً بحجم مبيعاتها ما يضمن لها سيولة كافية.

أحد عشر: كانت كلمة حضرة صاحب السمو الأمير 22/3/2020 بالغة الحكمة حين أكدت على معالجة التداعيات التعليمية لجائحة كورونا، ومن المؤسف فعلاً أن الكويت قد اضطرت إلى إغلاق مدارسها وجامعاتها لمدة طويلة دون أن تكون مستعدة لتعويض ذلك من خلال التعليم عن بعد، وفي اعتقادنا أن من واجب وزارة التربية تلافي ذلك من خلال التعليم عن بعد بواسطة القنوات التلفزيونية مع إعطاء حوافز للطلاب الذين ينجحون في متابعة ذلك.

ثالثاً - نقاط جوهرية أخرى:

1- العمل على التخلص من كل أنواع الهدر في الإنفاق الحكومي.

2- العمل على إنشاء الصندوق الوطني للأزمات بشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، لكي تكون الكويت في المستقبل أكثر قدرة على مواجهة التغيرات الحادة وغير المتوقعة.

3- البدء فورا بوضع تصور شامل لإعادة هيكلة الاقتصاد الكويتي بكل ما يضمه هذا التعبير من أبعاد إنتاجية وتنافسية وعلمية.

ونحن لا نقصد هنا إلى تحقيق الإصلاح الاقتصادي المطلوب في هذه الظروف، ولكننا نقصد البدء بوضع غايات وأهداف هذا الإصلاح، وتحديد اتجاهاته، وخطوات تنفيذه. لأن الكويت - بعد انجلاء الأزمة بإذن الله - لن تستطيع المحافظة على ثقة الأوساط والمنظمات الاقتصادية العالمية، ولن تستطيع المحافظة على تقييم ائتماني مرتفع ما لم يكن لديها برنامج إصلاح معلن، والتزام جاد به.

4- مرة أخرى نقول إن ورقة الغرفة هذه ورقة مبادئية، تجنبت الخوض في الآليات والتفاصيل، لأن هذا يتطلب معلومات وإحصاءات حديثة وكثيرة لا تتوفر لديها، والغرفة، بالتالي، تعرب عن استعدادها لمناقشة الورقة مع الجهات الحكومية المختصة، وتطويرها تبعا لذلك وفي ضوء المعلومات المطلوبة التي تملكها الجهات الرسمية.

وأخيراً، إننا لا نهول في خطورة الأزمة ولا نهون منها، ولكننا على ثقة بقدرتنا على تجاوزها بإذن الله وفضله، بالصف الواحد، والجهد المشترك والفزعة العامة التي تعتبر من عادات وتقاليد وأخلاق الكويتيين في مثل هذه الظروف. إنها الأزمة التي تدعونا جميعا إلى أن نسأل أنفسنا ماذا نستطيع أن نقدم للكويت؟ ثم نسائل أنفسنا وتسائلنا ضمائرنا إذا قصرنا في تقديم ذلك».