عبارات الشكر توجه عادة في نهاية الحديث، ولكنني اليوم أوجهها في بداية المقال إلى وزارة الصحة على جهودها الجبارة لاحتواء أزمة فيروس كورونا. ولا ننسى كذلك الدور المشرّف لبقية الوزارات، وأخص بالذكر وزارة التجارة، التي تعمل جاهدة في تأمين انسياب الحركة التموينية وضبط الأسعار وإغلاق المحال المخالفة، بما يخفف من الآثار السلبية لأزمة كورونا على المواطن والمقيم.

والمتتبع للإجراءات التي اتخذتها الدولة مؤخرا لمنع تفشي الوباء يجد أنها جاءت متدرجة؛ فكان أن أطلقت الدولة منذ البداية حملتها التي تحث فيها الجميع على المكوث في منازلهم، ومن ثم قامت بإصدار القرارات الإدارية المتعلقة بإغلاق المحال والمطاعم والمجمعات. وهو الأمر الذي سيلقي -بلا شك- بظلال الخسارة على أصحاب المشروعات، وخاصة الصغيرة منها.

Ad

وهنا، يظهر التساؤل حول مدى إمكانية قيام الدولة بتعويض أصحاب هذه المشروعات الصغيرة، من عدمه؟

ولكي أجيب، أرى ضرورة التفرقة بين نوعين من المشروعات الصغيرة؛ أولاً: تلك المشروعات التي تمولها الدولة، تحت مظلة الصندوق الوطني لرعاية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الذي أنشئ بموجب القانون رقم 98 لسنة 2013. ثانياً: تلك المشروعات التي أنشئت بتمويل خاص من أصحابها.

وأما عن النوع الثاني من المشروعات، فإن مسألة قيام الدولة بتعويض أصحابها عن الخسائر المترتبة، جراء قرارات إغلاق المحال، يخضع بالضرورة لأحكام القانون المدني، والتي أحيل بشأنها إلى قواعد المسؤولية المدنية. أما ما أرغب في الاستفاضة في شرحه فهو النوع الأول المتعلق بتلك المشروعات الصغيرة، التي يمولها الصندوق الوطني بنسبة لا تزيد على 80 في المئة من تكلفة المشروع، والتي يلتزم أصحابها بسداد رأس المال الممول لمصلحة الدولة، في مدد لا تجاوز 15 عاما.

تجدر الإشارة إلى أن القانون المشار إليه أعلاه لم يورد نصا صريحا للتعامل مع حالة تعثر أصحاب هذه المشروعات في السداد، بسبب ظرف طارئ تمر به البلاد، كما هو الحال في الوضع القائم حالياً -فيروس كورونا (ما لم يكن ذلك مذكورا في اللوائح التي وضعها مجلس الإدارة والتي لم أطلع عليها). ولكن، وبالنظر إلى القانون في مجمله؛ فإن أول ما يجب الوقوف عليه هو أن تمويل المشروعات الصغيرة من قبل الصندوق الوطني -كما تم النص عليه في المادة 6 من القانون- يأخذ الصيغة التعاقدية (عقد يبرم بين الصندوق من جهة، وصاحب المشروع من جهة أخرى). وأكاد أرجح فكرة ظهور الدولة بمظهر متفوق جداً في مواجهة المتعاقد معها في هذا العقد، على الرغم من أنني لم أطلع على صياغته! ولكنني أستنتج ذلك من عبارة «عقد نموذجي»، التي جاءت في القانون كوصف له، مما يضعف معه عنصر المفاوضة فيما بين الطرفين، فيجعل العقد يقترب من كونه عقدا إداريا لا عقدا خاصا. وعليه، فإن مسألة تعثر سداد أصحاب المشروعات الصغيرة للمبالغ المالية المطلوبة منهم لمصلحة الصندوق الوطني بسبب قرارات وزارة التجارة في وقف بعض أنشطتهم تعد من المسائل التي تخضع لأحكام القانون الإداري.

وإذ انتهينا إلى هذه النتيجة، فإننا يجب علينا أن ننوه إلى أن ما قامت به وزارة التجارة من استصدار قرارات تغلق فيها المشروعات التجارية، وإن كان يعتبر فعلاً ضاراً -من منطلق قانوني بحت- إلا أنه لا يعتبر تصرفا خاطئا، وهو ما يقلص الخيارات بشأن النظريات القانونية محل التطبيق. وأنا هنا أرجح إمكانية انطباق إحدى النظريتين التاليتين: (فعل الأمير) أو (الظروف الطارئة). فبينما تشترط نظرية «فعل الأمير» أن يكون الفعل الضار قد صدر من الجهة الإدارية المتقاعدة ذاتها، تشترط نظرية الظروف الطارئة أن يكون الفعل الضار صادرا من جهة إدارية أخرى غير تلك المتعاقدة. فيكون السؤال الآن: هل نعتبر الصندوق الوطني لرعاية المشروعات الصغيرة والمتوسطة جهة تابعة لوزارة التجارة؛ فنطبق نظرية فعل الأمير؟ أم نعتبره جهة مستقلة عن وزارة التجارة؛ فنطبق نظرية الظروف الطارئة؟ خاصة إذا علمنا أن تأثير تبني أي من النظريتين في تقدير قيمة التعويض من عدمه يختلف في الحالتين، وهو الأمر الذي يصلح أن يكون محلا لدراسة قانونية متكاملة.