في عام 1941 حين اجتاحت الحرب أوروبا وآسيا وأوشكت الولايات المتحدة على الانضمام إلى الصراع، دعا الرئيس فرانكلين روزفلت مختلف القطاعات والأفراد إلى حشد جهودهم خدمةً للمصلحة العامة. تراجعت كميات المواد الغذائية حينها من دون انتشار أعمال شغب وأوقفت معظم مصانع السيارات عمليات إنتاجها الاعتيادية للتركيز على تصنيع الدبابات وهياكل الطائرات، وبحلول عام 1944، كان عمّال المصانع الأميركية يصنعون 100 ألف طائرة حربية سنوياً، أي نحو 11 طائرة في الساعة.

تواجه الولايات المتحدة اليوم أزمة تتطلب منها استجابة وطنية شاملة، على أن تترافق مع تعبئة موارد السوق الحر، وإلا لن تتمكن الدول الفردية من تحقيق أهدافها وحدها، فقد أصاب فيروس كورونا المستجد 187 ألف شخص حول العالم، وأدى إلى وفاة 7400 شخص حتى الآن، ويتوقع الخبراء إصابة مليونين 200 مليون شخص تقريبا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة في الولايات المتحدة وحدها، وفي أسوأ الأحوال، قد نخسر حتى 1.7 مليون من جيراننا وأحبائنا، يتوقف عدد الإصابات على التحركات التي يتخذها البلد الآن.

Ad

تواجه معظم المناطق نقصاً حاداً في أجهزة التنفس، وعدد الأسرّة في أقسام العناية المشددة، وفي المعدات والمواد الكيماوية اللازمة لإجراء الفحوصات، وجميع أنواع الإمدادات الطبية، بما في ذلك القفازات والأقنعة والضمادات والمناديل الرطبة، يجب أن تتدخل الحكومة الفدرالية إذاً لزيادة إنتاج هذه السلع كلها، مثلما كثّفت إنتاج الذخائر خلال الحرب العالمية الثانية، وتتطلب هذه الخطة على الأرجح تفعيل «قانون إنتاج الدفاع» الذي يُمكّن الرئيس من تعبئة القطاعات المحلية في أوقات الأزمات، لم يثبت ترامب ميوله الديمقراطية أو كفاءته الإدارية كي يكسب الثقة التي تخوّله توسيع سلطته التنفيذية، لكنه الرئيس الوحيد للولايات المتحدة اليوم وتتطلب هذه الأزمة تحركاً جدياً من جانب البيت الأبيض. من خلال توفير المستوى المناسب من التنظيم والدعم، لا يصعب أن نتخيّل تكاتف المصانع الأميركية لإنتاج أجهزة التنفس والأقنعة ومعقمات اليد واختبارات فيروس كورونا وغيرها من المعدات الطبية بكميات تلبّي متطلبات الأزمة القائمة، لكن لن تحصل هذه العملية بين ليلة وضحاها ولن تتحقق طبعاً من دون قيادة حكيمة.

في ظل غياب حس القيادة لدى الحكومة، تستطيع الشركات أن تأخذ المبادرة بنفسها لتقديم المساعدة، ففي فرنسا مثلاً، أعلنت مؤسسة LVMH، التي تملك ماركات فخمة مثل «لوي فيتون» و»كريستيان ديور»، أنها ستغيّر خطوط إنتاج العطور لتصنيع معقمات اليد ومنتجات أخرى مضادة للفيروسات.

بعد تأمين الإمدادات والمساحات اللازمة، يجب أن تُعالَج مسألة القدرات البشرية، إذ لا يوجد عدد كافٍ من العاملين المدرّبين والمجهزين في قطاع الرعاية الصحية لمعالجة الالتهابات الرئوية الناشئة والمُعدِية في وحدات العناية المشددة، وإذا مرض هؤلاء العاملون ووُضعوا في الحجر الصحي (لا مفر من أن يمرض عدد منهم نظراً إلى النقص في المعدات الواقية اليوم)، ستبرز الحاجة إلى تدريب وتجهيز أعداد إضافية.

ستزيد صعوبة هذا التحدي عند منع انعقاد مؤتمرات كبرى وحصص تدريبية مكثّفة خلال الأشهر المقبلة، وتستطيع الحكومة الفدرالية أن تقدم المساعدة عبر إعلان الحاجة إلى خدمات عاجلة ودعوة العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى التطوع للمشاركة في تدريبات مماثلة، ثم تنشئ وحدات افتراضية وتنظّم ندوات عبر الإنترنت.

كذلك، يستطيع القادة أن يساعدوا عبر دعوة الولايات إلى التنازل عن متطلبات الترخيص لاستدعاء عاملين في مجال الطب من المناطق الخارجية، كما سبق أن فعلت «ماساتشوستس»، ولن تتفشى موجة عملاقة من الفيروس في الولايات المتحدة، بل إنها ستنقسم إلى موجات أصغر حجماً ومتفاوتة من حيث النطاق والحجم والمدة، مما يعني أن مناطق معينة من البلد ستحتاج إلى المساعدة أكثر من غيرها، ومن خلال تسهيل تنقّل العاملين من منطقة منخفضة الحاجات إلى منطقة بأمسّ الحاجة إلى المساعدة، يمكن توفير وقت ثمين في حين ترتفع أعداد الحالات المؤكدة في غضون أيام.

خلال الحرب العالمية الثانية، تحوّل الطلاب والمتقاعدون وربات المنازل والعاطلون عن العمل إلى يد عاملة تشارك في بناء الدبابات والطائرات والأسلحة الحربية، وكانت تلك الجهود الوطنية شاملة، وثمة حاجة إلى مبادرة مماثلة اليوم.

لكن تستطيع جماعات أخرى أن تتدخل أيضاً، فقد تعمد الحكومة مثلاً إلى تدريب الأميركيين الذين أصبحوا عاطلين عن العمل حديثاً على تعقيم معدات المستشفيات أو تسليم الطعام إلى كبار السن وأصحاب المناعة الضعيفة، كذلك أصبح العاملون في المستشفيات بأمسّ الحاجة إلى من يعتني بأولادهم، ومن خلال وضع برامج عمل جديدة، تستطيع فِرَق من الناس أن تسيطر على العدوى في دور الرعاية بالمسنين ومنشآت أخرى عالية المخاطر، أو يمكن تعليم العاملين في جميع المجالات أفضل الطرق لحماية أنفسهم، أو يمكن إنشاء شبكة من الأفراد المكلّفين بإجراء مكالمات هاتفية لمساعدة الناس في دور الرعاية والسجون على تجاوز وحدتهم بما أنهم لا يستطيعون استقبال الزوار في هذه الفترة.

تَقِلّ الفرص التي تسمح للناس بالعمل على مواجهة الأزمة طبعاً، لكن ستزيد نسبة نجاح هذه البرامج إذا شجّعتهم الحكومة ووجّهتهم عبر «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها».

في الأيام الأخيرة، بدأ الرئيس يدعو قادة القطاعات الصناعية إلى تقديم المساعدة عبر تطوير اللقاحات والاختبارات التشخيصية والعلاجات ضد هذا الفيروس، وإنشاء مواقع إلكترونية لتوضيح تفاصيل الاختبار وتسريعه، وتقديم مواقف سياراتهم تلبيةً لحاجات الناس.

حان الوقت كي يدعو ترامب بقية قطاعات البلد أيضاً، وبدل أن يكتفي بالدعوة إلى غسل اليدين جيداً وتعليق مباريات كرة السلة وعروض «برودواي» وإغلاق الحانات المحلية، يجب أن يتعامل مع هذا الوضع بطريقة عاجلة تخدم مصلحة الناس، حيث يتوق عدد كبير من الأميركيين إلى مساعدة المواطنين في بلدهم، لكن هل هم مستعدون لتخفيف نزعتهم الاستهلاكية لإنقاذ الآخرين عند الحاجة؟

خلال الحرب العالمية الثانية عمدت الحكومة الأميركية إلى زيادة الضرائب على الشركات والمداخيل الشخصية، ودفعت قطاع الأعمال إلى إعلان حالة طوارئ، وجنّدت الملايين في قوات الدفاع العسكرية أو المدنية، وقلّصت السلع المدنية خدمةً للأهداف العسكرية، وأعادت تنظيم المجتمع بطريقة جذرية عبر عرض العمل على النساء والأقليات بعدما كانت هذه الفئات مستبعدة، ونتيجةً لذلك كان المجتمع الذي خرج من الحرب مختلفاً عن مجتمع ما قبل الحرب وأكثر قوة منه.

من اللافت أن يبذل البلد هذا الكم من الجهود حين تصبح حياة المواطنين في خطر، مع أن النتائج النهائية تبقى غير مؤكدة، حيث يتعلق أهم عامل بالتحلي بحس القيادة لتنمية تلك الروح الجماعية والتحرك بما يخدم المصلحة الوطنية.