تضخم غير مسبوق، استياء محلي عارم، أزمة بيئية متفاقمة! حتى قبل انتشار فيروس كورونا الجديد في الأسابيع الأخيرة، كان النظام الإيراني يرزح تحت ثقل المشاكل الداخلية التي تهدد بإضعاف سلامة الجمهورية الإسلامية أكثر من أي وقت مضى، لكن مع ظهور مرض "كوفيد-19"، زاد الوضع سوءاً بالنسبة إلى النظام الإيراني لدرجة أن نفترض بكل سهولة أن هذا النظام قد يسقط تحت أعباء تناقضاته الداخلية، إذ يشكّل فيروس كورونا بنظر آيات الله الإيرانيين "بجعة سوداء" حقيقية.

اشتهرت هذه العبارة بفضل كتاب العالِم نسيم نيكولاس طالب الذي حمل الاسم نفسه في عام 2008 (The Black Swan البجعة السوداء)، وهي تشير إلى حدث غير مألوف ولا يمكن توقّعه منطقياً، لكنه يترافق مع عواقب وخيمة أو حتى كارثية، هذا هو معنى "كوفيد- 19" بنظر إيران.

Ad

تبدأ المشاكل بتدهور صحة الطبقة الحاكمة في إيران، إذ أصبح المسؤولون في المناصب العليا من القيادة الإيرانية مسنّين وعاجزين، وبدأ فيروس كورونا يحصد الوفيات في هذه المجموعة، وابتداءً من 4 مارس وثّقت صحيفة "واشنطن بوست" إصابة "نحو 24 عضواً من البرلمان و15 شخصية بارزة حالية أو سابقة على الأقل"، وارتفع هذا العدد بدرجة كبيرة منذ ذلك الحين، وزادت أيضاً أعداد الضحايا من بين الأسماء البارزة داخل الجمهورية الإسلامية، حتى الآن من المعروف أن الفيروس قتل محمد مير محمد، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، ونائب وزير الخارجية السابق حسين شيخ الإسلام، والنائبَين محمد علي رمضاني دستك وفاطمة رهبر، وثلاثة مسؤولين آخرين على الأقل، ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأعداد في الأيام المقبلة.

لكن سبّب فيروس كورونا تداعيات سياسية أكثر خطورة على النظام كونه كشف قلة كفاءة النخبة الدينية الحاكمة وانغلاقها على نفسها، كما يغرق البلد راهناً في أزمة سياسية وصحية عميقة، ولم تنجم هذه الأزمة عن عجز الحكومة الإيرانية عن احتواء انتشار الفيروس بالشكل المناسب فحسب، بل عن تآمرها لتغطية نطاق المشكلة والاستخفاف بها أيضاً.

وفق تصنيف جامعة "جونز هوبكينز"، تحتل إيران المرتبة الثالثة في العالم بعد الصين، منشأ المرض، وإيطاليا، من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، لكن تبقى أعداد الحالات الموثقة راهناً في إيران (أكثر من 10 آلاف حتى كتابة هذه السطور) مُخفّفة على الأرجح، واستناداً إلى البيانات المتاحة حول الحالات الموثقة (بما في ذلك إصابات السياسيين الإيرانيين البارزين)، يقول المراقبون الخارجيون إن العدد الحقيقي لحالات فيروس كورونا في إيران قد يكون أعلى بكثير.

بذل النظام الإيراني طبعاً قصارى جهده للاستخفاف بنطاق الأزمة التي تجتاح البلد في الوقت الراهن. لكن شاهد العالم مشهداً مختلفاً بالكامل في الفيديوهات والمنشورات التي انتشرت بشكلٍ جنوني على مواقع التواصل الاجتماعي لمصابين يسقطون في مختلف الشوارع الإيرانية ولعمال الرعاية الصحية الإيرانيين وهم يطلبون مساعدة دولية، ويأتي فشل النظام الإيراني في التعامل مع فيروس كورونا غداة آخر خطأ سياسي عرضي ارتكبه (إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية عن طريق الخطأ في طهران في 8 يناير) للتأكيد على عزلة قادة البلد عن العالم وقلة كفاءتهم بكل بساطة.

لكن لا يطرح فيروس كورونا تحدياً سياسياً فحسب على آيات الله في إيران، بل إنه يشكل ضربة موجعة لشرعيتهم الإيديولوجية، فقد أصبحت المراكز الدينية المحلية (على غرار مدينة قم المقدسة) بؤراً لانتقال العدوى، وأكد رد النظام المتباطئ على انتشار المرض في تلك الأماكن على انفصال المؤسسة الدينية عن بقية الشعب، وفي هذا السياق، يقول مهدي خلجي من صحيفة "واشنطن بوست" إن المسؤولين الدينيين الإيرانيين عمدوا في السنوات الأخيرة إلى "رفض الطب المعاصر بشكلٍ قاطع مقابل ترويج "الطب الإسلامي" باعتباره العلم الحقيقي المستوحى من قدرة إلهية"، واليوم تعطي هذه السياسة عواقب كارثية على الصحة العامة في البلاد.

هل سيصمد النظام الإيراني في وجه الأزمة الراهنة؟ قد يصمد في مطلق الأحوال، لكن يسهل أن نتوقع نجاح فيروس كورونا، قبل انتهاء مفعوله، في تحقيق ما عجزت الخطط الغربية عن فعله طوال سنوات: انهيار النظام الديني في طهران، وفي النهاية سبق أن نجح هذا الفيروس في هدم آخر بقايا شرعية النظام!

* إيلان بيرمان