سلّط الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية الاثنين الماضي الضوء على أوضاع المالية العامة في الكويت، لأنها تعتبر أكثر دول العالم، ومن ضمنها الخليجية، اعتماداً على النفط في إيراداتها بنسبة تصل في الحساب الختامي إلى 93 في المئة من إجمالي الإيرادات.

ومع أن انخفاض أسعار النفط «يوم الاثنين الدامي» عوّضت جزءاً مهماً منه جلسة الثلاثاء، فإنه لا يمكن قراءة ما حدث كحالة طارئة انتهت بارتداد الأسعار، لأنها مرتبطة بالتداعيات الضبابية لانتشار فيروس كورونا وأثرها على الاقتصاد العالمي، لا سيما الطلب على النفط وتوقّعات وكالة الطاقة الدولية بتراجعه وانخفاضه بحدود 90 ألف برميل في اليوم، الى جانب خفض بنك غولدمان ساكس توقّعاته لسعر برنت في الربعين الثاني والثالث إلى 30 دولاراً للبرميل، وإعلان «أرامكو» السعودية رفع إنتاجها الى 13 مليون برميل يوميا، رغم إعلان شركات تكرير آسيوية نيتها رفع كميات الشراء في وقت سابق، فيما يشبه حرب أسعار وحصص سيشهدها سوق النفط في الفترة المقبلة، مقابل إعلان روسيا، أكبر منتج من خارج «أوبك»، أنها تستطيع التكيف مدة تصل الى 10 سنوات مع سعر 25 دولاراً للبرميل، فضلاً عن فشل اجتماع «أوبك بلس» في تعميق خفض الإنتاج بواقع 1.5 مليون برميل يوميا الى 3.6 ملايين، بما بات يهدد اتفاق الخفض من الأساس.

Ad

واقع هشّ

هذه الأجواء السلبية تضاف الى واقع سوق النفط الهش منذ عام 2014، والذي شهد أكثر من اتفاق سابق لخفض الإنتاج وتعميقه بلوغا لـ 2.1 مليون برميل يوميا، في ظل تباطؤ النمو العالمي وتحديات النفط الصخري، وما يرتبط به من انفتاح المنافسة للنفط الأميركي بالأسواق الآسيوية والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، فضلا عن تحديات البيئة المزمنة، وهذه كلها تصبّ في اتجاه ضعف سوق النفط بشكل عام حتى قبل اكتشاف فيروس كورونا وتداعياته على الاقتصاد العالمي.

حساسية الميزانية

منذ بداية العام، وعلى وقع تداعيات فيروس كورونا، خسر خاما برنت ونايمكس بحدود 44 في المئة لكل منهما، في حين تراجع برميل النفط الكويتي 47 في المئة، وهذه الأرقام تفتح المجال للحديث عن مدى حساسية الميزانية الكويتية الجديدة لعام 2020 - 2021 تجاه انخفاض أسعار النفط، لا سيما أنها أعدّت في وقت سابق على أسس مختلفة عن الأوضاع الحالية. وحتى سعر الأساس البالغ 55 دولارا للبرميل، الذي يعدّ بناء على افتراضات متحفّظة، فإن سعر بيع برميل النفط الكويتي، أمس، أقل منه بنسبة 35.4 في المئة، مما يستدعي إعادة النظر في الميزانية مجددا كإجراء احترازي يماثل إجراءات الدولة المتخذة على المستويين الصحي والتعليمي، لأن الاستمرار بالأسعار الحالية للبرميل قد يفضي الى تجاوز قيمة العجز المقدر فيها عند 9.2 مليارات دينار لمبالغ أكبر قد تصل الى 15 مليارا، أي نحو 66 من حجم الميزانية المحددة، مع العلم بأن السعودية شرعت، أمس، في الطلب من الإدارات الحكومية تقديم مقترحات لخفض ميزانياتها بما لا يقل عن 20 في المئة هذا العام، كإجراء احترازي لمواجهة واقع جديد في سوق النفط.

ميزانية منفلتة بالأصل

وفي الحقيقة، فإن ميزانية الدولة للسنة المالية 2020/ 2021، وقبل حدوث تداعيات فيروس كورونا، هي ميزانية منفلتة بالأصل في مصروفاتها، وعاجزة في إيراداتها، خصوصا غير النفطية، حتى بلغ سعر التعادل فيها 86 دولارا للبرميل، إذ إنها لم تتجه الى ترشيد أي مصروفات غير ضرورية تحفل بها الميزانيات المتعاقبة، والتي تقدر بـ 1.4 مليار دينار، أي 6.8 في المئة من حجم الإنفاق، وتتعلق بالصرف على أمور يمكن مراجعتها أو ترشيدها أو إلغاؤها، مثل المصروفات الخاصة والمؤتمرات وبرامج التدريب والمهمات الرسمية وتكاليف الضيافة والحفلات والعلاج بالخارج والتأمين الصحي وغيرها، فضلاً عن انفلات الدعوم وانحراف إنفاقها بين المستحقين وغيرهم، إضافة إلى أنها لم تراجع جدوى الإنفاق الاستثماري لوضعه في مسار المنفعة المالية والاقتصادية للدولة، أو على الأقل خفضه ليتجه الى المشروعات الضرورية فعلا.

غياب اقتصادي حكومي

كان لافتا في الفترة الماضية، وخصوصا عقب فشل اجتماع «أوبك بلس» غياب الشأن الاقتصادي عن طاولة اجتماعات مجلس الوزراء والفريق الاقتصادي في الحكومة، فضلا عن وزيري النفط والمالية، وكأن العالم لم يشهد حينها أحداثا اقتصادية تاريخية على مستوى النفط، وأسعار السلع والأصول في حالة تمثّل ربكة حكومية غير محمودة، وانفصالا عن واقع الاقتصاد العالمي، مع أن المفترض حينها، في ظل انعقادات جلسات مجلس الوزراء الاستثنائية، أن تتم مناقشة موقف الكويت من حرب الأسعار الدائرة في سوق النفط حاليا، وآلية التعامل مع زيادة المعروض النفطي، وأثر ذلك على الميزانية وكيفية اتخاذ إجراءات دفاعية وتقشفية فيها، فضلاً عن موقف استثمارات الكويت في الأسواق الدولية بعد الهزات التي تعرّضت لها البورصات العالمية، مع العلم بأن لمجلس الوزراء تجارب غير مفيدة على مستوى التحوط، تمثّلت في وثيقتي الإصلاح الاقتصادي والمالي و»استدامة»، اللتين - رغم محدوديتهما - لم ينّفذ منهما أي شيء على أرض الواقع، وبالتالي يفترض أن تكون هناك لدى الفريق الحكومي آلية وتصورات لمواجهة انعكاسات الأوضاع المستجدة في سوق النفط وأثرها على الميزانية الجديدة، بما يعيد هيكلتها ويخفض مصروفاتها غير الضرورية تحوّطا مما هو أسوأ.