من المعروف أن الصين وروسيا تعيشان "شهر عسل" في علاقتهما، ومنذ وصول شي جين بينغ إلى رئاسة الصين في 2013، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من 30 مرة، وأشادت وسائل الإعلام الصينية الحكومية، بما في ذلك CCTV، بالتضامن الذي يطبع العلاقات الثنائية المبنية على اجتماعات بين شي جين بينغ وبوتين.

لكن لفهم الروابط الصينية الروسية وإنجازاتها بالكامل، لا بد من تحليل مسار القمم وحتى الاجتماعات بين كبار المسؤولين من البلدَين، ففي مجال الشؤون الخارجية والأمنية تحديداً، تحتل "الاستشارات" الحاصلة على مستوى نوّاب الوزراء أهمية خاصة، ومنذ أبريل 2015، تاريخ "أولى الاستشارات حول الأمن في شمال شرق آسيا" في شنغهاي، عُقدت ثماني جولات من المحادثات على مر أكتوبر 2017، ثم في أكتوبر 2018 حملت المحادثات اسم "الاستشارات حول مسألة شبه الجزيرة الكورية"، لكن ما كان محور النقاش في تلك الاجتماعات؟ ولماذا تغيّر الموضوع من "الأمن في شمال شرق آسيا" إلى "مسألة شبه الجزيرة الكورية"؟

Ad

يصعب التوصل إلى أدلة وافية حول السبب، لكن تبرز مؤشرات معينة في البيانات الصحافية ذات الصلة، وفي المقام الأول، شكّل نظام "ثاد" المستعمل في شبه الجزيرة الكورية (منظومة دفاع في المناطق ذات الارتفاعات العالية الطرفية) خلفية أساسية لجولات الاستشارات الثماني بين روسيا والصين. بدأ الجدل حول استخدام هذا النظام في شبه الجزيرة الكورية في يونيو 2014، حين أطلق الجنرال كورتيس سكاباروتي، قائد قوات الولايات المتحدة في كوريا حينها، دعوة رسمية لاستعمال نظام "ثاد" في شبه الجزيرة. وفي فبراير 2015، عبّر وزير الدفاع الصيني حينها تشانغ وانكان عن قلقه من "ثاد" خلال محادثات مع نظيره الكوري الجنوبي.

عُقِدت "أول جولة استشارية" بين بكين وموسكو في هذه الظروف، حين أعلنت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في فبراير 2016 أنهما قررتا مناقشة استعمال نظام "ثاد" رسمياً، احتجّت الصين وروسيا بقوة، وطوال سنة ونصف تقريباً، من مارس 2016 إلى أكتوبر 2017، دعت الصين وروسيا إلى سبع جولات من الاستشارات بين نواب الوزراء وعبّرتا عن قلقهما من استعمال "ثاد" في شبه الجزيرة. لكن لم تُذكَر مسألة "ثاد" مجدداً خلال تلك المحادثات الصينية الروسية بعدما عقدت سيول وبكين نقاشات حول ذلك النظام في أواخر أكتوبر 2017.

ومنذ مارس 2019، بدأ البلدان يناقشان مسألة شبه الجزيرة الكورية، فضلاً عن مسائل أخرى تقلق الطرفَين معاً خلال تلك المحادثات بين نواب الوزراء، وفي أحد الاجتماعات في مارس 2019 مثلاً، أضيفت "المسألة الأفغانية" إلى جدول الأعمال، تزامناً مع تكثيف محادثات السلام بين الولايات المتحدة و"طالبان". كذلك، كان "جنوب آسيا" جزءاً من استشارات أغسطس 2019، أما أحدث الاستشارات في يناير 2020، فناقشت مسائل أوسع لها علاقة بـ"الوضع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".

في المحصّلة، من الواضح أن بكين وموسكو، على مر هذه الاجتماعات، عالجتا مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك نظام "ثاد"، والمسائل الأمنية في شبه الجزيرة الكورية، وجنوب آسيا. في الوقت نفسه، لم يحاول الطرفان كبح نقاشاتهما حول شبه الجزيرة، علماً أنها كانت تتمحور حول الحوار بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، إذ يكشف نطاق المواضيع الآنف ذكرها دوافعهما غير المعلنة. الاستشارات جزء من استراتيجية "تجديد التوازن السهل" التي تتبناها الصين وروسيا لتحدّي نفوذ القوة المُهيمِنة، أي الولايات المتحدة، وفي حين تصرّ الولايات المتحدة على إبقاء بكين وموسكو على مسافة منها، من المتوقع أن تتقرب هذه الأطراف من بعضها في مرحلة معيّنة، ولا يمكن استبعاد احتمال التوصل إلى توازن صعب وشبه مدعوم.

* سونجاي كيم وتايهو كيم

* «ذا دبلومات»