منذ خمسين سنة، كتبتُ مقالة في "واشنطن بوست" بعنوان "محامي إسرائيل"، كانت الفكرة بسيطة: منذ وقتٍ طويل، يبدو كبار المسؤولين الأميركيين المشاركين في عملية السلام بين العرب وإسرائيل أقرب إلى محامين للدفاع عن طرف واحد بدل العمل على عقد اتفاق سلام يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين.

وبعد مرور عقد ونصف أدركتُ أنني لم أفهم يوماً إلى أي حد تستطيع الإدارة الأميركية أن تفرض الخطاب الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين، وأدت فِرَق التفاوض التي عملتُ فيها دور وسيط جزئي، لكنّ انحياز فريق ترامب يجعل إخفاقاتنا تافهة مقارنةً بأدائهم.

Ad

ثمة علاقة خاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل طبعاً، لكن إذا أصبحت هذه العلاقة حصرية، فستخسر الولايات المتحدة مصداقيتها ونفوذها والثقة التي تحتاج إليها من الطرفَين لزيادة فرص التوصّل إلى اتفاق.

بعد مراقبة طريقة تعامل إدارة ترامب مع عملية السلام في الشرق الأوسط خلال آخر ثلاث سنوات، بات واضحاً أن الفريق الذي صمّم "صفقة القرن" (كان عدد كبير منهم محامين حقيقيين) تعامل مع وكيل إضافي له مكانة أهم بكثير من إسرائيل: إنه دونالد ترامب!

كنتُ جزءاً من فِرَق الرئيسَين الأميركيَين جورج بوش الأب وبيل كلينتون بين العامين 1989 و2000. لكننا كنا مقتنعين بكل صدق بضرورة التوصل إلى نتيجة تخدم المصالح الوطنية الأميركية، بدل حصر الاهتمام بالتفوق على الخصوم السياسيين وإرضاء غرور الرئيس الذي يشغل البيت الأبيض.

خلال عهد كلينتون، كنا نُعدّل المسودات والمواقف تجاه الإسرائيليين، وقد أعطينا إسرائيل هامشاً أوسع بكثير للتأثير على نقاط أساسية من المفاوضات، وتحديداً على مستوى الشؤون الأمنية، بما يفوق الهامش الذي أعطيناه يوماً للفلسطينيين.

لم يكن هذا الوضع خفياً على أحد، وخلال قمة "كامب ديفيد" في يوليو 2000، أتذكر جيداً أن المفاوض عن منظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، سألني في رابع يوم من القمة عن المغزى من تقديم مسودة أعدّتها الولايات المتحدة ليراجعها الفلسطينيون، ثم دعاني عريقات إلى إبلاغ الإسرائيليين بضرورة الاستعجال في مراجعة المسودة كي نتمكن من إضافة تعديلاتهم وإرجاع الوثيقة (التي تمثّل ظاهرياً الموقف الأميركي) إلى منظمة التحرير الفلسطينية.

لكن بغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبها فريقنا (منها انحيازنا الحتمي إلى إسرائيل)، لقد حاولنا أن نعالج المسائل الصعبة بطريقة تضمن التزام إسرائيل والفلسطينيين بها.

كانت قمة "كامب ديفيد" غير مدروسة بأي شكل، ولم نكن نحن ولا رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود باراك ولا ياسر عرفات طبعاً مستعدين لها، إذ طُرحت معايير التفاوض التي وضعها الرئيس كلينتون على الطاولة في يناير 2000 بعد فوات الأوان وفي أسوأ ظروف ممكنة، لكن اعتُبِر جوهر الأفكار المرتبطة بتقسيم الأرض والدولة الفلسطينية والقدس جدّية وموثوقاً بها.

لا عجب في أن يرفضها عرفات كلها، لأنه كان مقتنعاً بأنه سيستفيد من صفقة أفضل مع إدارة بوش المرتقبة، لكن حتى لو وافق عرفات على تلك الاقتراحات، لا يمكن التأكيد على قدرته، أو قدرة أي قائد إسرائيلي، على إقناع البيئة الحاضنة للانتفاضة الثانية بها.

حين طلب مستشار الرئيس ترامب، غاريد كوشنر، نصيحتي في آخر سنتين، نصحتُه بألا يصبح محامياً لإسرائيل، وفي آخر لقاء جمعنا، سألني عن معنى الصفقة الناجحة التي يستطيع عقدها. فأوضحتُ له أن احتمال التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع معدوم، لأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ونتنياهو ليسا مستعدين أو لا يستطيعان اتخاذ القرارات اللازمة لعقد اتفاق مماثل.

لكني أخبرتُه أيضاً بأنه قد يزيد الوضع سوءاً ما لم يكن حذراً بما يكفي، تتعلق أهم خطوة بطرح خطة موثوق بها تجعل الولايات المتحدة في مكانة تُخوّلها كسب ثقة جميع الأطراف كي تتمكن من التعامل مع هذه القضية مستقبلاً.

بغض النظر عما تحتاجه إسرائيل والفلسطينيون للنجاح في مساعي السلام، من الواضح أن الطرفين لا يحتاجان إلى الطرح الذي قدّمه كوشنر: كان إطار العمل الذي اقترحه ليقضي على أي آمال بالتوقيع على عملية سلام قابلة للحياة وبتعزيز مصداقية الولايات المتحدة باعتبارها وسيطة عادلة وناجحة.

*آرون ديفيد ميلر