يتباين مرشحا البيت الأبيض بيرني ساندرز ومايكل بلومبرغ بشكل كبير سياسيا، لكن هناك سمة واحدة مشتركة بينهما تشكل علامة فارقة في حملات الرئاسة الأميركية: كلاهما يهودي.

وإذا فاز السيناتور التقدمي ساندرز، الذي يتصدر الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، أو الملياردير الوسطي بلومبرغ، الذي يحل في المرتبة الثالثة أمام سائر المرشحين، في انتخابات نوفمبر، فسيصبح لدى الولايات المتحدة أول رئيس يهودي في تاريخها.

Ad

وربما ربطتهما لحظة بدت طريفة عندما قارن ساندرز وبلومبرغ، وكلاهما في الـ78 من العمر، وإما ولدا أو ترعرعا في نيويورك، صحة قلبيهما على المسرح خلال مناظرة انتخابية جرت مؤخرا.

لكن حقيقة أن اليهوديين يتوليان موقعا بارزا في انتخابات 2020 بعد 16 شهرا على قتل قومي أبيض 11 مصليا في كنيس بيتسبرغ تثير غبطة في أوساط اليهود، وشعورا بعدم الاكتراث على الصعيد العام، بحسب الحاخام آدم كليغفلد.

ويثير المرشحان كذلك بعض القلق، فساندرز يصف نفسه بأنه اشتراكي ديمقراطي، بينما بلومبرغ ملياردير متهم باستخدام المال للوصول إلى الرئاسة.

وقال قطب الإعلام بلومبرغ: "أعرف أنني لست المرشح اليهودي الوحيد للرئاسة، لكنني الوحيد الذي لا يريد تحوّل أميركا إلى كيبوتس"، أي تجمع سكاني زراعي يهودي.

وأثار صعود ساندرز كمرشح سجالا حول ما إذا كانت سياسات، على غرار الرعاية الصحية الشاملة، هي الوسيلة الأمثل لتحقيق القيم التي يتبناها اليهود في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية، أم الدفاع الثابت عن إسرائيل.

وأثار ساندرز حفيظة العديد من اليهود، الأحد، عبر إعلانه أنه سيقاطع الاجتماع السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "ايباك"، وهي جماعة ضغط واسعة النفوذ في واشنطن وتدعم إسرائيل، معتبرا أنها "منتدى للتعصب".

وأصر ساندرز مرارا على أنه يؤيد إسرائيل لكنه يعارض سياسات اعتبرها مؤذية بحق الفلسطينيين. وفي مناظرة الثلاثاء، وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ"العنصري الرجعي".

وشكّل تصدر ساندرز للسباق الانتخابي مصدر فخر بالنسبة لبعض اليهود، لكنه أثار قلق آخرين. وقال كليغفلد: "ساندرز شخصية تشجيعها أصعب مما حلم الوسطيون اليهود بأن يكون عليه الوضع في أول مرة تتاح لهم فرصة التفكير في مرشح يهودي".

وطوال عقود، صوّت غالبية اليهود لمصلحة الحزب الديمقراطي.

ويعارض أكثر من ثلثي اليهود الأميركيين ترامب، رغم إصراره على أنه أشد مدافع عن إسرائيل، بحسب معهد "غالوب" للاستطلاعات.

وتظهر استطلاعات أجراها مركز "بيو" للأبحاث في يناير أن 11 في المئة فقط من الناخبين اليهود يدعمون ساندرز كرئيس، بينما يؤيد 8 في المئة فقط بلومبرغ.

وأشار كليغفلد إلى مدى تراجع التركيز على ديانتهما مقارنة بما كان الوضع عليه قبل 20 عاما، عندما كان الديمقراطي المعتدل جو ليبرمان (من اليهود الأرثوذكس) مرشحا لمنصب نائب الرئيس.

رهان بايدن

إلى ذلك، وفي محاولة لتحسين وضعه بعد النتائج السيئة الأولى التي حققها، يأمل جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق، الفوز بولاية ساوث كارولاينا، وهو انتصار قد يعيده إلى الصدارة في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين، وربما يبطئ من اندفاع الاشتراكي ساندرز.

ولا يزال السباق طويلا إلى حين اختيار مرشح ديمقراطي لمواجهة ترامب، لكن الزخم يتسارع مع اقتراب "الثلاثاء الكبير" عندما تصوت 14 ولاية في يوم واحد.

وتمنح استطلاعات الرأي بايدن (77 عاما) تقدماً كبيراً في هذه الولاية، حيث يمثل السود المؤيدون له أكثر من نصف الناخبين الديمقراطيين. يحتاج بايدن إلى تحقيق نصر واضح، بعد أن حل تباعا في المركزين الرابع والخامس في أيوا ونيوهامشر.

وصحيح أنه صعد إلى المركز الثاني في ولاية نيفادا، لكنه بقي متخلفا بكثير عن ساندرز، الذي حل محله الآن بوضوح ليصير الأوفر حظا للفوز.

ويثير صعود ساندرز قلق بعض الديمقراطيين المعتدلين الذين يخشون من أنه لن ينجح في إقناع ناخبي الوسط، وهو أمر ضروري بالنسبة لهم للتغلب على ترامب.

وقال بايدن، الذي يدعمه الكثير من شخصيات الحزب البارزة، أمس الأول، "هل تعتقدون أن تقديم نفسك كاشتراكي يمكن أن يساعد في جورجيا ونورث كارولاينا وساوث كارولاينا وتكساس؟".

ورد ساندرز على هذه الحجة بالقول في ساوث كارولاينا: "تقول النخبة إن بيرني لا يمكنه التغلب على ترامب، حسنا، أدعوكم لمراجعة آخر 60 استطلاعا أجريت في هذا البلد، 56 منها وضعتني قبل ترامب!".

كاليفورنيا

وبينما تخطى الإنفاق على الإعلانات في الانتخابات التمهيدية الأميركية حتى الآن عتبة مليار دولار، حسب شركة "أدفرتايزنغ أناليتيكس"، وهو مبلغ "غير مسبوق"، يمكن عزو نصفه إلى بلومبرغ منفردا، اختارت ولاية كاليفورنيا، التي تعتز بميولها التقدمية، أن تعود إلى قلب معركة الرئاسة في عام 2020، وستلعب دورا حاسما الثلاثاء في الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشح الديمقراطي.

وفي عام 2016، نظمت الولاية التي تضم أكبر عدد من السكان انتخاباتها التمهيدية للحزب الديمقراطي في وقت متأخر من الحملة في يونيو. لكن هذه المرة، وللعب دور حاسم فيها، قرّبت كاليفورنيا عمداً الاستحقاق إلى 3 مارس، أي يوم "الثلاثاء الكبير" الذي تدلي فيه 14 ولاية بأصواتها.

ويوضح المحلل السياسي في جامعة "يو اس سي" بلوس أنجليس كريستيان غروز، لـ"فرانس برس"، "كاليفورنيا ستكون بالفعل مهمة، مع أعلى عدد مندوبين إلى المؤتمر الديمقراطي".

ولا يستعد الناخبون في هذه الولاية عادة بحماسة لهذه الانتخابات، لكن هذه المرة يعي هؤلاء أن صوتهم يمكن في الواقع أن يشكل فرقاً. وفي مؤشر على الحماسة التي يثيرها هذا الاقتراع، بلغ عدد الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية مستوى لم يسبق له مثيل منذ الخمسينيات، حيث تسجل أكثر من 20 مليون ناخب (من أصل 25 مليون محتملين). و44 في المئة منهم ديمقراطيون علنا، ما يساوي تقريبا ضعف الناخبين الجمهوريين (23.6 في المئة).

وتضع الاستطلاعات الأخيرة في كاليفورنيا ساندرز في الصدارة بنسبة 30 في المئة تقريبا، أعلى بكثير من المعتدل بايدن، والتقدمية وارن، اللذين يتقاربان في النتائج.

أوباما الحاضر الغائب

ورغم صمته التام في حملة الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين، يبدو الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما حاضرا بقوة في المعركة الحامية.

وفيما يرد اسمه عشرات المرات خلال المناظرات، وتتقدم صورته الملصقات الدعائية للحملة، يلتزم أوباما الصمت على الرغم من تحذيراته، من وراء الكواليس، من توجيه الدفة إلى اليسار.

"ذعر لدى النخبة" أو "ترشيح بيرني ساندرز ضد ترامب سيكون عملاً جنونياً"، هذا ما عنونته وسائل الإعلام الأميركية تعبيرا عن محنة بعض الديمقراطيين المعتدلين الذين يعدون أنفسهم مقربين من أوباما، إذ يشعر هؤلاء بالقلق من صعود المرشح الذي يقدم نفسه على أنه "اشتراكي" لمواجهة ترامب نيابة عنهم.

وقد يحقق ساندرز خلال انتخابات "الثلاثاء الكبير" تقدما لن يقف في وجهه شيء عمليا للفوز بترشيح الحزب.

وكتب كريس سيليتزا، الصحافي لدى "سي ان ان"، الثلاثاء، "معظم النخبة الديمقراطية لديها قناعة بأن هناك طريقة واحدة فقط لوقف ساندرز أو إبطائه على الأقل أن يعلن باراك وميشيل أوباما دعمهما لمرشح آخر ويفضل أن يحدث ذلك قبل الثلاثاء الكبير".

في نوفمبر، أعلن باراك أوباما أمام المانحين الديمقراطيين أن كسب المعركة الانتخابية يكون عبر الوسط. وقال إن الأميركيين لا يعتقدون "أنه يجب علينا تدمير النظام بالكامل"، مشددا على أن الولايات المتحدة ليست "دولة ثورية".

وإن لم يسمِ أحدا، فقد فهم الجميع أن الأمر يعني ساندرز الذي يدعو الى "ثورة سياسية"، لكن المتحدثة باسم أوباما، كاتي هيل، قالت الأربعاء: "الرئيس السابق قال إنه لا يعتزم تأييد أي مرشح خلال الانتخابات التمهيدية".