وجّهت المحكمة الباكستانية العليا في لاهور برئاسة تشودري مشتاق أحمد الى أحد قادة المعارضة في البلاد، وهو رانا سناء الله خان، تهمة المتاجرة بالمخدرات، بناء على دعوى تقدمت بها إدارة مكافحة المخدرات في باكستان.

وقد أنكر خان هذه التهمة قائلا إنها تستهدفه شخصيا بسبب مواقفه المعارضة لسياسة الحكومة، إضافة إلى أنه أحد قادة حزب رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف.

Ad

وفي عام 2018 قال رئيس المحكمة العليا في إسلام أباد شوكت صديقي إنه تعرّض لضغوط من وكالة الاستخبارات العسكرية الباكستانية لإصدار حكم ضد نواز شريف بتهمة الكسب غير المشروع. وتمت اقالة صديقي بعد ذلك بوقت قصير. وفي العام الماضي أيضا انتقد رئيس المحكمة العليا في باكستان كازي فائز عيسى الدور الذي قامت به المخابرات العسكرية الباكستانية إزاء الحكم الذي أصدره حول الاعتصام السياسي الذي عطّل العاصمة طوال 21 يوما.

وتجدر الاشارة الى أن معظم القضايا ضد المعارضة يعدها مكتب المساءلة الوطني الذي أسسه الجنرال برويز مشرف، ولا يزال يخضع لسيطرة الجيش.

ويتضح تأثير المؤسسة العسكرية على ذلك المكتب من خلال شغل المناصب الرئيسية فيه من قبل ضباط مخابرات متقاعدين، وبذلك يتمكن من مطاردة رجال السياسة في البلاد بفعالية واضحة. وقد اعترف أحد الرؤساء السابقين لمكتب المساءلة الوطني بأن مشرف كان يتلاعب بقضايا التحقيق وفق رغبته أو رغبة القوات المسلحة.

انتقادات لمكتب المساءلة

وعلى الرغم من نفي مكتب المساءلة الوطني لعمليات المساءلة المنحازة، فإن المحاكم العليا اكتشفت العكس، ووجهت انتقادات الى المكتب بتهمة استهدافه شخصيات سياسية معيّنة. ومن الأمثلة كانت خطوة مريم نواز شريف التي طرحت شريط فيديو يظهر القاضي الذي حكم على والدها وهو يعترف بتعرّضه لضغوط من أجل إدانة شريف، لكن ذلك على أي حال لم يغيّر قرار المحكمة.

وفي الآونة الأخيرة، ظهرت أدلة أخرى على التلاعب القضائي بما في ذلك قضية اتهام رانا سناء الله بتهريب المخدرات وقضايا أخرى استهدفت شخصيات سياسية معارضة.

وتجدر الإشارة الى أن شريحة واسعة من الشخصيات السياسية حملت بشدة على استهداف المعارضة في باكستان، كما أن نواز شريف وصف تلك الإجراءات بأنها تجريم تحت مظلة المساءلة.

وسبق لبلاوال بوتو زارداري، وهو عضو في حزب الشعب الباكستاني قد صرح بأن مكتب المساءلة الوطني أسّسه برويز مشرف بهدف توجيه الخطوات السياسية للمؤسسة العسكرية.

ومع اعتبار هذه القضايا إجراءات تتم من وراء الستار من جانب قادة الجيش دعا زارداري ومريم نواز رئيس الوزراء الحالي عمران خان الى تحديد موقفه، وأن يظهر أنه مثل «رئيس وزراء منتخب» أو مجرد «دمية»، وهو موقف معظم قادة المعارضة أيضاً.

كان استهداف مكتب المساءلة الوطني لقادة المعارضة واضحا جدا، ويظهر ذلك من الحكم على نواز شريف بالسجن 7 أعوام بتهمة الكسب غير المشروع، وقد رفضت المحكمة العليا طلب الاستئناف الذي تقدم به، وعلى الرغم من أنه واجه قضايا مكتب المساءلة الوطني منذ بداية عهد برويز مشرف قبل حوالي عشرين عاماً، فإن الحملة ضده ازدادت قوة بعد تسريبات بنما، وتمت إطاحته ثم اعتقل قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

ولم تسلم ابنته مريم أيضاً من حملة الاستهداف، وقد تعرّضت لعدة تهم وأحكام بالسجن منذ الانتخابات الأخيرة – وفي وقت تظل خارج السجن في الوقت الراهن، لكن مكتب المساءلة الوطني اعتقلها في مطلع شهر أغسطس الماضي بتهمة الكسب غير المشروع. وإضافة الى ذلك فقد تعرّض شهباز، وهو شقيق نواز شريف، لقضايا قضائية، كما اعتقل في إطار الحملة الأخيرة، وأطلق سراحه بكفالة مع استمرار الدعاوى ضده.

ولم تقتصر هذه القضايا في عهد عمران خان على عائلة نواز شريف، فقد شملت أيضاً معظم النشطاء والقادة في أحزاب المعارضة الرئيسية، وخاصة آصف علي زرداري، الذي اتهم بغسل الأموال وأمضى 6 أشهر في السجن قبل أن يطلق سراحه بكفالة.

من جهة أخرى، يعالج مكتب المساءلة الوطني بصورة مختلفة القضايا المتعلقة بالمرتبطين بالحزب الحاكم التحريك والإنصاف، وقد أغلقت معظم القضايا ضدهم كما طويت كافة الصفحات المتعلقة بدعاوى ضد ذلك الحزب، والتي اشتملت على تهم حول تلقيه الأموال من جهات خارجية بصورة غير مشروعة، والاحتفاظ بحسابات مصرفية سرية، وإضافة الى ذلك تم إغلاق قضية ضد عمران خان نفسه بتهمة سوء استخدام مروحيات رسمية.

ولعل اللافت بقدر أكبر أن عليمة (شقيقة عمران خان) قد اتُّهمت بامتلاك عقارات بصورة سرية، لكنّها لم تعتقل. وتجدر الإشارة الى أن هذه الحملة ضد عائلة نواز شريف انطلقت من خلال تسريبات بنما التي كشفت عن أسماء أبناء شريف وامتلاكهم شركات أوفشور – لكن المفارقة الكبيرة في تلك التسريبات أنها اشتملت على أسماء أكثر من 400 مواطن باكستاني، لكن ملاحقة مكتب المساءلة الوطني اقتصرت على نواز شريف فقط.

ومن الواضح أن الملاحقة في البعض من القضايا قد استهدفت شخصيات معيّنة، لكن لم يتم اتخاذ إجراء حولها بانتظار موافقتها على الانضمام الى الحزب الحاكم.

في غضون ذلك، أظهرت الأحكام ضد نواز شريف من قبل محكمة المساءلة عدم وجود فساد ضده، واستندت العقوبة الى وجود «أصول تتجاوز حدود الوسائل المتاحة»، وهي تهمة منافية للعقل في حالة صناعي ثري.

ونتيجة لذلك، تم شجب تلك الأحكام من جانب الوسط القضائي وكبار المحامين وأحد قضاة المحكمة العليا. واللافت أيضا أن جهاز الإنتربول عندما طلب منه إعادة أبناء نواز شريف الى باكستان في هذا العام، أجاب بأن البراهين في القضية «ليست كافية» ورفض اتخاذ إجراء في هذا الشأن.

اعتراف من الداخل

وتبرز السمة الأحادية الجانب في المساءلة عبر اعتراف رئيس مكتب المساءلة الوطني في مقابلة صحافية أجريت معه في شهر مايو الماضي بتفادي اعتقال مسؤولين حكوميين، حرصا على استقرار البلاد.

وفي أعقاب موجة غضب صدرت حول ذلك من المعارضة، نفى متحدث باسم مكتب المساءلة الوطني تصريحات رئيس المكتب، لكن الاقرار لم يقتصر على رئيس المكتب فقط، فقد أقر الوزير فواد تشودري أخيراً بأن حزب تحريك وإنصاف وليس مكتب المساءلة الوطني هو من يسيطر على حملة المساءلة الحالية.

وعلى الرغم من استمرار معظم أعضاء الحكومة في شجب فساد المعارضة، توجد أجنحة أخرى تتخذ موقفاً يتسم بالمغالاة الى حد كبير. وكان وزير الداخلية الحالي الجنرال إيجاز شاه الذي يشتبه في أنه قاتل بيناظير بوتو قد اعترف بـ«فوائد» القيام باعتقال قادة المعارضة، وذلك من أجل التخلص من الانشقاق غير المرغوب– حسب رأيه– والحيلولة دون حدوث أي تظاهرات تعقب تلك التطورات في البلاد.

وفي الوقت نفسه، لا بُد من الإشارة الى أن نقل المساءلة بهذه الطريقة الى مستوى حملة قمع مألوفة ضد المعارضة قد تمت ملاحظته بوضوح من جانب المجتمع الدولي الذي أشار الى ذلك بجلاء تام أيضا.

وقد تكون المفارقة المثيرة للقلق الى حد كبير في هذه الحملة من المساءلة إنما تتمثل فيما يوصف بتناقضها مع المعلومات التي جمعت على صعيد دولي على الأرض والتي تطرح صورة مختلفة الى حد لافت.

وعلى سبيل المثال، توصلت منظمة الشفافية الدولية العالمية في تقرير لها حول ثلاثة أنظمة سابقة الى أن عهد برويز مشرف كان الأكثر سوءا من حيث عمليات الفساد، وأن عهد نواز شريف كان الأفضل، كما أن مستوى الفساد ينخفض في العادة عندما يصل حزب الرابطة الإسلامية - نواز الى الحكم في باكستان.

لكن هنا وفي تجاهل تام لكل هذه الاعتبارات على أهميتها، فإن الدفع الأقصى لعملية المساءلة قد تركز بجلاء على حزب الرابطة الإسلامية نفسه. وتجدر الاشارة الى أن المشاركين المقربين من برويز مشرف لا يتمتعون بحصانة في هذا الصدد، لكن الكثيرين منهم يحتلون مراكز حكومية من جديد، وهي ظاهرة تستحق الملاحظة.

ومن خلال النظر الى كل تلك الحقائق المؤلمة الكامنة وراء الشعارات التي تزعم عدم الانحياز في عملية المساءلة، فإن إدانة رجال السياسة في أوساط المعارضة الباكستانية كانت واضحة الى حد كبير، كما أقرت بذلك المحاكم العليا أيضاً.

وفي هذا السياق، لا نملك سوى الأمل في أن تنال هذه الحملة غير المبررة والمجهولة النتائج ما تستحق من الاهتمام الذي تستحقه من جانب المنظمات الدولية لحقوق الإنسان في عالم اليوم.

*عبدالرحمن