حرص مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي في الموسم الثالث 20/19 على تكرار التجربة المتميزة لحفلات "من غير ميكرفون" إذ تقدم الموسيقى بصورتها النقية دون وسائط تكنولوجية لتصبح من ثوابت البرنامج السنوي للمركز.

وفي مطلع الموسم كان الجمهور على موعد مع ليلة ساحرة لألحان الفنان يوسف المهنا أحد الذين أثروا المشهد الفني الكويتي بأعمال مازالت باقية في الذاكرة أدتها فرقة مركز جابر الموسيقية، ثم جاء حفل أمس الأول الذي يحمل عنوان "كلاسيكيات عربية من غير ميكروفون مع جاهدة وهبة" لتبحر الفرقة بمعية صوت طربي جميل يحمل عبق وأصالة الماضي مع هذه الفنانة اللبنانية في رحلة زمنية وجغرافية مختلفة تبدأ من نهايات القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين ومن المحيط إلى الخليج حيث استمتع الجمهور الذي توافد على قاعة الشيخ جابر العلي للموسيقى بباقة منتقاة من الكلاسيكيات العربية شملت الأدوار والطقاطيق والموشحات الأندلسية والتراث المغربي والأغنيات الخليجية.

Ad

تحرك المشاعر

واستطاعت جاهدة وهبة أن تأسر الألباب وتطرب القلوب وتحرك المشاعر بأداء مميز لمجموعة من الأغنيات المنتقاة بعناية ضمن برنامج شهد تقديم فرقة مركز جابر الموسيقية بقيادة المايسترو خالد نوري وصلة حافلة بالاختيارات الراقية على صعيد الكلمة واللحن، أعمال نفضت عنها الفرقة غبار السنوات وأعادت إحياءها أمام جمهور لبى نداء الطرب وتوافد بكثافة قبل موعد الحفل.

ولعل ما ميز ذلك المساء الكتيب الذي استعرض ملامح مسيرة جاهدة وهبة وشهادات لكبار الموسيقيين في حقها ممهوراً بكلمة مهنا فحواها

"يشرّفني ان أكون المطربة الأولى التي ستغنّي على مدى ليلتين كلاسيكيّات عربيّة في الكويت الحبيبة بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي بدون ميكروفون، وذلك مع مجموعة كبيرة من الموسيقيين والكورس بقيادة المايسترو خالد نوري ولجمهور يفوق الألف شخص ننتظركم لمشاركتنا هذه التجربة الفريدة" بينما كانت النقطة المضيئة الأخرى في الحفل البرنامج الذي انقسم لجزأين، الوصلة الأولى قدمتها فرقة مركز جابر وتضمنت كلاسيكيات عابرة لحواجز الزمن استطاعت الصمود في وجه المتغيرات التي عصفت باغلب تراثنا، لتبدأ فرقة مركز جابر مع تقاسيم من مقام الحجاز ثم تطرب الجمهور بمقطوعة

"بشرف حجاز همايون" اعقبها موشح " ليالي الوصل" ثم " ما احتيالي يا رفاقي" و"فريد المحاسن بان"من ألحان محمد عثمان والشاعر محمد درويش.

فن الصوت

ويمر الوقت ومازال في جعبة فرقة مركز جابر العديد من الأعمال ويختار نوري ورفاقه "والله والله ما دريت" من فن الصوت من كلمات وألحان عبدالله الفرج ، ومنها إلى "طقطوقة" بعنوان "يا حبيبي تعال" للملحن مدحت عاصم والشاعر أحمد جلال، ثم "خاف الله ربك" للملحن عزرا أهارون والشاعر عبدالكريم العلاف و"على مسيري" من ألحان الفنان اليمني محمد مرشد والشاعر أحمد الجابري، ومن اللون الأندلسي تقدم فرقة مركز جابر "يا شمس العشية" من التراث الأندلسي المغربي قبل ان تختتم الوصلة بمقام البياتي من خلال "طقطوقة" يا صلاة الزين وهي من ألحان زكريا أحمد ومن أشعار بيرم التونسي

وبموشح "بالذي أسكر" من أشعار لسان الدين بن الخطيب.

الوصلة الثانية

مضى الوقت بطيئاً على عشاق الطرب الذي انتظروا بدء الوصلة الثانية لاستقبال جاهدة وبعد استراحة لدقائق عاد الجميع مجدداً إلى قاعة الشيخ جابر العلي للوسيقى لاستئناف الحفل فكانت البداية مع مقطوعة لفرقة مركز جابر بعنوان "يا حبيبي هل جفاك" من ألحان محمد جواد أموري ثم "منسية" للفنانة الراحل عائشة المرطة وهي من كلمات الشاعر مبارك الحديبي ومن ألحان خالد الزايد، لتطل بعد ذلك الفنانة جاهدة وهبة على وقع انغام أغنية الموسيقار سيد درويش "أهو ده الي صار" من كلمات يونس القاضي لتؤديها بتمكن، ثم ترتجل الفنانة اللبنانية موالاً من مقام نهاوند وتكمل بعد ذلك وصلتها بواحدة من روائع الفنان الراحل فريد الأطرش وتنتقي من أرشيفه الثري أغنية "يا زهرة في خيالي" والتي لحنها فريد وكتب كلماتها صالح جودت، قبل أن تخطو بثقة مدعومة بموهبة ومسيرة من العطاء إلى بستان موسيقار الأجيال محمد

عبدالوهاب لتختار من اعماله " جفنه علم الغزل" للشاعر بشارة الخوري، وتختتم جاهدة الحفل بواحدة من روائع كوكب الشرق أم كلثوم "عودت عيني" من ألحان الموسيقار رياض السنباطي ومن أشعار أحمد رامي.

أحدث التقنيات الهندسية

عبر مئات السنين ظلت الموسيقى تعزف من دون مؤثرات صوتية "ميكرون وسماعات ومكسر" مما أكسبها نقاء عاليا أوصل الإحساس بذبذبات الموسيقى الى المستمعين على نحو مباشر وعلى هذا الأساس تستند فرق الأوركسترا الغربية إلى هندسة القاعة "اكوستك" وتوزيع الآلات بحيث يستغنى تماماً عن المؤثرات التكنولوجية وفي تاريخ الموسيقى العربية كان المطربون يغنون من دون مؤثرات أو مكبرات صوتية حتى ثلاثينيات أو أربعينيات القرن العشرين وقبل انتشار الميكرفونات وتقنية الصوت لاحقاً وبالتالي كان الجمهور محدود العدد في القاعات يستمع للأغنيات وصوت الطرب والموسيقى بنقاوة عالية.

وفي الموسم الثقافي 19/18 كان لمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي السبق في تقديم كلاسيكيات الموسيقى العربية في حفلات "من غير ميكرفون" حيث لم يسبق لأي فرقة موسيقية كبيرة ومعاصرة أن واجهت جمهورا يصل إلى نحو ألف شخص من دون ميكروفونات سواء للعازفين أو للمطربين وذلك بفضل الإمكانيات المتميزة لقاعة الشيخ جابر العلي الموسيقية المصممة بأحدث التقنيات الهندسية لتكبير وتوصيل الصوت من دون تدخل كهربائي، وقدم المركز أولا الأغنيات المصرية للملحنين العظماء من سيد درويش إلى رياض السنباطي مرورا بزكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب وبعد نجاح الحفل الأول والاستقبال اللافت من الجمهور للموسيقى والأغنيات في صورتها الصافية وبأقل قدر من الحواجز كان الموعد مع الأغنية الكويتية ورحلة زمنية في 100 عام من تاريخها حيث تألقت فرقة مركز جابر الموسيقية عزفا وغناء.

«كاهنة المسرح» في سطور

أطلقت الصحافة العربية والغربية على الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة ألقاباً عدة منها " كاهنة المسرح" و"ديفا الشرق"، درست جاهدة وهبة علم النفس في الجامعة اللبنانية والغناء الشرقي في المعهد الوطني العالي للموسيقى حيث تابعت دراستها في العزف على العود وفي الغناء الأوبرالي باللغة العربية والإنشاد السرياني والبيزنطي والتجويد القرآني، نالت أيضاً دبلوم الدراسات العليا في التمثيل والإخراج من الجامعة اللبنانية، وأدت أدواراً رئيسية غناء وتمثيلاً في العديد من المسرحيات في لبنان والعالم العربي مثل "صخرة طانيوس" و"شربل" و"نساء الساكسفون" و "رباعيات الخيام" وأخيراً "شهرزاد" التي قدمتها مع الأوركسترا السيمفونية لضفاف المتوسط وكورالي مدينة سوسة وأوبرا نيس.

لحن لها كبار الموسيقيين اللبنانيين منهم وديع الصافي وإيلي شويري

وشربل روحانا وميشال فاضل وصدرت لها عدة ألبومات غنائية أشهرها " كتبتني" و "شهد" وكان آخرها "أرض الغجر" الذي اضطلعت بتسجيله بين براغ وبلجيكا وكييف ولبنان.

وحصدت جاهدة العديد من الجوائز كان آخرها "جائزة منير بشير للإبداع الفني" إثر نجاح حفلاتها في مهرجانات بعلبك الدولية.