يعتبر كتاب ""كنوز الشعر في تراث العرب" للكاتبة جولي مراد، مهما في تاريخ الشعر المتنوع، لاسيما بعد انصرف الكثير من المؤرخين والأدباء إلى جمع الأعمال الأدبية شعراً منذ العصر الجاهلي حتى عصور الانحطاط، ومن أهم ما صدر في هذا المجال: تاريخ الأدب العربي لـ"بروكلمن"، وتاريخ آداب اللغة العربية لمصطفى صادق الرافعي، وسلسلة تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف، وتاريخ آداب العرب لجرجي زيدان، والمجاني الحديثة لمجموعة من الأساتذة الجامعيين، وسلسلة "الروائع" للدكتور فؤاد افرام البستاني، وسواهم من محققين في مختلف الأقطار العربية.

وقد تبين حسب قول الكاتبة في مقدمتها أن "القارئ الذي يرغب في الاطلاع على تراث الأدب العربي من الجاهلية حتى عصور الانحطاط، لم تتوافر له مجموعة عملية سهلة المنال، تلخص له سيرة الشاعر وتختار في الوقت عينه، ما يميز عمله عن مقطوعات شعرية، مبينةً جدوى وضعها، بأسلوبٍ واضحٍ بعيدٍ عن الإسهاب والتعقيد".

Ad

لذلك انتقت جولي مراد أروع القصائد التي تحرك فكر القارئ ومشاعره، وصدرتها بسيرة مؤلفيها والمناسبة التي صيغت من أجلها، وجعلتها في مجلد ضخم ضم أيضاً تعريفاً أدبياً واجتماعياً بمختلف العصور.

العصر الجاهلي

أرقى ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي لا يعود إلى أكثر من قرنين أو ثلاثة قبل الهجرة، وأبرز الشعراء امرؤ القيس بن حجر الكندي، أما أغراضه -حيث قيل انه "ديوان العرب"- فيكاد الغزل يفوز منه بالنصيب الاكبر، يليه الفخر والمديح والرثاء والهجاء، حيث يقسم الشعر الجاهلي إلى مراحل عدة كالآتي: الشعراء الصعاليك، ومن أشهرهم الشنفرى وتأبط شراً وعروة بن الورد الذي كان يقودهم ويغزو بهم، وأصحاب المعلقات السبع التي كانت تكتب بماء الذهب وتعلق على أستار الكعبة، وهم امرؤ القيس وطرفة بن العبد وزهير بن أبي سلمى وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة ولبيد بن أبي ربيعة وعنترة بن شداد.

ثم يتبع شعراء البلاط هاتين الفئتين، وهم أولئك الذين امتهنوا الشعر ليتقربوا من سادتهم، ويتصدرهم النابغة الذبياني والأعشى الأكبر وعلقمة الفحل والمتلمّس والمثقّب العبدي وعدي بن زيد، وتختم هذه الفئات بالشعراء الفرسان الناطقين بمآثر قبائلهم، فهم العقول التي تفكر، والأصوات التي تنادي بالمفاخر، وهم الذين ينهون عن المنكر ويدافعون عن الحق، ومن غلبتْ عليهم صفة الفروسية: المهلل، وعامر بن الطفيل، ودريد بن الصمة، وعمرو بن معدي كرب وحاتم الطائي.

انبهر العرب ببلاغة القرآن الكريم، وشغلوا بالفتوحات، فأصيب الشعر في تلك الفترة بالركود، وشعراء صدر الإسلام هم أنفسهم تقريباً شعراء العصر الجاهلي، ولهذا يسمون بالمخضرمين، ومن بينهم من نظم في العهدين وعرف فيهما كحسان بن ثابت، وكعب بن زهير، وشاعر التكسب والهجاء الحطيئة.

أما شعر البلاط في العصر الأموي فيختلف عنه في الجاهلية، ومن أربابه النابغة الذبياني، والأخطل في شعره السياسي، والفرزدق ثم جرير، وتميز ذلك العصر أيضاً بما أفاض به عمر بن أبي ربيعة والوليد بن يزيد على الشعر الغزلي، وإلى جانبهما نذكر جميل بثينة وكثير عزة.

العصر العباسي من أطول العصور الزمنية، وكانت حاضرته بغداد التي ازدهرتْ وغدتْ من أهم المراكز الحضارية في العالم، فنشط الرواة وكثر المؤلفون، وراجتْ سوق الوراقين، وظهر على صعيد الأدب شعراء نوابغ اتسم نتاجهم المنظوم بالفرادة والمتانة والطرافة، وقد عاشوا في حواضر العراق والشام ومصر.

ولقد انطلقت النهضة الأدبية الشعرية من العراق متأثرة بالثقافة الفارسية ثم بالفكر اليوناني، ومن بناة أركانها: بشار بن برد، وأبو العتاهية، وأبو نواس، وأبو تمام، وابن الرومي ومهيار الديلمي.

كما تأثر شعراء الشام أيضاً بالنهضة الفكرية وتميزوا عن زملائهم بعمق الفكر ودقة الصنع، ومن بينهم المتنبي والمعري وأبو فراس الذي تعجب من نواح حمامة طليقة.

أما شعراء مصر فقد جفت قريحتهم إلا من شعر ابن الفارض والبهاء زهير وبعض الفرائد كاليتيمة، وفراقية ابن زريق، ولامية العجم.

رسخت موضوعات الأدب الأندلسي بالروعة والجمال ورهافة الشعور والذوق السليم، وأبرزهم ابن هاني وابن دراج وابن شهيد وابن خفاجة وابن زيدون في قصيدته الى ولادة بنت المستكفي.

وبعد اكتساح المغول دَبّ الفساد في اللغة العربية ثم أتى العثمانيون فألغوا دور اللغة العربية، فخيم الانحطاط، وعلى الرغم من ذلك برز شعراء منهم الشاب الظريف وصفي الدين الحلي وابن نباتة.

وختاما، يمكن القول إن جولي مراد نجحت في عرضها الشعر العربي في مختلف عصوره، وقدمت للقارئ كتاباً يطيب النهل من موارده ليكتسب معرفةً أعمق بتاريخ أدبه الذي استمر عبر أجيال وسيرة شعرائه الخالدين.