رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي

وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي

Ad

رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني

عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي

وَلَدتُ ولمَّا لم أجِدْ لعرائسي

رِجالاً وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي

وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغايةً

وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ

فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلةٍ

وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ

هذه أبيات قالها شاعر النيل حافظ إبراهيم 1870- 1932 تحت عنوان "اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها"، وعدد أبياتها 24 بيتا، أنشد الشاعر القصيدة عام 1903، وكانت مصر ومعظم الدول العربية في تلك الفترة ترزح تحت الاحتلال الأجنبي.

ونشأ نتيجة للاحتلال ثقافة فكر يحارب الثقافة العربية والإسلامية، ويقلل من شأن اللغة العربية، وينظر إليها على أساس أنها لغة متخلفة لا تصلح للعلم، ويجب إحلال اللغة الإنكليزية محلها، وسايرهم في هذا الاتجاه بعض المثقفين العرب الذين نادوا بأن تكون اللغة الإنكليزية هي لغة التعليم، وكادت أن تطبق تلك الفكرة لولا الجهود التي بذلها علماء الأزهر وقيادات الأحزاب الوطنية المصرية وكثير من رجال الفكر، وكان الشاعر حافظ إبراهيم في هذه القصيدة المعبرة أحد الشخصيات التي ساهمت في محاربة تلك الفكرة.

بدأ الشاعر القصيدة متحدثا على لسان اللغة العربية، وهي تشكو بمرارة اتهامها بالجمود والتخلف، وعدم قدرتها على مواءمة متطلبات العصر، ففي البيت الأول تقول اللغة أنها راجعت نفسها وتأملت فيما آل إليه أمرها، فبدأت تسيء الظن في نفسها، وكادت أن تصدق ما رموها به من قصور، ولما نادت الناطقين بها لينصروها فلم تجد من يناصرها، فادخرت حياتها عند الله.

وتقول العربية: اتهموني بالعقم أي بالجمود وعدم القدرة على التجديد، فليتني كما زعموا كي لا أحزن من قولهم، وفي البيت الثالث يشبه حافظ اللغة العربية بالمرأة القادرة على إنجاب عرائس، أي ألفاظا جميلة حسنة، ولما عز عليها أن تجد لهن رجالا أكفاء دفنتهن أحياء، وتتساءل كيف تتهم بالعجز عن وصف بعض المخترعات والعلوم ونجحت في توضيح آيات القرآن بسهولة، فهي لغة القرآن التي تحدى بها الله العرب، وتطلب اللغة من أبنائها إذا كان فيها عيوب فعليهم معالجة ذلك الخلل، وألا ينصرفوا عنها للغة أخرى، وتحذرهم بأن موتها يعني موتهم وهلاكهم.

نكتفي بهذا الشرح خشية الإطالة، ونود في ختام المقال أن نشير إلى أن الشاعر قد تناول موضوعا مهما في وقته وحتى وقتنا الحاضر، وهو الدفاع عن اللغة العربية، وعبر عنه بمشاعر وأحاسيس فياضة فيها كثير من الحزن والأسى والعتاب واللوم، وصاغ تلك المشاعر بفكر متوازن، وأبدع في تصويره اللغة بصورة إنسان له مشاعره وأحاسيسه يحزن ويلوم ويعاتب، وحذر العرب بأنها ستموت، ولن تكون لهم حياة كريمة بعدها.

واليوم بعد مرور أكثر من قرن على إنشاد هذه القصيدة، نجد في الدول العربية بعض مراكز البحوث تعتني بنهضة اللغة لكنها لا تكفي، وهي بحاجة إلى مزيد.