في أعقاب اغتيال الطائرات الأميركية قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني في مطار بغداد، شهدت أسعار النفط العالمية فترة عاصفة توجت بارتفاع وصل إلى 10 في المئة، بعد توقيع اتفاق التجارة الأميركي – الصيني وهبوط المخزون النفطي.

وجاء رد إيران على اغتيال جنرالها عبر ضربة صاروخية استهدفت قاعدة أميركية في العراق أيضاً، ولكن استمرار تدفق النفط بعدها دفع خبراء الطاقة إلى عدم توقع مضاعفات مثيرة للقلق، بل إن بعض المحللين شدد على أن حصيلة هذه التطورات ربما تفضي إلى توجه منظمة أوبك نحو مزيد من الخفض في إنتاج النفط، وإبقاء سعر البرميل ضمن حدود 60 دولارا خلال العام الحالي على الأقل.

Ad

لكن أوساط هذه الصناعة أعربت عن تخوفها من حدوث تحولات جيوسياسية في المنطقة، وخاصة في العراق وليبيا، قد تقلب الموازين وتسفر عن ارتفاع غير متوقع في سعر الخام. في غضون ذلك تشير مصادر الطاقة إلى أن التخمة النفطية، التي أفضت إلى هبوط الأسعار في الفترة الأخيرة، قد تنتهي عما قريب، وأن الأنظار تتجه في الوقت الراهن نحو إنتاج الولايات المتحدة من النفط، وهو ما يفضي بالضرورة إلى هبوط أسعاره، ولكن ليس هناك ما يعزز هذه الآمال في ظل هبوط عدد منصات حفر النفط الصخري الأميركي.

ويؤكد هذه التوقعات تصريح الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل دارن وودز بأن «الطلب على الطاقة سيستمر في الازدياد خلال الأعوام المقبلة بسبب الدور المهم الذي يلعبه النفط والغاز في الحياة العصرية، وفيما يتعلق بالإمداد فإن هذه الصناعة تمر بكثير من التطورات، أبرزها ثورة النفط الصخري وما واكبها من إمداد، ومن هذا المنطلق يتعين علينا أن نتوقع حدوث صعود وهبوط في مستويات الإنتاج والأسعار».

تهدئة المخاوف

من جهة أخرى، أسهمت مؤشرات سعي الولايات المتحدة وإيران إلى تفادي مزيد من التصعيد في تهدئة مخاوف المستثمرين، وأسفرت عن افتراضين: أولاً، التركيز من جانب الدولتين على الابتعاد عن مواجهة واسعة يمكن أن تهدد النظام في طهران واحتمالات إعادة انتخاب ترامب في نهاية هذا العام.

ويتمثل الافتراض الثاني في اعتقاد المستثمرين بأن التأثيرات الاقتصادية لمثل ذلك النزاع ستكون متواضعة. ويعزز هذه النظرة كون الولايات المتحدة قد أصبحت دولة رئيسية منتجة للنفط، كما أن توقعات التضخم غدت أقل كثيرا مما كان عليه الحال في الفترات الماضية.

ولكن لابد من الإشارة الى أنه على الرغم من تراجع فرص حرب مفتوحة بين واشنطن وطهران فإنه لا يوجد سبب يشير إلى احتمال عودة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه في الوقت الراهن، وستستمر العمليات العسكرية ولكن عن طريق الوكلاء الإقليميين، ولن تصل الى مستوى الحرب الشاملة.

والأكثر من ذلك أن النظام الإيراني مهدد من خلال ثورة داخلية بقدر يفوق أخطار حرب شاملة، لأن غزو إيران غير محتمل، كما أن حكومة طهران قد تستفيد منه لأنه سيحشد الدعم الشعبي لها، كما حدث في أعقاب اغتيال الجنرال قاسم سليماني.

وأخيراً أود أن أوضح صورة لا تفارق مخيلتي، وهي أن أسواق العالم – وفي الشرق الأوسط بشكل خاص – ستتضرر من أي حرب في المنطقة، وستكون إسرائيل الرابح الوحيد فيها، لأنها ستفضي الى تباطؤ واضح في الاقتصاد – وربما الى ركود – كما حدث في عام 1990، ومن المؤكد أن مثل تلك الحرب ستلحق الضرر بنمو الاقتصاد في الدول المستوردة للنفط، مثل اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا ومعظم الدول الأوروبية.