خجلت من نفسي بعد مشاهدة الحوار الذي أجرته الإعلامية هادلي غامبل في منتدى دافوس مع وزير الخارجية اللبناني، فقد شعرت كم نحن في «بلاط صاحبة...». أقصد أن العربان مكشوفون بالانتماء إلى ما يدعيه البعض «الإعلام الحر والمسؤول».

الصحافية غامبل أعطت درساً للمتصدرين لواجهات الشاشات من بعض الإعلاميين العرب، كيف يكون الاحتراف بالحوارات المباشرة على الهواء، وبنوع الأسئلة ومستوى الأداء، ومن شاهد جزءاً من الحوار أو مجمله خرج بانطباع أساسي ليت الجماعة في محيطنا العربي يتعلمون حرفنة إعداد الأسئلة والجرأة في الطرح، وكسر التابوهات المعلبة، والقدرة على المواجهة، وبالوقت المناسب.

Ad

كل ذلك بدون إسفاف ولا تجريح ولا صراخ أو تهويش، فهذه «العدة» تتقنها بعض الوجوه من العربان، ذكوراً وإناثاً، وما أكثرهم، لذلك ترى مشاهد حصرية مثل: الضرب بالأحذية، وشقلبة الكراسي بالاستديو، والتهويش الشوارعي، والتسخيف بالأسئلة، والشتم والسب والتخوين.

غامبل عرّتنا وفضحت هزالة حواراتنا التي يتم معظمها بترتيب مسبق، وتعدّ بشكل صارخ قبل الظهور على الشاشة، بحيث لا تخرج عن الخط المرسوم لها وبدقة، وأي غلطة أو فهلوة بخلاف النص ستودي بصاحبها أو صاحبتها والمدير الذي يتربع على عرش تلك القناة إلى حيث لا يتمناه الإنسان الحر على نفسه، وفهمكم كفاية!

ربما نجحت السيدة غامبل في كشف المستور، لأننا عجزنا عن مساءلة هذا الوزير الذي يدّعي الطهارة، ووضعت وفي جمل قصيرة وواضحة رقبة الوزير أمام المقصلة، وقالت له وبدون مواربة ولا خطابات عنترية: «أنت فاسد»، فهناك من تجرأ على التمرد على المألوف وكان مصيره في خبر كان، وهناك من يشبه غامبل لكنه يسقط من أول ضربة يتلقاها. عندنا «الميديا» صارت للتلميع والتسويف الرخيص بعد أن رسمت الخطوط الحمر أمام أسماء تلمع في سماء العروبة، وحرمت توجيه النقد إليها ووضعتها في مرتبة القداسة، وغامبل اجتهدت وبحثت ومارست دورها الإعلامي والراقي دون قيود، ولهذا كانت محل تقدير وإعجاب من غالبية المشاهدين.

لم يعد مفيداً الكلام عن الموضوعية والحرية والحياد في وسائل الإعلام والرأي والرأي الآخر، فقد بتنا محشورين في «الكادر» المرسوم لنا سلفاً، ومن لا يعجبه ذلك فليبحث عن مكان آخر، أو فليذهب لتبليط البحر! غامبل ليست أسطورة، بل هي إحدى الصور التي نبحث عنها في الفضاء الإعلامي العربي، ومجتمعاتنا ليست عاقرة، وهناك كفاءات وكوادر تبزّ هذه السيدة، لكن فضاءنا غير قابل للكسر، والمتلاعبون بالعقول يعرفون قواعد اللعبة ويحرصون على تثبيتها في الجدران حتى لا تنهار الأعمدة على الرؤوس.

تأملوا جيداً الحوار الجريء والنقاط التي أثارتها وأجادت التعبير عنها وبذكاء شديد دون إسفاف أو تهريج.

غامبل: أتيت إلى هنا بطائرة خاصة؟ باسيل: لم أكلف الخزينة ليرة لبنانية واحدة. غامبل: كوزير تأخذ 5000 آلاف دولار بالشهر كيف تغطي تكاليف طائرة خاصة؟ غامبل: مال عائلي؟ باسيل: لا تم تقديم النفقات لي كهدية. غامبل: عندما تكون في وظيفة رسمية لا يحق لك الحصول على هذا النوع من الهدايا؟

مهما اختلفت الآراء في تقييم تلك المقابلة، فقد نجحت غامبل بالمهمة والدور، وأوصلت الرسالة بمهنية عالية، وهذا يكفي، ونقطة على أول السطر وآخره!