خرج آلاف العراقيين، مساء أمس الأول، وأمس، إلى ساحة التحرير وسط بغداد، قلب الحراك الاحتجاجي الإصلاحي المتواصل منذ أكتوبر الماضي، وإلى ساحات الاعتصام في معظم المدن الشيعية الكبيرة في محافظات الجنوب، بعد حملة قمع شنتها القوات الأمنية ضدهم، سقط خلالها قتلى وجرحى.

وكان لافتاً هتافات المتظاهرين ضد رجل الدين الشيعي النافذ مقتدى الصدر، المتحدر من أسرة دينية عريقة، والذي كان قبل أسابيع قليلة يعتبر الأقرب، بين القوى السياسية التقليدية، إلى المحتجين.

Ad

والسبب في هذا التباعد كان إعلان الصدر قبل ساعات من هجوم قوات الأمن على ساحات الاعتصام، سحب عناصره من التظاهرات، الأمر الذي فسره المحتجون أنه «خيانة» متهمين الصدر بتلقي وعد من إيران بدعم مرشحه لرئاسة الحكومة.

والعلاقة بين الصدر والمحتجين انحدرت إلى أدنى مستوى منذ أن دعا من مدينة قم الإيرانية المقدسة لدى الشيعة، حيث يتابع علوماً فقهية في إحدى الحوزات العلمية، إلى تظاهرات ضد الوجود الأميركي في العراق، رداً على تصفية قوات أميركية الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبومهدي المهندس مطلع الشهر الجاري بغارة قرب مطار بغداد.

يبدو أن الهتافات ضد الصدر ومشاركة المتظاهرين بأعداد كبيرة في التجمعات المسائية جعلت انسحاب الصدريين من التظاهرات من دون قيمة تذكر، قد تكون أغضبت الزعيم الصدري الذي طالما تنقل بمرونة بين المواقف ليضمن استمرار الاتصال بينه وبين الشارع منذ عام 2003.

وسادت حالة واضحة من الارتباك في صفوف التيار الصدري. ودعا التيار بشكل مفاجئ الى وقفة احتجاجية ضد السفارة الأميركية ببغداد وضد «المتجاسرين على السيد».

وقالت الهيئة السياسية للتيار في بيان، «إلى الأحرار الوطنيين ممن يرفضون الاحتلال الأميركي وغيره... ندعوكم اليوم الأحد إلى وقفة احتجاجية ضد السفارة الأميركية وأذنابها ممن تجاسروا على رمز الوطن القائد السيد مقتدى الصدر».

بعد ذلك بدقائق، خرجت صفحة صالح محمد العراقي شبه الرسمية لتعلن رفض الصدر التظاهرات.

وكتب صالح العراقي الذي يعتقد البعض أنه اسم مستعار للصدر نفسه، بينما يطلق عليه آخرون لقب «وزير الصدر»: «أتفهم عواطفكم الجياشة إزاء الهجمة الأميركية ضد سماحته، إلا أنه ينهاكم عن التظاهر لأجل ذلك حتى لا ننجر إلى فتنة داخلية».

وتابع: «انني إذ أوقفت الدعم الإيجابي والسلبي إن جاز التعبير إنما أردت إرجاع الثورة إلى مسارها ورونقها الأول لا إلى معاداتها.. وإن لم يعودوا فسيكون لنا موقف آخر لمساندة القوات الأمنية البطلة التي لابد لها من بسط الأمن، لا الدفاع عن الفاسدين بل من أجل مصالح الشعب ولأجل العراق وسلامته.. مضيفاً «اننا لن نسمح للفاسدين بركوب موجها لاسيما من سارعوا إلى تصريحات لمصلحة الثورة ما إن ظنوا أننا ابتعدنا عنها... ولن نبتعد إنما لا نريد أن تسوء سمعتها».

مواجهات

وأطلقت قوات الأمن العراقية الغاز المسيل للدموع والأعيرة النارية في تجدد للاشتباكات، أمس، مع المحتجين في بغداد والناصرية ومدن أخرى، بعد مساع لفض مخيمات اعتصام في أنحاء البلاد.

وشارك آلاف الطلاب بالتظاهرات وسط دعوات للتعبئة لتظاهرة كبيرة الجمعة في 31 الجاري. ورشق المحتجون قوات الأمن بالقنابل الحارقة والحجارة وردت القوات بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والأعيرة النارية.

وشرعت قوات الأمن بعدها في إزالة حواجز خرسانية قرب ساحة التحرير، حيث يعتصم المحتجون منذ شهور، وعلى جسر رئيسي واحد على الأقل على نهر دجلة.

وقالت الشرطة ومصادر طبية إن الاشتباكات مع قوات الأمن في مدينة الناصرية جنوب البلاد أسفرت عن عشرات الإصابات. وقال شاهد إن محتجين أضرموا النيران في مركبتين أمنيتين وسط المدينة بينما سيطر مئات منهم على جسور رئيسية فيها. وكان مصدر طبي في الناصرية أفاد بإصابة ٣٠ متظاهراً.

وذكر شاهد آخر أن أكثر من ألفي طالب من جامعات مختلفة تدفقوا على مخيم الاعتصام في مدينة البصرة جنوب البلاد.

وقالت مصادر في الشرطة وشهود إن الاحتجاجات استمرت أيضاً في كربلاء والنجف والديوانية في تحد لمحاولات قوات الأمن فض اعتصامات قائمة منذ أشهر.

ودعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أمس، كل الأطراف إلى ضبط النفس والحفاظ على سلمية التظاهرات، مشيرة إلى مقتل 12 متظاهراً وإصابة 230 من المتظاهرين والقوات الأمنية.

صالح

وأجرى رئيس الجمهورية برهم صالح الذي عاد مساء أمس الأول إلى البلاد قادماً من منتدى دافوس وزيارة إلى إيطاليا، سلسلة من اللقاءات حول تشكيل حكومة جديدة تنهي الشلل السياسي وتمهد لانتخابات مبكرة يطالب بها المتظاهرون.

وشدد صالح ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة «مما يسهم في تحقيق آمال الشعب العراقي ويلبي مطالبه المشروعة في إنجاز الإصلاحات المنشودة».

وبحسب بيان رئاسي، فقد «تم التأكيد على سيادة العراق وحماية استقراره وأمنه من قبل جميع الأطراف، والنأي به عن الصراعات الإقليمية والدولية».

وأعلنت كتلة «بيارق الخير» أمس، عن اتفاق القوى السياسية على تقديم مرشح رئاسة الحكومة الجديدة خلال اليومين المقبلين. وقال رئيس الكتلة محمد الخالدي، إنه «حصل شبه اتفاق على اختيار مرشح واحد بين الأسماء المتداولة وتقديمه خلال اليومين المقبلين، لرئيس الجمهورية لتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة».

واعتبر الخالدي أن طرح مرشحين جدليين أو ضعفاء أو مدعومين من أجندات خارجية أو حزبية معناه «إطلاق رصاصة الرحمة» على العملية السياسية.

وكان تحالف سائرون الذي يرعاه الصدر قد أعلن في وقت سابق، تأجيل حسم مرشح رئاسة الوزراء إلى ما بعد مليونية الصدر ضد الوجود الأميركي التي نظمت الجمعة وعودة صالح من الخارج.

علاوي

من ناحيته، اعتبر رئيس ائتلاف الوطنية اياد علاوي، في بيان أمس أن «المرشح الذي يأتي بقرار أو تأثير خارجي إيراني أو غيره وبمعزل عن إرادة الشعب العراقي المنتفض، سيُرفض سياسياً وشعبياً قبل أن يُطرح، وسيتسبب بأزمة جديدة ويعقد المشهد أكثر».

وأضاف أن «هذا الحراك الشعبي الذي يملأ أرجاء الوطن هو حراك عراقي خالص، يرفض بشكل قاطع أي وصاية أو تأثير خارجي، وهو ما نحرص عليه وندعو إليه».