المحور الأول: هل تحققت المحاكمات العادلة في محاكمنا بعد تطبيق دام أكثر من 50 عاما لقوانين الإجراءات والمحاكمات الجزائية أم تحتاج تلك القوانين إلى مراجعات وتطوير؟

Ad

في البداية، قال المستشار فيصل الخريبط إن مفهوم العدالة يختلف من قاض لآخر حسب التطور الفكري والعلمي، فكثير من القضاة يخلطون بين العدالة في مفهومها الضميري ومفهومها المدني، موضحا أن القضاء المدني، مثل التجاري والأحوال والعمال، قد يقول القاضي فيه إنه حكم ضميره وعدل في القضية، على خلاف القضاء الجنائي الذي يبحث في الفكر الضميري والوجداني.

وأكد الخريبط أن الأحكام الجنائية تنطق من وجدان المحكمة واطمئنانها وثقتها، مبينا أن هناك خلطا بين العدالة في الورق والوجدان، ومن ثم فإن جزءا من العدالة منفصل في الورق عن الوجدان، فالقاضي الجنائي يملك، أيا كانت الأوراق التي تحت يده، ضميرا ووجدانا قد يطمئن لشاهد أو للمتهم أو للمجني عليه، أو يطمئن للأوراق كلها بغض النظر عما إذا كانت رسمية أم لا.

وأضاف: أما القضاء الثاني فهو قضاء ورقي، وبالتالي فإن العدالة مرتبطة بأمرين، أمر وجداني وآخر ورقي، وهذه هي الفكرة العامة في موضوع العدالة، مؤكدا أن مفهوم العدالة ليس ضيقا حتى يتم حصره في يوم أو سنة أو سنتين أو خمسين عاما، بل هي منظور أكبر من ذلك، وبالتالي على مساعدي القضاة أن يكونوا على استيعاب تام لجميع الأمور المختصة بالقضية.

وبين انه من هذا المنطلق قد يكون قاضي الدرجة الأولى أكثر فهما من قاضي التمييز، وقد يكون الأخير أكثر فهما للعدالة من قاضي الاستئناف والعكس، فهي ليست معيارا ثابتا بدليل أن كثيرا من القضايا، سواء الجنائية أو غيرها، قد تكون لها وجهة نظر ربما قانونية في التمييز، وقد يأخذ قاضي التمييز بما ورد أمام محكمة أول درجة في هذا المفهوم، لافتا إلى أن العدالة غير مرتبطة بهيكلة القضاء وعلوه، بل هي ثقافة وجدانية وعلمية معا.

وعما إذا كانت التشريعات الموجودة خلال حقبة 50 عاما تحتاج إلى تعديل وتطوير لأنها تعوق تطبيق العدالة، قال إن التربية تنقسم إلى تعلم وتعليم، والأول يتمثل في نشأة الطفل في كنف والديه على سنن معينة، أما التعليم فيختلف ما يكتسبه عما ورثه من سلوك، وهذا أمر طبيعي، وبالتالي لابد أن يكون هناك تطوير في كل المسائل، فالجمود خصوصا في قواعد العدالة لابد من كسر نطاقه، والانتقال إلى مرحلة أخرى تختلف عن مرحلة أبنائنا وآبائنا.

وأكد أنه من الطبيعي أن تتغير السنن، وليس صحيحا التذرع بما يسمى ثوابت المجتمع أو ثوابت الامة، فهناك تغييرات قد تحصل في المجتمع تخلو منها بعض القواعد القديمة، ومن هنا تتطلب التطوير، لأن قواعد العدالة ليست منحصرة في بوتقة معينة أو دائرة معينة.

ولفت إلى أن القاضي قد يقف عاجزا أحيانا بسبب فراغ التشريع، ويشعر بأنه محبوس في بوتقة قديمة لا يستطيع الخروج منها، ومن ثم يستخدم الحلول الأخرى الأقرب ليخلق شيئا جديدا لفهمه للعدالة.

الحرية والمساواة

من جانبه، قال المحامي عبدالله الأيوب إن هناك قصة تتعلق بموضوع الحلقة تتمثل في أن رجلا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أتوا به من السوق متهمين إياه بالسرقة، وهو اشعث الشعر ويبدو عليه الخوف، فقال عمر لمن أتى بالرجل: أراكم قد روعتموه، وكان يكفي أن تسألوه: هل سرقت وإلا فاتركوه.

وأوضح الأيوب أنه بالنظر إلى هذه القضية إلى جانب الحديث الشريف الذي يقول فيما معناه من بات آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها، فإن الاطمئنان لوجود العدالة شيء مهم.

وأفاد بأن الدستور وضع دعائم وأساسيات يقوم عليها مبنى العدالة، منها الحرية والمساواة، وهي تنعكس بالضرورة على القضاء وعلى السلطة التنفيذية، وعلى السلطة التشريعية، وهي المنهل الذي يفترض من الجميع أن ينهلوا منه لتحقيق المراد الدستوري، وإلا أصبح الدستور زينة وعبثا.

وأضاف أنه في الحقيقة عند وضع الدستور والقوانين كان المجتمع أقرب إلى البداوة منه إلى الحضارة والتمدن، ومن هنا راعى المشرع أن تصدر القوانين بطريقة تأخذ المواطن برفق إلى عهد المدنية، فمثلا خص الدستور النيابة العامة بالجنايات، ومع ذلك لا يعرف المواطن هذا الشيء، ومع مرور 60 عاما لم يتغير شيء من المنظومة.

وأردف: نشهد هذه الأيام توسعا لدور المحققين في وزارة الداخلية، ومع تقديرنا لعملهم إلا أنهم ليسوا وكلاء نيابة، فطريقة تثبيت وكيل النيابة وأخذ المواثيق عليه تختلف عنها بالنسبة للمحقق، فالأخير رتبة عسكرية وأدى اليمين أمام وزير الداخلية أو وكيل الوزارة، ومع ذلك تم إعطاؤه عباءة وكيل النيابة في الجنح، والأمر الآخر أن وكيل النيابة لا يستطيع ندب أحد رجال الضبطية القضائية، كشرطي أو عريف في جزء من اختصاصاته، في حين يستطيع المحقق ذلك، وله جميع الصلاحيات والامتيازات، وفق قانون الإجراءات الجنائية، التي تساويه بوكيل النيابة، مؤكدا أن ذلك الأمر لم يعد له مكان، إذ يشكل ظلماً ويستغل أسوأ استغلال.

وبين أن دور وكيل النيابة واضح وصريح مع المتهم، ويرحب دائما بوجود محام مع المتهم، على عكس المحقق الذي لا يسمح بوجود المحامي مع المتهم أو المجني عليه إلا بعد التبين من صفة الشخص الذي أمامه وما إذا كان متهما أم مجنيا عليه، مطالبا بضرورة تغيير هذا الوضع الذي أكل عليه الدهر وشرب، فالاستثناء أدى دوره طوال ستين عاما وأعتقد ان هذه مدة كافية لتغييره.

وذكر أنه بما أن العدل والمساواة من دعائم المجتمع فمن الأولى بعد مرور ستين عاما أن نعيد النظر في هذه الدعائم وتجديدها وتحديثها، مطالباً بإعادة تلميع الوثيقة الدستورية التي هي محل اعتزاز الجميع.

ولفت إلى أن المادة 8 من الدستور أناطت بالدولة بدءا من سمو الأمير مرورا بالمؤسسات التي تتبع النظام، وهي مجلس الأمة ومجلس الوزراء والسلطة القضائية، أن تصون دعامات المجتمع من الحرية والعدل والمساواة، وتكفل الأمن والطمأنينة للمواطنين.

وذكر أن المادة 30 من الدستور شددت على أن الحرية مكفولة للأشخاص، مؤكدا أن مسألة تحقيق العدالة تتطلب بحثاً كبيراً من المعنيين في الدولة.

خبراء قانونيون

المستشار فيصل الخريبط:

التفتيش القضائي أحال 9 قضاة إلى مجلس التأديب بين 1995 و2018

العدالة مرتبطة بثقافة القضاة... والمنظومة التشريعية جامدة وتحتاج إلى تطوير

القاضي إنسان قد يخطئ ومخاصمته في الخطأ الجسيم مهمة

المحامي عبدالله الأيوب :

ضرورة الاستقلال الكامل للقضاء حتى يكون رئيسه مكافئاً لرئيسي الوزراء والأمة

العدالة دعامة للمجتمع وفق الدستور لكنها تحتاج إلى تلميع

لا حاجة لإدارة الخبراء ويمكن الاستعاضة عنها بوكيل مساعد لشؤون الخبرة

الدكتور فايز الكندري :

المحكمة الاقتصادية ضرورة مع توجه الكويت للتحول إلى مركز مالي وتجاري

إقرار إعادة الالتماس في المسائل الجزائية ليست ثورة تشريعية إنما استكمال للمنظومة

معالجة تراجع جودة الأحكام تكمن في تخصيص القضاة للدوائر

د. حسين بوعركي :

القاضي لا يملك صرف قلم رصاص وبعض المطالب تحمله أكثر مما يحتمل

اختلال منظومة العدالة مرده عدم الالتزام بنصوص الدستور

مخاصمة القاضي تضعه تحت الضغط والأهم إقرار مسؤولية الدولة عن أخطاء القضاء

مراجعة التشريع الكويتي

بدوره، رأى الدكتور فايز الكندري أننا بالفعل في حاجة إلى مراجعة منظومة تطبيق العدالة في القضاء، ونحتاج إلى سد عدد من الثغرات التي تم وضع اليد عليها في الواقع العملي، موضحا انه بالرجوع للتشريعات المقارنة نجد أن التشريع الكويتي يحتاج إلى مراجعات.

ولفت الكندري إلى أن المراجعة الأخيرة التي تمت في القانون الكويتي كانت عن استلزام حقوق المحامي في تحقيقات النيابة العامة وتحقيقات الإدارة العامة للتحقيقات، وكان ذلك مطلبا تشريعيا لسد ثغرة لضمان محاكمة عادلة تضمن حقوق المتهم المنصوص عليها في القانون الكويتي.

وتساءل: هل نحن بحاجة إلى تشريعات أخرى؟ والإجابة نعم، وأهمها مراجعة مهام إدارة التفتيش القضائي في قانون تنظيم القضاء، التي يقتصر عملها على قضاة المحكمة الكلية ووكلائها ولا يشمل المستشارين، وهو أمر لابد من مراجعته، على اعتبار أننا اليوم بحاجة إلى هذه الإدارة بهذه المهام والاختصاصات دون الاقتصار على قضاة المحكمة الكلية، بل يجب أن يمتد ليشمل مستشاري محكمتي التمييز والاستئناف.

وشدد على أن ذلك المطلب ليس فقط لضمان جودة الأحكام ومدى اتفاقها مع المبادئ القانونية، لكن أيضا حتى نضمن أن عمل القاضي يستقيم اليوم مع مستجدات القوانين الموجودة وتعقيداتها التي ظهرت مؤخراً.

وأضاف: في المقابل هناك محاولات كثيرة لإقرار ما يسمى مخاصمة القضاء، والتي تم تجاوزها والاستيعاض عنها بالمسؤولية المدنية للدولة عن أخطاء أعمال القضاة، وهي نظرية ليست جديدة وإن كانت محل نقاش في الكويت، فمخاصمة القضاء تم إقرارها في فرنسا عام 1806، ثم استعيض عنها في 1972 بنظرية جديدة، وهي مسؤولية الدولة عن أخطاء أعمال القضاة، ونحن في الكويت مازلنا نناقش هذا الامر، ومازالت هناك اقتراحات بقوانين تتعلق به.

وأردف: أبدى مجلس القضاء رفضه لقانون مخاصمة القضاء لأسباب تم تجاوزها بنحو قرن، ومنها حجية الأحكام القضائية وقوة الأمر المقضي، وأن الأحكام هي عنوان الحقيقة، ونحن لا ننكر ذلك، وهذه المبررات هي التي تجعلنا نضع نظام مسؤولية مدنية محكما لا مطلقا، فنحن لا نريد كما عبر أحد الفقهاء الفرنسيين أن يقضي القاضي نصف عمره في كتابة الأحكام ونصفه الآخر في تبرير هذه الأحكام والدفاع عنها، فنحن نريد أن نصل إلى خط وسط بأن يكون هناك نطاق لهذه المسؤولية نحكم فيه الخطأ الجسيم.

وأوضح أن التشريع المصري الأقرب إلى الكويتي يتكلم عن خصومة القضاء وعن الخطأ الجسيم والتدليس والغدر، والقانون الفرنسي استعاض عن كل ذلك بالتحدث عن المسؤولية المدنية في حالتين فقط، هما إنكار العدالة والخطأ الجسيم، وترك هذا الأمر لإجراءات أكثر انضباطا وتشددا، فنحن نعرف تماما ضرورة إحاطة عمل القاضي بسياج من الحماية بحيث يكون بمنأى عن الدعاوى الكيدية التي تمس شخصه، والتي قد يكون القصد منه النيل من كرامته وسمعته أو التشكيك في نزاهته وحياديته، وهذا أمر مرفوض.

واستدرك: كما نعلم تماما أنه من غير المعقول ان نشغل ذهن القاضي بأنه عندما يكتب حكما لابد أن يبرره، فنحن لا نريد أن نصل إلى هذه النتيجة، بل نريد إلى أن نصل إلى تطبيق المسؤولية المدنية، التي طبقت في أغلب التشريعات الدولية.

وأكد أن ضمانات المحاكمة العادلة ليست فقط في نطاق القضايا والأحكام الجزائية، بل تشمل كذلك القضايا المدنية والتجارية والعمالية، عن طريق سرعة البت في هذه القضايا، لافتا إلى الحاجة إلى إعادة النظر في التشريعات الكويتية فيما يتعلق ببطء الإجراءات القضائية، وفي إعلان الدعاوى القضائية، وكذلك الصعوبات التي نواجهها في فهم الخبراء لتقنيات فنية.

وذكر أن تخصيص القضاة يجب أن يطرح في الكويت، إذ يتم تخصيص القاضي عندما يصل إلى درجة مستشار، ولكن هذا من الناحية النظرية فقط، فاليوم أصبحت التشريعات معقدة خلافا للسابق، وعليه يجب أن يكون من يطبق هذه التشريعات ملما بأساسياتها، فالتشريعات أضحت فنية ولم تعد بسيطة.

وطالب بضرورة طرح المحاكم المتخصصة كالمحكمة الاقتصادية، وهو مطلب ضروري مع التوجه التشريعي الموجود، ومع توجه الكويت للتحول إلى مركز مالي وتجاري.

تطبيق العدالة

من جانبه، قال د. حسين بوعركي إنه لابد من الاتفاق على معيار واحد للحديث عن قضية تطبيق العدالة، وهو معيار رأس الهرم التشريعي، وهو الدستور الذي وضع، على سبيل الاستثناء، في مرحلة من مراحله خلال انتقال الدولة من الحكم الفردي إلى حكم المؤسسات والسلطات، سلطة الإدارة العامة للتحقيقات، وقسم الدعوى الجزائية إلى جزأين: النيابة العامة و»التحقيقات» لأسباب تاريخية كانت موجودة آنذاك، ونص الدستور على استثناء ذلك الوضع.

وتابع بوعركي: لكن اليوم بعد مرور 60 عاما من تطبيق الدستور مازالت «التحقيقات» وتوسعت أكثر في دورها عما كانت عليه، وأعتقد أن اقتطاع سلطة النيابة العامة بالتحقيق وهي الأمينة على الدعوى الجزائية كما هي الحال في كل التشريعات المقارنة، وإعطاء تلك السلطة لجهة شرطية أمر لا يمكن التغاضي عنه.

وذكر أن المشرع الكويتي نص على أن تكون السلطة القضائية مستقلة إداريا وماليا، واليوم بعض المطالبات تحمل القضاء أكثر مما يحتمل وبها مصادرة على المطلوب، فرئيس مجلس القضاء لا يمتلك سلطة لصرف قلم رصاص، في حين نطالب القضاة بأمور كثيرة لا يملكونها، مضيفا أن منظومة العدالة مختلة لأسباب قد نكون نحن من أوجدها ابتداء من عدم الالتزام بنصوص الدستور.

وبين أنه من الناحية التشريعية هناك فرق بين القوانين الإجرائية المدنية والقوانين الإجرائية الجزائية، والدول الأخرى متقدمة علينا في القوانين المدنية، ففرنسا مثلا لديها التقاضي الإلكتروني وتبادل المذكرات إلكترونيا، وهي أمور متطورة يشهدها القضاء المدني فقط ولم تنتقل بعد إلى القضاء الجنائي.

ولفت إلى أن القضاء الإماراتي أخذ بنصيب من هذه الأمور التي لا تجد في الكويت صدى سوى التوقيع الإلكتروني أو الاستعلام الإلكتروني، وهي أمور على سبيل الاستثناء، موضحا أن هناك تأخرا في الكويت من ناحية التشريعات المدنية، أما من ناحية الإجراءات الجزائية فالأمر مختلف لأنه يتعلق بحقوق المتهم، علما بأن العجلة الكويتية في هذا الصدد بطيئة.

ورأى أن النيابة العامة أو مجلس القضاء يواكب بعض الأمور المتعلقة بالتشريعات الإجرائية الجزائية، مثل القانون الأخير بإجراء منع السفر، إذ تحركت الدولة وأصدرت تشريعا لمنع السفر بناء على توصيات مجلس القضاء الأعلى، وأعتقد أن الخلل يكمن في أن التشريعات المتعلقة بالإجراءات الجزائية وقتية، وعبارة عن ردود أفعال.

المحور الثاني: هل أثر غياب طرق التماس إعادة النظر في المسائل الجزائية وإقرار مخاصمة القضاة وتطوير دعاوى البطلان على شكل المحاكمات في الكويت؟

قال الخريبط إن إقرار التماس إعادة النظر في المسائل الجزائية بقانون الإجراءات الجزائية في المحاكم الجزائية طريق مفقود أساساً، والكثير من المحامين يقيمون دعاوى لإعادة النظر ويقابل طلبهم بالرفض، وهذا خطأ، وهناك من القضاة من يتيح تقديم هذه الدعاوى لنظرها.

وأشار إلى أن منظور القضاء يطبق القانون وهناك تشريعات وسلطة تنفيذية دورها يتمحور بين التشريع وتنفيذ القانون، وبالتالي دور القاضي أن يشاهد ما أمامه من قواعد قانونية.

وأكد أن طرق الالتماس لإعادة النظر معدومة في القضاء الإجرائي الجزائي بالكويت، وهذا ما يترتب عليه الإضرار بالعدالة، لأن معيار العدالة نسبي بالنسبة لقاضي أول درجة أو قاضي التمييز أو قاضي الاستئناف، فقد يتفوق الأول على الثاني في مفهومه للعدالة، ومن هذا الباب يجب أن يكون هناك سد لنقص هذا التشريع في قضاء الإجراءات الجزائية بما يشمل وجود طريق التماس إعادة النظر في مثل المسائل الجزائية.

واستدرك: المفهوم العام في قضاء التماس إعادة النظر يجب عدم الخلط بينه وبين القضاء في المسائل المدنية، مبينا أن سبب وضع فقرات في مفهوم العدالة الإجرائية يكمن في أن العدالة لا تحتاج إلى أن تتجزأ بل تترك المسألة للقاضي عامة.

ولفت إلى أنه في القضاء الجنائي تكون العدالة إما بالبراءة أو الإدانة، موضحا أن الإدانة تشكل خطورة على الشخص نفسه وعلى أسرته وعلى وظيفته، وعلى سلوكه في المستقبل، وبالتالي لا يجب وضع شروط في الملتمس لإعادة النظر في هذه المسألة، بل يجب أن تكون عامة وتترك للقاضي، وذكر أن المنظور الجنائي هو منظور وجداني يتعلق بالضمير ولا يرتبط بشروط معينة وتحديدات، فهو يختلف عن المنظور المدني.

وعن رأيه في مخاصمة القضاء، بين أن المخاصمة أمر طبيعي، فالقاضي أيا كان هو إنسان قد يقع في مغالطات دون قصد منه، لنقص فهم العدالة لديه وترتيبها بالنسبة إليه، فالعدالة تتطور بتطور الإنسان، فلا يمكن أن يكون فهم الصغير للعدالة مثل فهم الكبير، والعكس، وبالتالي فإن مخاصمة القضاء في حالة وجود خطأ جسيم أمر مهم، ولا مشكلة فيه، ورأى أنه لا عيب في محاسبة القاضي على الخطأ الجسيم.

وعن التزام القاضي بتعويض المتضرر من جيبه، أم يكتفي بالتعويض المرفقي من جانب الدولة، قال إن المشكلة تكمن في ترتيب درجات القضاء، فعلى سبيل المثال هناك قاض واحد في المحكمة الابتدائية، وفي المحاكم الكلية قد يكون هناك ثلاثة قضاة، وفي محاكم الاستئناف ثلاثة، وفي محاكم التمييز قد يكون هناك خمسة، فهل تنصب المسؤولية على الجميع، ومنهم من يكتب الحكم... ففي بعض الأحيان يكلف رئيس الدائرة أحد القضاة لديه بكتابة الحكم، وهنا تكون المسؤولية المعنوية على رئيس الدائرة، في حين تقع المسؤولية المادية على من كتب الحكم، ومن هنا تكمن المعضلة في تحديد المسؤول عن الخطأ.

وطالب بتحديد المخاصمة، من خلال قواعد ما بين القاضي الفردي والقاضي الثلاثي والقاضي الخماسي، وضرورة كتابة آراء الأقلية والأغلبية في مسودة الحكم حتى يتم تحديد المسؤولية في التعويض، لافتا إلى أن التشريعات عادة تضع التعويضات في عهدة الدولة، ثم تترتب بعد ذلك على المخطئ، لكن المشكلة تكمن في تحديد ذلك المخطئ.

وعما إذا تلمس في التفتيش القضائي بعض هذه الأخطاء التي تستدعي مخاصمة القضاء، أوضح أن ما مر عليه لم يكن أخطاء جسيمة بل بعض الملاحظات التي قد يغفل عنها القاضي بسبب بطء فهمه للعدالة، أو يكون استيعابه لمفهوم العدالة غير كامل، مؤكدا أن العدالة لها ترتيب بين القضاة.

وطالب بضرورة تثقيف القاضي لغيره من المتعلمين بفهم العدالة لا عن طريق التلقين بل عن طريق البحث والمناقشة حتى لا يقع ذلك المتعلم ضحية عندما يصبح مسؤولا.

ولفت إلى أنه رحب بفكرة مخاصمة القضاء، لأن القاضي يجتهد في ضوء ثقافته العلمية، مؤكدا أن إقرار المخاصمة أمر طبيعي لا مصطنع، فالأنبياء يسألهم الله ويعاتبهم على تصرفاتهم، ومنهم من عوقب مثل يونس ونوح عليهما السلام.

استقلال مالي

من جانبه، شدد المحامي عبدالله الأيوب على ضرورة استقلال القضاء، فالدستور ينص على انفصال السلطات، وتعاونها، إلا أن ذلك غير موجود من الناحية المالية، إذ لا يوجد استقلال مالي لمنظومة القضاء التي تندرج تحت مجلس القضاء، فإذا احتاج رئيس المجلس شيئا لابد من مخاطبة وزير العدل، وإما أن يوافق أو يرفض، وكذلك مرتبات القضاة تؤخذ من وزارة العدل أي من السلطة التنفيذية، وهو ما يتطلب وضع حد له حتى يتحقق استقلال القضاء.

وطالب بضرورة استقلال إدارة الأدلة الجنائية عن وزارة الداخلية وانضمامها إلى القضاء أو تبقى محايدة بينهما، مناديا بضرورة وقف إشراف وزير العدل على منظومة القضاء والخبراء، وضرورة تحقيق الاستقلال الكامل للقضاء حتى يكون رئيس المجلس الأعلى للقضاء عديلا ومكافئا لرئيس مجلس الأمة ورئيس الوزراء.

وعن موضوع الالتماس، قال إن القاضي قد يخطئ لأنه بشر يتأثر بالظروف المحيطة، ومن هنا لا بأس بفتح غرفة للالتماسات لا تضير العدالة من بعيد ولا قريب، ليقدم فيها من دين بالخطأ رداءه والتماسه لمراجعة الحكم، ولتلك الغرفة إجازة الالتماس أو رفضه، مثل التظلم من أمر الحفظ لدى النيابة العامة، بأن يذهب المتضرر للمحكمة المختصة فإذا قبلته يدرج في سجل القضايا الجارية، فلا ضير بإنشاء مثل هذه الغرفة شريطة عدم إزعاج القضاة بالتماسات لا طائل منها.

وعن مخاصمة القضاء، ذكر: اننا بحاجة لإقرار تلك المخاصمة، فالقانون الحالي يتيح المخاصمة، ولا يمنعها لكن يحتاج إلى بعض الرتوش لسد الثغرات الموجودة فيه، والتي تتمثل في تهديد القائم بالمخاصمة بدفع غرامة تعويض للقاضي بنحو 60 ألف دينار إذا كانت المخاصمة في غير محلها، إذ يجب وقف مثل هذه الغرامات، لافتا إلى أن المخاصمة لن تضير القضاة، لكن بشرط تنظيمها والبعد بها عن التجني.

حرية الإنسان

من ناحيته، استغرب د. فايز الكندري عدم وجود حالات التماسات إعادة النظر بالمسائل الجزائية داخل الكويت، رغم وجوده في المسائل المدنية، علما بأن الشق الجنائي أكثر خطورة، لأنه مرتبط بحرية الإنسان وحياته في بعض الأحيان.

وأكد الكندري أن إقرار إعادة الالتماس في المسائل الجزائية ليس ثورة تشريعية كما يتصور البعض، بل استكمال للمنظومة التشريعية التي تخلفنا عنها منذ أمد بعيد.

وبين أن مخاصمة القضاء، التي تمت الاستعاضة عنها بالمسؤولية المدنية للدولة عن أعمال القضاء ليست حاجة في حد ذاتها، إذ لم تتطور أخطاء القضاة إلى الحد الذي يمكن أن تشكل هذه الأخطاء الجسيمة ظاهرة في حد ذاتها، وما يؤكد ذلك رفض النيابة العامة المقترح النيابي حول إقرار قانون المخاصمة، لأنها رأت أنه قليل الجدوى من الناحية العملية، غير أن وجود نظام خاص يضمن المسؤولية المدنية للدولة عن أعمال القضاء مطلب تشريعي مهم، مثلما وجد نظام التفتيش القضائي والنظام الخاص برد القضاة وتنحيتهم.

وعن الالتماس بإعادة النظر في الأحكام المدنية، أضاف انه ناقص كذلك، إذ يتم في حالات محددة، وفي الأحكام النهائية فقط، ومن هنا تكمن الحاجة إلى استحداث نظام خاص ببطلان الأحكام، ليس لأننا نواجه ظاهرة أو مشكلة بل لاستكمال النظام التشريعي لتحقيق العدالة بشكل أو بآخر.

وذكر أن الهدف من ذلك هو حفظ العدالة بأن يكون هناك تفتيش قضائي فاعل لا يقف فقط على وكلاء المحكمة الكلية بل يشمل المستشارين، إلى جانب استحداث نظام مسؤولية الدولة المدنية عن أعمال القضاة.

وعن اختصار درجات التقاضي وإلغاء «التمييز»، أشار إلى انه لا يؤيد هذا التوجه، حتى يتم استكمال عدد من المتطلبات التشريعية، وأهمها أن يكون هناك قانون استقلال فاعل للقضاة.

وحول تراكم الطعون أمام «التمييز» بسبب كثرة درجات التقاضي، ذكر أن هذه المسألة لابد أن تقارن بالعدالة، مؤكدا أن الفشل الإداري هو ما يربك العمل القضائي.

ولفت إلى أن كثرة الطعون تتطلب التوسع في الدوائر لنظرها لا أن أزيح درجة من درجات التقاضي، موضحا أن هذا التوجه قد يكون مفيدا في حال استكمال المنظومة التشريعية بإقرار المتطلبات التي أشرنا إليها سابقا.

وعما إذا كانت هناك جدوى من «التمييز»، قال إن تلك الجدوى موجودة بالفعل من واقع عمله في المحاماة، فهناك عدد من أحكام الاستئناف لولا وجود مثل هذا الطعن لما استطعنا أن نوقف ما شابها من مخالفات لأحكام القانون.

تفعيل التفتيش القضائي

بدوره، ذكر بوعركي أنه لا ضرر من إقرار التماس إعادة النظر في الأحكام الجزائية، فالمشكلة القائمة أنه لا توجد إجراءات أو سبل لإلغاء الحكم الجزائي الصادر من محكمة التمييز، ومن هنا تأتي الحاجة لإقرار التماس إعادة النظر في المسائل الجزائية.

وعن الحاجة إلى إقرار قانون مخاصمة القضاء، أضاف أن مخاصمة القضاء قفز ومصادرة على المطلوب، وتضع القاضي تحت الضغط لمجرد مخالفة الرأي مع المحامي، موضحا أن مثل هذا القانون لا جدوى منه، وأكد أن التشريعات المهمة المطلوبة تتمثل في تفعيل التفتيش القضائي، وإقرار المسؤولية المدنية للدولة عن أعمال القضاء وأخطائه.

المحور الثالث: هل بلغت الكوادر المسؤولة عن توفير المحاكمة العادلة في الكويت كالقضاة والمستشارين ووكلاء النيابة والمحامين والخبراء والأطباء الشرعيين درجة عالية من الجودة والكفاءة؟

قال المستشار الخريبط إن توجه الكويت للتحول إلى مركز مالي وتجاري يضع مسؤولية كبيرة على جميع العاملين في الدولة ومنهم القضاة، مبينا أن العاملين في السلك القضائي من مساعدين ومستشارين يتمتعون بجودة عالية ويساعدون القاضي على الحكم بأريحية.

وأكد أن هذه الكوادر تمتلك كفاءة كبيرة، لاسيما الأطباء الشرعيين، ويعود نجاح 90 في المئة من الأحكام إلى جودتهم ودقتهم في العمل، مضيفا أن القضاة والمستشارين ووكلاء النيابة يبذلون جهدا عاليا بمساعدة هؤلاء المساعدين في فهم منظور القضية، وتبقى مسألة الكفاءة شائكة ومرتبطة بالتطوير عن طريق المعاهد وغيرها.

وعما إذا كنا بحاجة إلى التفتيش على المستشارين والقضاة، أوضح أن ذلك التفتيش لا يغير من واقع الحكم في حد ذاته، فهو قد يرفع القاضي أو يخفضه من حيث الترقيات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مراقبة المستشارين، لكن قد تؤخر ترقية ذلك المستشار محل التفتيش، أو تحثه على بذل جهد أفضل فيما بعد فيما يتعلق باستيعاب وفهم القانون.

ولفت إلى أن المسؤولية التأديبية لا يعفى منها مجلس القضاء ولا المستشارون أيا كانت درجاتهم، سواء كانوا في الاستئناف أو التمييز أو القضاة أو الكوادر المساعدة، وبالتالي فالكل متساوٍ في المسؤولية التأديبية.

ولفت إلى أنه حدثت بالفعل حالات تأديب للقضاة فيما يتعلق بالفكر الجنائي لا بالخطأ في تفسير القانون أو وجود قصور في الفهم، إذ هو مرتبط بجرائم ارتكبها هؤلاء القضاة، مضيفا أن مجلس التأديب شهد في الفترة من 1995 حتى 2018 نحو 9 حالات لإحالة قضاة إلى المجلس والتفتيش القضائي.

رقابة الشعب

من جهته، أفاد الأيوب بأنه فيما يتعلق بالنظام القضائي وضمانات المتهم، فإننا نلاحظ أن عقد الجلسات في غرف المداولة الضيقة لا يعطي الحرية لإبداء الرأي، نظرا للزحام الموجود في الغرفة، ومن هنا نطالب بعقد الجلسات في أماكن مهيأة للحضور، بما يفعل رقابة الشعب على أعمال القضاء داخل القاعات.

وأكد ضرورة إلغاء دور وزير العدل في تأديب القضاة عبر تشريع جديد، إذ يجب ألا تدخل السلطة التنفيذية في هذا المحراب المقدس، ورأى أن الثقافة العامة ونظام التعليم ومخرجاته إلى كلية الحقوق وفيها ضعيفة جدا، لدرجة أنها لا تعرف الكتابة.

وبين أن الإصلاح يجب أن يبدأ من القاع، حتى يكون المتخرج قادرا على صنع القرار واختيار الأصوب والتمييز بين الصواب والخطأ، حتى إن وصل إلى كلية الحقوق يبدأ تعلم أساسيات البحث العلمي والتحليل والمتابعة إلى ان يكون رسالته، مضيفا أنه عطفا على ضعف المخرجات لا يمكن توجيه اللوم إلى إدارة الخبراء وغيرها من الإدارات المعاونة للقضاء.

وأشار إلى أن إدارة الخبراء لا داعي لها، والنظام الغربي خال من هذه الإدارة، إذ يلجأ المتخاصمون إلى خبراء متخصصين في المجال لإعطائهم تقارير عن قضيتهم ليعرضوها على القاضي الذي يحكم لأحد الطرفين عطفا على التقرير الذي قدم إليه.

وذكر أن إدارة الخبراء بها مشاكل كثيرة تتمثل في إجازات الخبراء ومرضهم، ومن ثم تأجيل القضايا والأحكام، مطالبا بإزالة هذه الإدارة والاستعاضة عنها بوكيل مساعد لشؤون الخبرة للتعامل مع تقارير مكاتب الخبراء غير المضبوطة، وبالتالي يقل عدد القضايا المنظورة أمام المحاكم، مطالبا بضرورة الاستفادة من النظم الأجنبية مثل النظام السويدي أو الإنجليزي أو الفرنسي في مسألة الخبرة.

وعن الطب الشرعي، طالب بضرورة أن يتبع وزارة العدل أو النيابة العامة خصوصا، لأنه حاليا تحت سلطة وزير الداخلية، الذي يملك الضبطية القضائية على المتهم، ومحاضره لا حجية لها بالإثبات، وبالتالي تأخذ المحكمة تقرير الطب الشرعي على علاته دون أن تستطيع مناقشته.

وبين أن تبعية الطب الشرعي لمجلس القضاء أو النيابة العامة تجعله موضع ثقة ومحميا من تدخلات وزير الداخلية.

وعن القضاة والمستشارين، ذكر أنه قدم اقتراحا بشأن تدريبهم على اللغة الإنجليزية للتأقلم مع نظام التحكيم لتوسيع الأفق في النظام القضائي.

جودة القضاء

بدوره، قال د. فايز الكندري إن ثقافة المجتمع لا شك في أن لها دورا كبيرا، والسلطة القضائية وأعضاؤها هم انعكاس للمجتمع، فاليوم نشهد تراجعا في جودة كل شيء تقريبا، في التعليم والصحة وفي كل مسائل الحياة، والأمر ينسحب كذلك على جودة القضاء والاحكام.

وأوضح أنه في السابق كنا نسعد بقراءة الأحكام، ونشعر بفلسفة التشريع وتقسيم الواقع، لدرجة أننا كنا نشعر بالسعادة من هذه الأحكام وبأنها نقلتنا إلى حقل قانوني جديد، ونظرية جديدة، لكن اليوم مع سرعة التشريعات وتداخل بعضها ببعض وكثرة الطعون، والمسؤولية الملقاة على عاتق المستشارين والقضاة وكذلك التفتيش القضائي وإيعازه بسرعة البت في القضايا قد يكون كل ذلك من عوامل تراجع جودة الأحكام.

ولفت إلى أن التشريعات حاليا معقدة بخلاف ما كانت عليه سابقا، إذ نشهد حاليا ثورة تشريعية في كل المجالات، وهي تشريعات تحتاج إلى متخصصين لمعرفة المغزى من ورائها والهدف من وضعها.

وضرب مثالا على ذلك بقانون هيئة أسواق المال، موضحا أنه قانون متخصص يتطلب معرفة المقصود بالصناديق الاستثمارية والمحافظ الاستثمارية ونظام الاستثمار الجماعي، إذ هناك العديد من الأشخاص لا يعرفون هذا الفقه وذلك النظام والمقصود منه، ولا يمكن الركون إلى الخبير حتى يأتيك بتقرير يعطي الرأي الفني المتخصص، وبالتالي نحن بحاجة إلى التخصص، وقضاء متخصص، حتى نستطيع تدارك تعقيدات التشريعات وتداخلها.

وأوضح أن قضاة أسواق المال هم اليوم قضاة جنائيون، مؤكدا أن التخصص ليس في أعمال القضاة والمستشارين فقط بل كذلك في أعمال المحاماة، إذ يجب أن يختار المحامي حقلا يتخصص فيه، فهو لا يستطيع أن يكون محاميا في كل مجالات الحياة.

وذكر أن هناك خصخصة كذلك في القضاء، وهناك مشروع قانون مقدم من الحكومة فيما يتعلق بكاتب العدل الأهلي، وهي خطوة إيجابية مستحقة، متسائلا: «لماذا نمتلك فقط موثقا حكوميا ولا يكون لدينا موثق أهلي، أي كاتب عدل أهلي، والأمر كذلك بالنسبة إلى الخبرة، إذ يجب أن يكون لدينا خبير خاص، إلى جانب ضباط الدعاوى.

ولفت إلى أن هناك أكثر من عامل أدى إلى تراجع جودة الأحكام القضائية وكفاءة تقارير الخبرة ومذكرات الدفاع وفي كل المحافل، وهو انعكاس لثقافة المجتمع يتطلب نوعا من التطوير، مضيفا أن الحل يكمن في التخصص أولا، وثانيا عبر إسناد المسائل الفنية لأصحابها، حتى نبدأ بحلحلة القضايا وخلافه.

ولفت إلى أن معهد الكويت للدراسات القضائية يقوم بمجهود جبار ومشهود، لكن المسؤولية لا تقع على عاتق المعهد فقط ولا يكفي الارتباط مع كلية الحقوق والجهات الأخرى بميثاق عمل مشترك، إذ يجب على الجهات الأخرى أن يكون لها دور في تأهيل كوادر القضاة وكوادر الخبراء وغيرهم.

وضرب مثلا بهيئة أسواق المال والبنك المركزي واتحاد المصارف بأنها تمتلك معاهد، وعليه لابد أن يجتاز القضاة دورة في معهد ليس بالضرورة أن يكون قضائيا بل في معهد هيئة أسواق المال أو المعهد الخاص باتحاد المصارف أو المعهد الخاص بشركات الاستثمار، بحيث تكون هذه الدورات متخصصة، وفي المعهد ذاته، وليس بالضرورة أن ننتدب من كلية الحقوق أو «أسواق المال» أو «المركزي» أو «المصارف» أشخاصا لتدريس مادة أو اثنتين، بل المطلوب برامج متخصصة حتى يكون لدينا قاض ملم.

وذكر أن المنظومة القضائية تعاني أيما معاناة ليس فقط بسبب إطالة أمد التقاضي، بل حتى على مستوى كفاءة الخبير، فالخبير بات اليوم يبت في المسائل القانونية لا الفنية فقط، متمنيا إعادة النظر مرة أخرى في مسألة التخصص بكل المجالات إلى جانب إشراك المؤسسات بجانب معهد الكويت للدراسات القضائية في إعطاء المحاضرات والدراسات التخصصية للقضاة والمستشارين والخبراء وغيرهم من المعاونين.

مطالبات الحلقة النقاشية

أكد الخبراء القانونيون، خلال الحلقة، ضرورة إصدار مجموعة من التشريعات التي تحتاج إليها منظومة العدالة في الكويت، تتمثل فيما يأتي:

• قانون لاستقلال القضاء مالياً وإدارياً حتى يتمكن من أداء مهامه وضمان عدم التدخل الإداري في شؤونه.

• قانون لإقرار المسؤولية المدنية عن أخطاء القضاة بأن تتكفل الدولة بتعويض المتضرر عن تلك الأخطاء، أو النظر في إصدار قانون مخاصمة القضاة في الكويت، لضمان جودة الأحكام.

• تشريع ينظم التماس إعادة النظر في الأحكام الجزائية لخلو قانون الإجراءات الكويتي لأكثر من 50 عاما من النص على السماح بإعادة محاكمة متهم مجدداً بسبب خطأ في إصدار الأحكام الجزائية.

• سرعة تطبيق التقاضي الإلكتروني والقضية الحديثة في الاجراءات التي تتخذ لرفع الدعاوى وإعلان الصحف في المحاكم.

• إعادة النظر في جهاز التفتيش القضائي على أعمال القضاة لضمان جودة الأحكام وتطور أداء القضاة، وكذلك التفتيش على أعمال مستشاري محكمة الاستئناف والتمييز.

• تأهيل المحامين والتأكد من صلاحيتهم لمممارسة مهنة المحاماة قبل منحهم رخصتها.

• إسناد تخصصات جديدة إلى إدارة الخبراء تسمح لهم بالتحقيق في قضايا الصناديق الاستثمارية وأسواق المال، فهي قوانين فنية تتطلب التخصص.

• إلغاء الإدارة العامة للتحقيقات وإسناد أعمالها إلى النيابة العامة؛ لأن ممارسة تلك الإدارة للتحقيقات جاءت على سبيل الاستثناء.

تراكم الطعون وتأهيل الخبراء والمحامين

أكد د. حسين بوعركي أن التوجه الأخير للمجلس الأعلى للقضاء بقبول دفعات كبيرة من النيابة العامة سنويا أمر يصب في خانة الإيجاب، ويسرع منظومة العدالة، ويخفف تراكم الأحكام مستقبلا. وأشار إلى أن معهد الكويت للدراسات القضائية بدأ في الفترة الأخيرة يؤدي دورا مهما، وبدأ يسلط الضوء على جميع القوانين الحديثة، وانطلقت العجلة بشكل متسارع في ذلك المعهد.

واستدرك: أعتقد أن المشكلة اليوم توجد في الخبراء أكثر منها في القضاة، فالخبير حتى يعين يشترط فيه أن يحصل على مؤهل جامعي دون النظر إلى كفاءته المهنية وخبراته المتراكمة، وهو أمر غريب وغير منطقي ويرفضه العقل، فالمؤهل الجامعي لا يعني أن حامله أصبح خبيرا في المحاسبة مثلا أو في الهندسة.

وأضاف أنه بالنظر إلى تخصصات هؤلاء الخبراء، إن كانوا بالفعل متخصصين، فسنجدهم متخصصين في مجالات تقليدية مثل المحاسبة التقليدية، أو الهندسة التقليدية، ولا نجدهم متخصصين في مجال أسواق المال أو الصناديق الاستثمارية أو في مجال الاستثمار الجماعي، ولا يعلمون كيف تدور العجلة في هذه الهيئة، وللأسف تستند المحكمة إلى تقاريرهم، موضحا أن محكمة أسواق المال أحالت قضية لها إلى خبراء الهيئة المتخصصين، في خطوة إيجابية لبدء حل المسألة.

وأشار إلى أن فرنسا تطبق فكرة الخبير القانوني بمعنى أن المحكمة تستطيع في مسألة قانونية ما أن تستدعي خبيرا قانونيا كأستاذ في الجامعة أو محام لإبداء رأيه القانوني في هذه المسألة، وضرب مثلا بمجال جرائم المنافسة التي تحتاج إلى متخصصين في الأحكام التجارية.

وعن المحامين في الكويت، أوضح أن مجرد حصول المحامي على مؤهل جامعي لا يعني أنه صالح لممارسة مهنة المحاماة، شأنه شأن أي موظف في أي مهنة أخرى، لا يكفيه المؤهل فقط، بل يجب التدريب والتأهيل ثم إجراء اختبارات لقياس مستوى هؤلاء المحامين ومعرفة مدى كفاءتهم، ابتداء من الحصول على الرخصة، مطالبا الحكومة بالالتفات إلى موضوع الخبراء والمحاكم الاقتصادية المتخصصة.