طالبت النيابة العامة، أمس، محكمة الجنايات بتوقيع أقصى العقوبات بحق المتهمين في قضية ضيافة الداخلية، والمتهم على ذمتها مسؤولون في وزارة الداخلية بينهم عميد سابق ومدير إدارة ووكيل مساعد سابق وموظفون آخرون في ادارة العلاقات العامة وآخرون من وزارة المالية وعدد من مديري الفنادق.

وقالت النيابة العامة، في مرافعتها عبر وكيلي نيابة الأموال العامة حمود الشامي وزيد المجحم، إن الجرائم المنسوبة الى المتهمين ثابتة بالمستندات، فضلاً عن تضمنها لاعترافات منسوبة إلى متهمين في القضية، فضلا عن تقارير صادرة من ديوان المحاسبة ووزارة الداخلية تفيد بوقوعها، وكذلك ما انتهت إليه التحريات المقدمة من المباحث الجنائية من وقوع أحداث هذه الجريمة.

Ad

وقال الشامي إن المتهم الأول وهو عميد سابق بوزارة الداخلية قدم إقرار الذمة المالية لدى نزاهة بأنه يملك 18 مليون دينار في حساباته، وثبت العثور على ودائع في حساباته البنكية على 22 مليون دينار، فضلا عن وجود خمسة بنايات في منطقة المهبولة، وتم الحجز عليها بموجب قرار من النيابة العامة وعدم التصرف فيها، وأثبت تقرير الفحص الذي طالبته النيابة العامة من ديوان المحاسبة أن جميع الاموال التي عثر عليها في حسابات المتهم الاول العميد السابق من حصيلة الاموال المستولى عليها من وزارة الداخلية، وليست من اي تجارة او استثمار اشار اليها المتهم في تحقيقات النيابة.

حجوزات وهمية

وقال الشامي إن الأموال المستولى عليها من المتهم مبلغ 31 مليون دينار، وتم تحويلها من وزارة الداخلية على صورة حجوزات حقيقية لعدة فنادق؛ تبين عدم صحتها، وذلك بتعليمات من المتهم الاول العميد السابق في وزارة الداخلية وبتعاون المتهمة الثانية الموظفة في وزارة المالية، التي استخدمت اختام مسؤولتها في العمل لإصدار الموافقات لتلك الحجوزات الوهمية دون تدقيق، ومن ثم أصدرت الموافقة للإدارة المالية بوزارة الداخلية التي بدورها اصدرت موافقتها لصرف المبلغ ومخاطبة البنك المركزي لتحويل الاموال الى حسابات الفنادق.

وقال الشامي إن بعض ادارات الفنادق اتفقت مع المتهم الأول على ان تقوم بتحويل المبالغ المالية التي ترد إليها الى شركات يحددها، ومن ثم تقوم تلك الشركات بإخراج تلك المبالغ المالية لمصلحة المتهم الاول في صورة شيكات، وهي نتيجة الحجوز الوهمية التي ثبت أنها تكفي لـ350 ألف شخص خلال سنتين، كما تبين أن الاسماء المستخدمة من الوفود الامنية هي لعدد محدود جدا، كما انه ثبت لدى النيابة أن عددا من الاسماء التي قام المتهم الاول بوضع اسمائهم كوفود امنية دخلت البلاد هي لدفعة طلبة عسكريين تخرجوا من احدى الكليات العسكرية في المملكة العربية السعودية.

فساد في فساد

وبين أن ملف الدعوى المعروضة أمام المحكمة يكشف عن جرائم في أوصافها فساد في فساد، لافتا الى ان الفساد ما هو إلا تعبيرٌ عن مجموع تلك السلوكيات الأنانية في وجهها البشع وبسماتها الجشعة التي تنشق عن فمٍ ما انفك يمضغ أحلام الكادحين ويمجها في جباههم، احتقاراً لمسعاهم العفيف والتي تمثل إساءة استعمال السلطة اليد التي تبطش بها، وصولجان الحظوة الذي يرهب به من أبصروا بأعينهم ضلاله، ووعوا بضمائرهم غيه، غير أنك تكاد لا تسمع لهم همساً.

وأوضح الشامي أن الفساد معول كبير في هدم سيادة القانون في الدولة، ومسخ علائم الديمقراطية الحقة، وتغول على مبدأ المساواة، وسحق لسيادة الأمة، وكفر بروح الشرائع في سامي آيها؛ أنه لا يستوي المفسدون في الأرض مع المصلحين، وفي شيوع الفساد ما يسوق حتماً لزعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد على المدى البعيد، سيما إذا ما وجد ذلك الفساد في سخط الناس موطناً، يغذي فيه كراهياتهم، ويضرم جذوة الأحقاد والتذمر واللغواء في نفوسهم، ليصلى بها أديم السلبيات من تدني الأجور وبلى البنى التحتية وتردي الخدمات العامة، إحلالاً لمحفزاته الرئيسية في معتقدات الناس، كإحدى حقائق الحياة ونواميس الطبيعة إخلالاً بمعايير النزاهة والاستقامة والأمانة كما في تفتيت مفهوم حرمة المال العام، أو شرعنة جرائم غسل الأموال، أو عملنة الرشا، ودواليك، قلباً للمقاييس الحقة على أعقابها.

وليس من المقتضيات لهذه المخاطر التي من شأنها أن تفتك بأي نظام قانوني أنى كان، أن يكون الفساد مستبداً إلى السُلطة فقط كي يقبله الأفراد، وإنما يستند إلى قواه الناعمة في تهافت الناس إليه على اختلافهم، كيما يعوض لهم حاجاتهم التي ليست في حقيقتها غير ترفٍ متصنعٍ، شحذتها بعيداً آفاق عالم متسارع ولو على حساب التضحيات والمصالح العليا للبلاد التي لم تزد مع الأيام إلا وهناً على وهن.

وقال الشامي للمحكمة إن صُحفنا التي بين يدي عدلكم عن تلك الوهاد ببعيد ففيها صور مجتمعات من أداء الوظيفة العامة على نحو معوج، تهاوت به قيم الولاء للوطن، وأيمانٌ لا تروي ظمآن، وانكشف الغطاء عن غايات رخيصات لها في حقل الجشع ألوان، فها هي السطور تبكي الأمانة أن ديست بالأقدام، وتنعي وفاء الكرام، وبعدُ فيها علائم على نهب ثروات الأوطان، فيمن يشرون الأمانة التي تطوق الأعناق بعرَض من الدنيا زائل، اجتراءً على المال العام حتى ليكاد الخطر فيما أقدموا عليه أن يبلغ في مداه نُظماً آمنة، يتهدد خشوعها إلى القانون بقلبه على أعقابه.

ملاحقة المجرمين

وقال الشامي إن النيابة العامة لماضية في أداء رسالتها، مستعينة بالله تعالى على صعابها تشق طريقها وصولاً إلى مواطن الحقيقة، تعبيراً عن آمال الناس في حقهم في الأمن من خلال ملاحقة المجرمين والسهر على تطبيق القوانين، باعتبار أن ذلك إطار للقيم التي احتضنها الدستور يتملكها شعور بالأسى والأسف على زمان دنست فيه القيم بأيدي من وكل برعايتها وانتهك فيه القانون بأيدي القوامين على حمايته واستحال المسؤول عن أمن الرعية وصون مواردها، نهاباً للسحت، لماماً للدنية، يقتفي ظله حالك السواد، متحللاً من الشعور بالمسؤولية، يمشي في طريق التضليل والبهت مرحاً، فصار المنصب الذي بُوّئ به ليحول دون الفساد والإفساد، مرتعاً لمن تسول له نفسه أن يشبع فيه نهمه من المال العام، وأضحى عمله الذي استرعته الدولة فيه حلاً لأهوائه.

وأضاف الشامي: فأي عار وأي رزية، أن يرعى رجل الشرطة الجريمة ويثخن في الضحية، شفاءً لدائه من الجشع، وتمرداً على مقدوره من الرزق، وامتهاناً لهيبة رجل الشرطة وكرامته في نفوس الناس؟ فأنى له أن يرعى مصالح العباد، وهو ينتهب خزائنهم؟ (أولئك هم شر البرية)، ألا إن الذنب لا ينسى والديان لا يموت وبالكيل الذي تكيل به تُكال. وليس من نافل القول أن أنوه ها هنا أن خطبنا برجل الشرطة في هذه الواقعة جلل، وإني لأحسبها فاجعة دهت البلاد في سويداء قلبها.

وقال الشامي إن هذا اللون من الفساد إن تمدد واستشرى في المؤسسات الأمنية التي نيط بها حفظ الأمن، ليزلزل أركان تلك المنظومة، ويهدد أوصال الوطن. كيف لا والخطايا تصطرع في قافلة الخيانة، تحف موكبها الدنايا حاديها عميد شغفه حب المال، مضى يشري نفسه مترفعاً عن الحلال، مكتحلاً بالإثم والضلال، له من زهو الحرام مهاد، ومن زقومه غواش، ماضٍ فيها ثلة ممن ركبت نفوسهم أنتان الطمع وطوعت ضمائرهم حبائل الجشع، فتعاونوا جميعاً على الإثم والمكر والدهاء، يؤزهم تجمل خلقه الرياء، وأوهام ما برحت ترهق الأبصار، لعمري ما هذا البلاء، بنيان أسس على شفا جرف الخديعة لهاوٍ بهم في خبال الشرور، لولا سآمة المنقلب، والإطناب فيما لا يخفى على نافذ بصيرتكم، لأطلنا النظر فيما تومئ له واقعات هذه القضية، فجسامتها لا ريب مغرية بالاستغراق في عرضها طويلاً، لتقفوا منها على ما هو مضمر في أطوائها.

وأضاف أن قضيتنا ما فتئت تذكر الكويتيين بجرح لم يندمل بعدُ، إذ يرون فيها فصلاً جديداً للمال العام وقد استبيح ممن أؤتمن عليه، وأن يد الأمانة لم تزل ملطخة بالسُحت، وأن خزائنهم لم تشبع بعدُ من الموت، هذا ولئن كان لنا في إحاطتكم بواقع الدعوى علماً، ونفاذ بصيرتكم إلى دقيق تفاصيلها، مندوحة تخفف عنا وطأة الإغراق والاستغراق.

قبح الجريمة وظلم الأمانة

قال وكيل نيابة الاموال العامة حمود الشامي: إن النيابة العامة، وبعد أن صيرها الدستور سلطة مستقلة وحاطها بضماناتها تقبض على سلطة الاتهام فيما وسد إليها من اختصاص، تحمل مسؤولية الدفاع عن المجتمع، تستوي عندها الأيدي الناعمة والعاملة، وعلى هذا لم تكن –في أدائها لرسالتها– المتهافتة على الاتهام قط، بل كانت المستجلية لواقع الدعوى في ملامحه الرئيسة ليتراءى لسدنة العدالة قبح الجريمة، وخبث المقصد دليلاً وبرهاناً، وفق التوصيف القانوني السليم، في دقه وجله، نصاً ومعنىً، هدياً لسواء السبيل.

واضاف الشامي: لا أشعر أني أخون الحقيقة حينما أقول إنه لا يكاد يسمع لظروف الرأفة في هذه الدعوى همساً، إذ الجريمة نكراء، تنم في مجملها عمن تجردوا من وخز الضمير مستحلين لأنفسهم السحت، ينهشون في جسد المجتمع ويسفون مقدرات الأمة في بطونهم حوباً كبيراً، سعياً لآسن العيش، وتهافتاً على قاتر الرجس، حتى سقطوا بشرورهم وأخذوا بفسادهم، والحرام يرن في أعقابهم مذكراً بذنبهم، أنهم ظلموا الأمانة ظلماً مبيناً، فكانوا بئس المثل للقوم المجرمين.

دفاع «الفتوى» والعقوبة القصوى

طالب دفاع الفتوى والتشريع عن الحكومة المحامي فيصل القطان المحكمة بتوقيع أقصى العقوبة على المتهمين.

كما طالب بإلزامهم بمبلغ 5001 دينار على سبيل التعويض المؤقت وإلزامهم برد ضعف المبلغ الذي استولوا عليه، وقدم مذكرة بدفاعه.

ولفت الى ان الجرائم التي ارتكبها المتهمون تمثل اعتداء على الخزينة العامة، في وقت كان يتعين عليها حمايتها.