يواجه الشعب الفلسطيني تحديات غير مسبوقة تستهدف تصفية وجوده ومستقبله وحقه في تقرير المصير، ولا يحتاج المرء أن يكون خبيراً سياسياً أو قيادياً لكي يدرك أن ما يقوم به حكام إسرائيل هو عملية خطيرة مكونة من مرحلتين: الأولى: ضم الضفة الغربية وتهويدها بالمصادرة، والاستيطان، والجدار، وتقطيع الأوصال، وأخيراً بمحميات نفتالي بنيت غير الطبيعية، وما يجري هو تكرار حرفي لما فعلته إسرائيل بأراضي 1948، أما المرحلة الثانية فهي محاولة ترحيل الشعب الفلسطيني من خلال القمع والتضييق عليه اقتصاديا، واجتماعيا، وإنسانيا، وسياسيا.

لا يوجد ما هو أفضل من ثلاث وسائل لإفشال هذا المخطط: تعزيز الصمود والبقاء على الأرض، وقد تناولنا ذلك في مقال سابق، والمقاومة الشعبية الواسعة والفعالة، واستنهاض أوسع حملة للمقاطعة وفرض العقوبات على منظومة الأبارتهايد التي أنشأها حكام إسرائيل.

Ad

ويهدف هذا المقال إلى توضيح بعض الأساسيات وتبديد بعض سوء الفهم الذي نصادفه أحيانا حول المقاومة الشعبية، التي كان من أفضل نماذجها الانتفاضة الأولى، وسفن كسر الحصار على غزة، وقرى المقاومة الشعبية، وهبة الأقصى، ومسيرات العودة، وكسر الحصار.

أولا- المقاومة الشعبية لا تنفي ولا تتعارض مع أشكال المقاومة المشروعة الأخرى التي استخدمت سابقا، والتي يقرها القانون الدولي والإنساني، بما فيها المقاومة المسلحة، ما دامت تحترم وتلتزم بالقانون الإنساني الدولي.

ثانياً- إن تجربة الشعب الفلسطيني منذ أوائل القرن الماضي أثبتت أن أكثر أشكال المقاومة تأثيراً هي المقاومة الشعبية، وأبرز نموذج لذلك كانت الانتفاضة الأولى التي ضاع القسم الأكبر من نتائجها بعد اتفاق أوسلو.

ثالثاً- المقاومة الشعبية لا تصل إلى مرحلة النضوج إلا بإشراك فئات شعبية واسعة فيها، ولذلك تسمى شعبية، وإذا كان من الممكن القبول في بعض المراحل الأولية بنشاطات تشارك فيها أعداد محدودة، فلا يمكن أن توصف المقاومة بصفة الشعبية إن اقتصرت على عدد قليل من النشطاء، الذين يتنقلون من موقع إلى آخر، مصطحبين بعض المتضامنين معهم أحيانا، وبدون أن ينجحوا في إشراك فئات أوسع بما في ذلك أهل قريتهم نفسها للمشاركة في النشاط.

رابعا- المقاومة الشعبية ليست، ويجب ألا تكون، مؤسسة رسمية تعتمد على التوظيف للنشطاء، ولا يمكن أن تكون منظمة غير حكومية تعتمد على التمويل الخارجي، بل جوهرها هو المشاركة التطوعية والمساهمة الطوعية، وهي ليست احتكاراً أو حكراً على مجموعة أو مجموعات، بل حركة مفتوحة للمساهمات الشعبية المتنوعة على أشكالها.

خامساً- إن جوهر المقاومة الشعبية يتمثل بمبادئ تجسدت في الانتفاضة الأولى، وهي تنظيم النفس، والاعتماد على النفس، وتحدي إجراءات الخصم والتمرد عليها، أي تحدي الاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري وقوانينه. وأسلوبها الرئيس خلق حالة "الحيرة" لدى الخصم، أي جعله يخسر إن تصدى لفعل أو نشاط المقاومة الشعبية، ويخسر إن سمح له بالنجاح، أي وضع الخصم في وضع مشابه للخاسر عند حلول لحظة (كش ملك) في لعبة الشطرنج، فهو خاسر إن لم يتحرك وخاسر إن تحرك في أي اتجاه.

وليس ذلك سهلاً دائماً، كما أنه ليس ناجحا بالكامل دوما، ولذلك فإن نجاح فعل المقاومة الشعبية مثل كثير من الأفعال يعتمد على:

1- حسن التخطيط للحدث.

2- الإمساك بزمام المبادرة والانضباط في التنفيذ.

3- القدرة على التحكم بكل مراحل النشاط، والتحكم في لحظة البدء والتحكم خلال النشاط وأهم شيء التحكم في لحظة انتهائه، وإن أهم هدف للخصم سيكون دفع المشاركين للخروج عن خطتهم وانتزاع زمام المبادرة منهم، وإن نجح في ذلك فسيلغي مفعول النشاط لأن حالة "الحيرة" لن تتحقق، ولا بد هنا من ترسخ القناعة بأن معيار القوة هو تحقيق الهدف من النشاط لا الاستعراض الكلامي أو الجسدي، كما أن الوجود الإعلامي مهم لحماية النشاط وردع الخصم من استخدام العنف المفرط، ولإحداث التأثير الشعبي المحلي والعالمي.

4- قوة المقاومة الشعبية التي تعتمد على قدرتها على التنظيم والابتكار والتجديد والابداع، وكذلك قدرتها على المرونة في التعامل مع الظروف المتغيرة.

وللحديث بقية.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية