تصاعدت حدة الخلافات التي طفت عقب اعتراف السلطات الإيرانية بإسقاط طائرة مدنية أوكرانية قرب طهران عقب 3 أيام من الإنكار، ودعا الرئيس الإيراني حسن روحاني، جيش بلاده إلى كشف المزيد من المعلومات عن ملابسات الحادث الذي تسبب في مقتل 176 أغلبهم من الإيرانيين وبينهم 57 كنديا من أصل إيراني.

وقال روحاني، في تصريحات خلال مؤتمر أمس: «أرجو القوات المسلحة إيضاح تفاصيل الطائرة الأوكرانية، ليعلم الشعب أنهم لا يريدون إخفاء الحقيقة».

Ad

وأضاف أن «حادث إسقاط الطائرة يجب ألا يتكرر مرة أخرى، وينبغي إعادة النظر في قوانين المنظومات الدفاعية».

وأشار إلى أن «من أسقطوا الطائرة هم ذاتهم من ضمنوا أمن البلاد»، لافتا في الوقت نفسه إلى أنه ينبغي محاكمة المسؤولين عن الحادث بالشكل الذي يقنع العالم.

وشدد على ضرورة عدم تسييس القضايا، والابتعاد عن الحزبية في مسألة مقتل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني بضربة جوية أميركية، وكذلك قضية إسقاط الطائرة.

وإذ اتهم روحاني الولايات المتحدة بزعزعة أمن المنطقة، أكد أن ذلك لن يكون لمصلحة أحد، وسيضر بأوروبا وأميركا وآسيا.

وأكد أن واشنطن «زعزعت أمن المنطقة وتتدخل في شؤون العراق ولبنان وليبيا، وتنهب النفط السوري، وتمنع تصدير الدواء إلى إيران».

ودعا أوروبا والولايات المتحدة إلى «ألا تنفخا في نيران التوتر» بالمنطقة، واعتبر أن «البيت الأبيض» أخطأ بانسحابه من الاتفاق النووي الإيراني ومنعه صادرات نفط بلاده.

وجدد الرئيس تأكيد بلاده أنها سترد على قتل سليماني بمواصلة السعي إلى طرد القوات الأميركية من المنطقة.

وفي شأن «الاتفاق النووي»، انتقد روحاني دعوة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى استبدال الاتفاق النووي بـ «اتفاق ترامب»، داعيا أوروبا إلى العودة للوفاء بالتزاماتها، ومؤكدا إمكان تراجع طهران عن خطواتها التي تضمنت تقليص التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حال وفاء أوروبا بالتزاماتها الاقتصادية.

كذب ولوم

وفي سياق متصل، رأى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن «الاحتجاجات الداخلية اندلعت، إثر الكذب، بشأن سبب تحطّم الطائرة الأوكرانية»، في إشارة منه للرواية المتناقضة التي أعلنتها طهران في بداية الحادث، ومن ثمّ تراجعت عنها بعد يومين، في ظل ضغوط دولية.

وألقى ظريف، خلال كلمة له بمؤتمر في نيودلهي، بـ «بعض اللوم» على واشنطن في حادث «الأوكرانية» الذي جاء بعد توجيه «الحرس الثوري» ضربة صاروخية لقاعدتين تستخدمها القوات الأميركية في العراق ردا على مقتل سليماني.

ووصف الكارثة بأنها «خطأ لا يغتفر»، قائلا إنه يجب التأكد من عدم حدوث ذلك مطلقاً مرة أخرى. وأوضح أن بلاده وجهت رسالة عبر السويسريين ليلة الهجوم الصاروخي في العراق، مفادها أنها ستقوم بـ «رد دفاعي».

ولفت ظريف إلى معاناة الاقتصاد الإيراني جراء العقوبات الخانقة التي تفرضها واشنطن بعد انسحابها من الاتفاق النووي. وغداة إعلان ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تفعيل آلية فضّ النزاع المنصوص عليها في الاتفاق النووي، وهو ما قد يمهّد لإعادة فرض العقوبات الدولية على طهران تحت «البند السابع»، أكد رئيس الدبلوماسية الإيرانية أن المعاهدة التي أبرمت بين طهران والقوى الكبرى في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما «لم تمت»، وأن الأمر يتوقف على رغبة الدول الأوروبية.

تسريب وسخرية

وجاءت مطالبة روحاني وحديث ظريف العلني عن الكذب، بعد تسريب تسجيل لأحد قادة «الحرس الثوري» يلوم فيه تحميل الحكومة المؤسسة العسكرية مسؤولية إسقاط الطائرة الأربعاء الماضي.

ومع تصاعد الخلافات بين أجنحة النظام، سخر مستشار الرئيس الإيراني حسام الدين آشنا، من «التيار المتشدد» الذي يصف قوات الحرس الثوري بـ «الأبطال».

وكتب آشنا عبر «تويتر» وهو ينتقد «التيار الأصولي» و»الحرس الثوري»: «البعض يتصرف بغرابة، يعتبرون الجهود المبذولة لكشف الحقيقة خيانة، والاعتراف بالخطأ الكبير شهامة»، مضيفا «هؤلاء يطالبون باعتذار واستقالة مَن لم يكونوا على اطلاع بالحادث، بينما يصنعون أبطالا مِن المقصّرين ومَن أخفوا الحقيقة».

وفيما يتعلق بالمظاهرات، دعا ناشطون إيرانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى الخروج والتظاهر في الشوارع، لليوم الخامس أمس، للاحتجاج على تعامل السلطات مع كارثة الطائرة، وضد «الحكومة التي تمارس السرقة والفساد».

مغادرة سفير

في سياق قريب، غادر السفير البريطاني في إيران، روب ماكير، العاصمة طهران أمس، بعد أيام من توقيفه لفترة وجيزة عقب حضوره فاعلية لتأبين ضحايا الطائرة.

ولاحقاً، أكدت وزارة الخارجية البريطانية أن ماكير غادر في زيارة اعتيادية للبلاد.

وتأتي المغادرة بعد تأكيد رجل دين بارز أن أفضل ما يمكن أن يحدث لماكير هو مغادرة البلاد، أو مواجهة احتمال تقطيعه من قِبل أنصار سليماني.

من جانب آخر، طلبت كييف، أمس، من طهران تسليمها الصندوقين الأسودين للطائرة الأوكرانية.

لافروف و«قنبلة»

إلى ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن موسكو تحث دول الخليج على دراسة آلية أمنية مشتركة للمنطقة، وإنه آن الأوان كي يتخلص العالم من الإجراءات الأحادية الجانب كالعقوبات، في حين اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن تفعيل آلية فض النزاعات الخاصة بالاتفاق النووي «تقلل بشكل كبير من فرص إنقاذه».

من ناحية أخرى، وتزامناً مع إعلان تفعيل آلية فض النزاعات المعروفة باسم «آلية الزناد»، ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أنه وفقاً لتقديرات مخابرات الجيش الإسرائيلي، فإن الجمهورية الإسلامية يمكنها إنتاج ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة نووية واحدة، بنهاية العام الحالي.

إسقاط الطائرة بصاروخين واعتقال مصور فيديو

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية مقطع فيديو، أظهر أن صاروخين أُطلقا على الطائرة الأوكرانية، التي أُسقطت الأربعاء قبل الماضي قرب طهران، بفاصل زمني بينهما أكثر من 20 ثانية.

وقالت إن هذا يفسر سبب توقف جهاز إرسال الطائرة عن العمل قبل الضربة الصاروخية التي نفذتها إيران ضد قاعدتين عسكريتين توجد بهما قوات أميركية في العراق.

وجاء ذلك في وقت ذكرت تقارير أن «الحرس الثوري» اعتقل شخصاً نشر مقطع فيديو الأسبوع الماضي يظهر لحظة إسقاط الطائرة الأوكرانية قرب طهران الأربعاء قبل الماضي.

وكان قائد القوات الجوية بـ «الحرس الثوري»، أمير علي حجي زاده، أقرّ، بعد 3 أيام من الإنكار، بإسقاط الطائرة عن طريق الخطأ، وقال إن ذلك تم بصاروخ قصير المدى بعد أن تم التعرف على الطائرة خطأً على أنها صاروخ كروز من قبل مشغّل الدفاع الجوي.

وغرّد الرئيس الإيراني حسن روحاني، السبت الماضي، في إشارة إلى «صواريخ» متعددة، لكنه لم يقدم أي توضيح.