ما زال بعض الناس يتعاملون مع الواقع السياسي وكأننا ما زلنا نعيش في القرن العشرين، وهم في ذلك يتجاهلون أن انهيار الاتحاد السوفياتي، وما كان معروفا بالمعسكر الاشتراكي، أنهى عصر ثنائية القطبية، وأنشأ عالما يتحكم فيه قطبٌ واحدٌ لردح من الزمن، إلى أن دخلنا المرحلة التي نعيشها اليوم في بداية عصر تعدد الأقطاب.

ولعل أهم ما يميز عصرنا، للأسف الشديد، أن سياسات الدول ارتدت إلى مفاهيم وقيم القرن التاسع عشر، وما يحكم سياسات الدول والأقاليم هو شيء واحد: المصالح.

Ad

وفي عصر انكفاء القيم والمبادئ من المهم لكل شعب أن يحدد مواقفه وسياساته، بما يحقق مصالحه وأهدافه، ومن يدافع عن القيم والمبادئ في عصرنا هو من له مصلحة فيها، ولذلك ندافع نحن كفلسطينيين عن القانون الدولي وقيم الحرية والعدالة، لأنها تنسجم مع مصالحنا، ولكننا نخطئ إن ظننا أن الآخرين سيفعلون الشيء نفسه من أجل سواد عيوننا.

وما يعنيه ذلك أن مواقفنا من كل الأطراف والدول والقوى يجب أن تستند إلى تحليل، وفهم عميق، لمصالح هذه الأطراف والدول، والثابت الوحيد في هذا التحليل يجب أن يكون قياس مدى تحالف أو تصادم كل طرف وكل دولة مع العدو الرئيس الذي يهدد حياتنا، وأرضنا، وشعبنا، ومستقبلنا، وهو الاحتلال ونظام الأبارتهايد العنصري الإسرائيلي. هذه هي القاعدة الأولى، التي يجب فهمها حتى لا يتوه بعض الناس في غياهب استقطابات لا علاقة لنا بها، ولن تفيدنا، ولن يعني الغوص فيها إلا السماح للآخرين باستغلالنا من أجل مصالحهم. أما القاعدة الثانية في خوض وإدارة كل صراع فهي التمييز الدقيق بين التناقض الرئيس والتناقضات الثانوية، تناقضنا الرئيس كان، وما زال، وسيبقى حتى تتحقق حريتنا الكاملة، مع الاحتلال، وحكام إسرائيل، ومنظومة الأبارتهايد التي أنشؤوها، ومع من يدعمونهم ويتواطؤون معهم. وما من كارثة يمكن أن تلحق بحركة تحرر وطني، وشعب يناضل من أجل حريته، أسوأ من الوقوع في غياهب صراعات مع أطراف، وتناقضات ثانوية، بالنسبة إلى قضيتنا.

والقاعدة الثالثة، لنجاح كل نضال، هي التمييز بين من يمكن أن يكونوا في معسكر الحلفاء، ومن سيكونون في معسكر الأعداء.

وإذا كانت معادلات التحالفات سهلة في عصر القطبين، فإنها معقدة للغاية في عصر تعدد الأقطاب، لأسباب عدة، أهمها أن مصالح الدول تتغير، وتتحول، وتتغير معها مواقفها، وهذا ما يفسر تغير مواقف دول كانت تصوت لمصلحتنا، فصارت تعارضنا، أو تختبئ خلف ستار الغياب، أو الامتناع عن التصويت. خصمنا ذكي، ولا يفوت فرصة لفتح ونسج علاقات مع كل من يستطيع الوصول إليه، وخاصة من كانوا داعمين تاريخيا للشعب الفلسطيني، ولذلك نراه ينشط بكثافة تجاه بلد صديق كالصين، والهند والدول الإفريقية، ويحاول فرض وتمرير تطبيع مع دول المحيط العربي، لأنه يريد أن يعزلنا.

ونحن يجب أن نحاول عزله، ليس بافتراض قوة عدالة قضيتنا فقط، بل بالنشاط المثابر والذكاء الحقيقي في التعامل مع الأزمات المتتالية التي تدور حولنا، ومن المنطلق نفسه لا يمكن فهم أو قبول مواقف تهاجم من يقفون إلى جانبنا، ويدعمون نضالنا، ويصطدمون مع أعدائنا، كما لا يمكن أن نقبل كشعب يناضل من أجل حريته أن نكون في جيب أحد، أو أن نسمح بتكرار مآس سابقة، عندما كان الآخرون يستغلون ويستخدمون قضيتنا، ثم يديروا ظهورهم لنا عند كل منعطف مهم.

ما من شعب تمسك ويتمسك بقيم الحرية والكرامة والعدالة، مثل الشعب الفلسطيني، وما من شعب بذل تضحيات غالية كالشعب الفلسطيني دفاعا عن استقلالية قراره الوطني، وهذا ما يجب أن نحافظ عليه، عندما نقود سفينة كفاحنا في بحر متلاطم بالصراعات، والخيانات، والانتهازية، والتناقضات، ودون أن نفقد قدرتنا على رؤية الخير والخيّرين، في هذا العالم الفسيح.

أزمة الكهرباء

تجتاح أزمة الكهرباء الضفة الغربية، كما اجتاحت، بصورة أبشع بما لا يقاس، قطاع غزة، وخلاصتها واضحة، إسرائيل، تتحكم بمصادر الطاقة والكهرباء، وقد حولت معظم الشركات المحلية إلى مجرد موزع للكهرباء التي تُنتج في إسرائيل، وهي تستغل كل ذلك لإحكام قبضتها على اقتصادنا، الذي يستورد من إسرائيل ما لا يقل عن خمسة مليارات دولار سنويا، تمثل مصادر الطاقة أربعين في المئة منها.

وقد قصرت الشركات مع المواطنين الذين يدفعون من عرق جبينهم، ليس ثمن الكهرباء فقط، بل تكاليف الشركات التي توزعها، لأنها لم توضح بصورة منهجية، حقيقة الأزمة المتصاعدة وأسبابها، ومن واجبها أن تصحح ذلك.

المخرج الفعال من هذا الوضع، هو إيجاد مصادر طاقة بديلة تدريجيا، وتوسيع استخدام الطاقة الشمسية، والعمل الجاد، والإصرار على إيجاد مصادر طاقة بديلة، تحررنا من عبودية واستغلال الاحتلال.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية