لم يسبق لي أن علمت أو سمعت في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية الحديث أنها سمحت لدولة أن تقصف قواعد لها، بعد أن أخلتها، لحفظ ماء وجهها، سوى ما فعلته مع إيران فجر الأربعاء الماضي.

أميركا التي هزمت الرايخ الألماني العظيم، ودمَّرت الإمبراطورية اليابانية العتيدة، وأسقطت الاتحاد السوفياتي الجبَّار، تعقد تلك الصفقة مع إيران، التي لا تملك عُشر قوتها العسكرية... لماذا؟!

Ad

لأنهم شركاء مختلفون على بعض تفاصيل شراكتهما، وليسوا خصوماً متناحرين، فقبل شهور قليلة كانت الطائرات الأميركية توفِّر الغطاء الجوي وتمهد الأرض لتقدم ميليشيات قاسم سليماني المختلفة لتصفية السُّنة العرب وتهجيرهم تحت ما سُمي بالحرب على "داعش"، تلك المجموعة السُّنيَّة المكوَّنة من العملاء والأغبياء والمغفلين الذين لم يستوعبوا المشهد بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١.

لطالما كان حلم إسرائيل أن يكون حُكم جيرانها من الأقليات المشابهة لوضعها، سواء كانت عرقية أو طائفية أو ملكيات استبدادية أو عسكرية، حتى لا تتمكَّن الأغلبية العربية السُّنيَّة من حُكم نفسها وتشكِّل تهديداً حقيقياً للدولة العبرية، وهذا ما آمنت به أيضاً واشنطن بعد تفجير البرجين بداية القرن الحالي، وللانتقام أيضاً من السُّنَّة، وكذلك لابتزاز الدول الخليجية الغنية واستنزافها.

ولم يكن هناك وجهة أفضل من طهران لتنفيذ ذلك، بمشروعها الفارسي الجنوني المتلبس لشعارات دينية. ولو حسبنا عدد ما قتلته حركات ما يُسمى بالمقاومة المدعومة إيرانياً من الإسرائيليين، فإن كامل مجموعه لا يساوي حصيلة يوم واحد مما تقتله الميليشيات الشيعية العراقية والإيرانية والأفغانية والعلويون في سورية وغرب العراق.

الإيرانيون نجحوا نجاحاً باهراً في تمزيق المشرق العربي بالنعرات الطائفية، وتعزيز حُكم الأقليات حول إسرائيل، وشطر الصف الفلسطيني، لكنهم يسعون للسلاح النووي، حتى لا يكون مصيرهم كمصير الأفغان العرب بعد انتهاء مهمتهم هناك، فالسلاح النووي سيكون ضمانتهم بعد أن يُكملوا مهمتهم في إضعاف وتلاشي وجود أي قوة سُنيَّة موحدة بالقرب من حدود إسرائيل، حتى لا تنقلب عليهم أميركا وإسرائيل والأوروبيون خاصة وهم يخافون من خلق غول من إيران لا يمكنهم السيطرة عليه فيما بعد.

العرب جميعاً، وخصوصاً الخليجيين، يعلمون اللعب والمصالح المتبادلة بين واشنطن وطهران، وحدود اللعب التي يرسمها الأميركي والإسرائيلي للإيراني، الذي يلعب معهم لعبة القط والفأر، ويحاول تخطي تلك الخطوط، لكننا كعرب مختلفون ومشتتون وبدون مشروع يجمعنا، ونرى إخواننا يقتلون من لبنان حتى العراق دون أن نحرِّك ساكناً، لا نستطيع فعل شيء مضاد، وسنظل متفرجين على مسرحيات غبية وسخيفة بين الولايات المتحدة وإيران، ستدفع أثمانها شعوبنا، إن عاجلاً أو آجلاً.