لا يختلف عاقلان على أن استقرار المنطقة وسلاسة العلاقات القائمة بين دولها سينعكسان إيجابياً على المنطقة، وسيؤديان بالمحصلة إلى ازدهار دولها ورفاه شعوبها.

لكن الوقائع والتاريخ القريب بل والراهن تؤكد أن إيران (الفارسية النفس) بفكرها الثوري التوسعي، هي التي ألهبت المنطقة، ووضعتها على صفيح ساخن ولا تزال، فمنذ قيام ما يسمى بالثورة الإيرانية عام 1978 وطهران ترفع شعار تصدير الثورة، وأنشأت قوة مسلحة خاصة حملت اسماً استفزازياً وهو "الحرس الثوري"، ومنذ ذلك الحين وإيران تتكلم بلغة الصلف والتكبر التوسعي بنفس فارسي طائفي كريه، ولم تكتفِ بذلك بل قامت- بصورة عملية- بالعديد من الممارسات الاستفزازية التي تقترب من الأعمال العدوانية، كإصرارها على احتلال الجزر الإماراتية، ثم تدخلها السافر التحريضي ضد أنظمة دول الخليج، وتأجيجها للتطرف البغيض وتغذيته بشتى الطرق.

Ad

وتمادت إيران بعد أن أعطاها الأميركيون الضوء الأخضر ومعهم الأوروبيون، في تصرفاتها حتى احتلت العراق فعلياً، وقامت بالتغيير الديمغرافي فيه، إضافة إلى وجودها البشري والعسكري الفعلي، وإقامة نظام موالٍ لها فيه بجذور فارسية، ومحاربة الشيعة العرب ومحاصرتهم وتقليم أظافرهم، فضلاً عن نزعتها الطائفية البغيضة في مواجهة السُّنة من أهل العراق.

وتطاولت بعد ذلك بالتوغل العسكري الغاشم في سورية، وتحريك قوى حليفة لها (حزب الله اللبناني) ميدانياً في سورية، وقيامها بكل صنوف التصفية العرقية والقتل والتنكيل بأهل سورية، ولَم تكتف بذلك بل شلّت الحياة في لبنان، وعطّلت مرافقه وسبل حياته السوية المستقرة فكانت وبالاً عليهم، وأخيراً عبثها المقيت في اليمن، وتدخلها المباشر عسكرياً ومالياً في تحريض الحوثيين ودعمهم.

فإيران باختصار دمّرت بعض أهم العواصم العربية، ومارست كل صنوف التدمير والتخريب والقتل، وقد كان قاسم سليماني هو مَن يتولى التخطيط والتكتيك لتلك الأعمال التخريبية والتدميرية، ولا مصداقية لمَن يحاول أن يصفه ببطل القضاء على تنظيم "داعش"، الذي هو- كما سبق أن وصفناه في مقالات عديدة- صنيعة أميركية وصهيونية وإيرانية، وبناءً على ذلك فليس سليماني مَن قضى عليه، بل هو مَن صنع "بعبع داعش" لتشويه الإسلام السّني، أي الثالوث المذكور هو من قرر أن ينهي مهمته، وإيران كانت طرفاً للتنسيق مع الأميركان والصهاينة في هذا الملف التآمري المخيف.

إن التصعيد الأخير بمقتل سليماني هو نتيجة طبيعية لحالة الاستفزاز المستمرة التي تسلكها إيران، التي لم ترغب في التعقل والحفاظ على حسن الجوار، واستمرت في بث استفزازاتها الثورية وممارساتها التوسعية.

وليس أمام إيران اليوم إلا أن تبرهن عملياً على تخليها عن نهجها الاستفزازي والتوسعي لترك العراق وشأنه، والانسحاب من سورية، ووقف تحريضها وتدخلها العسكري واللوجستي في اليمن، والانتقال إلى تجسير علاقات حسن الجوار مع دول الخليج العربية، إن كانت ترغب في استقرار المنطقة، وإسدال الستار على حالة التوتر المرهقة التي تعيشها المنطقة.