يشهد التعاون العسكري والجيوسياسي بين الصين وروسيا ازدهاراً ملحوظاً حتى الآن! هذا الوضع يثير قلق واشنطن.

لكن إذا قيّمنا حقيقة الوضع استناداً إلى قطاع الأسلحة، يسهل أن نتوقع تصدّع أطراف الروابط الوثيقة بين القوتين الآسيويتَين قريباً.

Ad

اليوم، لا تزال روسيا أهم جهة تزوّد الأسلحة للصين، لكنّ هذا الوضع لا يمنع الصين من سرقة التكنولوجيا العسكرية الروسية، مثلما تسرق التقنيات الغربية أيضاً وفق ادعاءات واسعة النطاق.

حتى الآن، تبدو روسيا مستعدة للإغفال عما يحصل، ومن المعروف أن اقتصاد موسكو ضعيف ونظامها السياسي بأمسّ الحاجة إلى عائدات مبيعات الأسلحة، لكن لا تملك روسيا أي خيار بديل حقيقي، فتدعم المبيعات العسكرية الثقل الجيوسياسي الروسي.

في الوقت الراهن، يجب أن نعرف جواب السؤال التالي: إلى متى تتخذ روسيا مواقف متساهلة وتتجاهل سرقات الصين للتكنولوجيا العسكرية؟

في هذا الإطار، وفي سياق استراتيجي أوسع، ينطبق هذا السؤال أيضاً على عدد من التحالفات الانتهازية الأخرى، منها العلاقة القائمة بين روسيا وتركيا وإيران.

تهدف هذه العلاقات في الأساس إلى مجابهة الولايات المتحدة وترتكز كلها على مصالح قصيرة الأمد، ففي المقام الأول، هي تعكس رغبة في إعطاء طابع مؤسسي للعالم متعدد الأقطاب حيث يُقابَل النفوذ الأميركي بقوى أخرى لضمان توازن الوضع.

تتبنى تلك التحالفات مقاربات براغماتية، وقد نجحت حتى الآن عبر التركيز على مصالح وشيكة، تزامناً مع تجاوز الاختلافات الواضحة بحذر، لكن تظهر تلك الاختلافات من وقتٍ لآخر.

في الفترة الأخيرة، تكلمت تقارير إعلامية بارزة عن سرقة الملكية الفكرية المزعومة من الجانب الصيني، فضلاً عن تناقض السياسات التركية والروسية والإيرانية في سورية وليبيا.

الصين تعامل روسيا مثل الولايات المتحدة

قبل أيام أطلقت شركة "روستيخ" الروسية التي توفر الأنظمة الدفاعية للدولة موقفاً علنياً نادراً يشير إلى تصدع العلاقة بين روسيا والصين، فكان تصريحها يتماشى مع الادعاءات الأميركية القديمة عن سرقة التكنولوجيا ويتّهم الصين بنسخ المعدات العسكرية والأسلحة الروسية بطريقة غير قانونية.

أعلن يفغيني ليفادني، رئيس قسم مشاريع الملكية الفكرية في الشركة: "يطرح نَسْخ معداتنا بلا إذن في الخارج مشكلة هائلة. سُجّلت 500 حالة مماثلة في آخر 17 سنة، حيث أقدمت الصين وحدها على نسخ محركات الطائرات، وطائرات "سوخوي"، وطائرات الشحن، وأنظمة الدفاع الجوي، وصواريخ الدفاع الجوي المحمولة، ونظائر الأنظمة المتوسطة المدى أرض– جو "بانتسير".

يبدو أن ليفادني كان يشير إلى سرقة الملكية الفكرية المزعومة من الجانب الصيني، بعدما باعت روسيا ستة أنظمة مضادة للطائرات "إس-400" و24 طائرة مقاتلة "سو-35" مقابل 5 مليارات دولار للصين في عام 2015.

يُقال إن الصين استفادت من التكنولوجيا الروسية حين أصدرت، في 2017، خامس جيل لها من مقاتلات "تشنغدو جي-20" التي تتفوق على مقاتلات "سو-57" من الناحية التقنية.

كذلك، يُشتبه في أن الصين استوحت من الطائرات المقاتلة "سو-27" وأنظمة الصواريخ الروسية "إس-300" التي اشترتها في التسعينيات لتصنيع طائراتها المقاتلة "جيه-11" وصواريخ أرض-جو "إتش كيو-9".

لكن من المستبعد أن تكون سرقة التكنولوجيا من الجانب الصيني كافية لإقناع روسيا بالتخلي عن المنافع الاستراتيجية لتعاونها الجيوسياسي مع الصين في أي وقت قريب.

روسيا بحاجة إلى فرض نفسها

في ظل مساعي قطاع الدفاع الصيني لتحسين إمكاناته التكنولوجية، يجب أن تحافظ روسيا على أهميتها بالنسبة إلى التطور العسكري في الجمهورية الشعبية لأسباب اقتصادية، وتحاول في الوقت نفسه الحفاظ على توازن استراتيجي في تحالف مبني على تحقيق مصالح مشتركة قصيرة الأمد تزامناً مع تبديد نقاط الخلاف القائمة.

فيما يخص الأسلحة، تفضّل روسيا أن تزيد الضغط على الصين كي تلتزم بتطوير مشترك للأسلحة، في حين تسعى إلى الاحتفاظ بدرجة من التفوق التكنولوجي لنفسها.

اتضحت هذه الاستراتيجية حديثاً، حين حاولت روسيا التشديد على تفوقها التكنولوجي عبر الإعلان عن جهوزية مركبة الانزلاق الجديدة والعابرة للقارات "أفانغارد" التي تستطيع أن تُحلّق بإيقاع أسرع من الصوت بـ27 مرة.

بفضل "أفانغارد"، أصبحت روسيا أول بلد يمتلك أسلحة أسرع من الصوت، وتم إطلاقه فوق صاروخ بالستي عابر للقارات، لكن على عكس أي رأس حربي صاروخي عادي يتبع مساراً متوقعاً بعد انفصاله عن قاعدته، يستطيع الابتكار الجديد أن يقوم بمناورات مكثفة في الغلاف الجوي وهو في طريقه نحو الهدف، مما يُصعّب اعتراضه.

على المستوى الجيوسياسي، قد يعطي صاروخ "أفانغارد" تفوقاً لروسيا منذ البداية، لكنه يبقى في أفضل الأحوال مجرّد حل ظاهري لتغطية هشاشة التحالف الصيني الروسي، وحتى تحالفات تركيا مع روسيا وإيران.

تتضح هشاشة تلك التحالفات في المحاولات التركية والروسية تجديد توازن مصالحهما المتضاربة في سورية وليبيا، فقد انتقدت تركيا استمرار الهجوم السوري الروسي على إدلب، آخر معقل للثوار السوريين، ودعت إلى وقف إطلاق النار فوراً.

تختلف تركيا وروسيا أيضاً حول التدخل الروسي في أوكرانيا، وطريقة استعمال احتياطيات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، والصراع بين أذربيجان وأرمينيا في القوقاز على إقليم "ناغورنو كارباخ"، كما أنهما تتنافسان على النفوذ في البلقان وآسيا الوسطى.

لا شك أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتصوران على التوالي عالماً تركياً وروسياً يخدم نطاق نفوذهما، إذ لا تكون هذه القوى محكومة بالتصادم يوماً، بل إن التصادم قد بدأ أصلاً!

* جيمس دورسي