ما علاقة الإمام الحسين، عليه السلام، بقاسم سليماني؟ وما صلة ترامب بالسيد عيسى المسيح عليه السلام؟

جمهور عريض من أنصار سليماني وترامب استخدموا الرموز الدينية لإضفاء شيء من القداسة على تصرفاتهما وسياساتهما وكأنهما مرسلان من فوق!

Ad

ما زال "أفيون الشعوب" يستخدم كأداة للتحريض في الحروب والعداوات عندما يشتد الصراع وتسقط الدماء!

البعض عمد إلى تصوير سليماني بصورة فذة وكأنه المهدي المنتظر، وأعطوه نعوتاً وصفاتٍ ليست في بني البشر بل أقرب إلى الملائكة!

والبعض الآخر أضفى على "مستر" ترامب هالة من التمجيد، وضمه إلى صدر السيد المسيح في مشهد يوحي وكأنه من القديسين!

إسقاط الرموز الدينية على أرض المعركة الدائرة في الساحة العراقية غطى على الأسلحة الحقيقية التي استخدمها الأميركيون في اصطياد قاسم سليماني، فلم يعد لطائرات "الدرون" المتطورة ولا الصواريخ القاتلة أي معنى أو دور طالما جرى استحضار الإمام الحسين والسيد المسيح!

ويبدو أن الخطاب الديني المغيب للعقل وللمنطق يجد له مناصرين حتى في التجمع الأميركي، فصحيفة "صوت الرب" نشرت صورة لترامب من داخل كنيسة وسط مجموعة من المصلين بعد يومين من عملية الاغتيال، يقول فيها إن "الله معنا" وترد عليه الصحيفة "قضيتك مرفوضة"!

أساتذة علم الاجتماع يردون الظاهرة إلى أن الأنظمة الدينية والشعوب التابعة لها عندما ينكشف عجزها عن المواجهة تلجأ إلى الماورائيات والأساطير، وهذا ما حصل بشأن سليماني؛ لذلك تراها تستقوي "بالرمز الإلهي" للتعويض عن ذلك النقص الذي يعتريها.

استعادة "الرموز الملهمة" لم تقتصر على الجمهور المؤيد لإيران أو أميركا بل وصل إلى إسطنبول، فقد أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الأذهان قصة أول قائد للأسطول البحري العثماني وأحد "الأبطال" الذين ساهموا بمجد الإمبراطورية العثمانية، وهو أمير البحارة ويدعى "خير الدين بربروس" بمناسبة إرسال جنود أتراك والزج بهم في ساحات ليبيا!

والقارئ لسيرة بربروس كما روجها الإعلام التركي يقف على خلفية الخطاب الديني والمفردات العنصرية والمذهبية المستخدمة!

التماثل باللجوء إلى القديسين والرموز الإلهية في الأزمات الكبرى، لم يعد حكراً على طائفة أو مذهب، بل بات ملح السلطات المتحضرة والمتخلفة على حد سواء، وإن كان التعميم في مثل تلك الحالات غير مفيد وغير مقبول.

لندع حالة البكاء وإطلاق الشهادات على جانب، ولنترك حالة الشماتة والشتائم في قاع البحر، ولنذهب إلى حديث الحروب بالوكالة، والاستنزاف الدائم للثروات، والتدمير المستمر للدول العربية والخلط الحاصل بين مصالح الشعوب وحروب الآخرين في منطقتنا العربية.

أما آن الوقت للصحوة والمراجعة؟ اقرؤوا جيدا موقعنا على خريطة العالم، وأين أصبح العرب في موازين الأمم التي تسعى جاهدة إلى تحسين مستوى شعوبها واستقرارها، ثم احكموا بعدها على الحال الذي وصلتم إليه؟

لم أعتد بكلامي على هذا الأسلوب، لكنني أشعر باليأس والإحباط على الوضع الذي بتنا أسرى له، من ارتهان للخارج وتدمير للداخل!