للتو فقط جف حبر حكم القصاص العادل لقتلة المرحوم محمد الميموني الذي قضى مظلوماً تحت التعذيب الشديد قبل عشرة أعوام، لتهتز الكويت مجدداً بحادثة وفاة الشاب أحمد الظفيري في ظروف غامضة، وننتظر جميعاً نتائج التحقيق الجدي والمستقل في كشف حيثياتها وأسبابها ودوافعها، خاصة أن المغدور من ذوي الاحتياجات الخاصة، واتهم بالتعاطي وترك ليعاني سكرات الموت وحيداً دون عناية، وأخفي حتى خبر وفاته عن أهله، وعليه آثار التعرض للعنف، وهي بحد ذاتها جرائم يعاقب عليها القانون.

لا نريد استباق الأحداث والقفز إلى أي استنتاجات دون دليل رعاية للحقوق ومبادئ العدالة، ولكن هذا لا يعني السكوت عن أساليب القمع والتعذيب التي يمارسها البعض في الأجهزة الأمنية إما دون حسيب أو رقيب أو أحياناً بتعليمات، الأمر الذي يزيد الطين بلة في ما وصلنا إليه من مآس وتخلف وفساد وتخبط في كل النواحي، إلا أن أمن الأرواح والإنسانية في التعامل يجب أن يكون الخط الأحمر لكل مواطن أو مقيم على هذه الأرض.

Ad

وفي الوقت الذي لا يجوز الانتقاص من شأن أجهزتنا الأمنية التي نعدها صمام الأمان في هذا البلد، وبعيداً عن التعميم الظالم على منتسبي هذه المؤسسات، فإن من الواضح وجود اختراقات جسيمة وممارسات قبيحة تستحق المواجهة والوقوف لها بالمرصاد، إما بتصحيح مسار هذا الاعوجاج ميدانياً أو من خلال الإصلاح التشريعي، فلا يعقل في ظل دولة القانون والمؤسسات أن يتعرض الإنسان للموت أثناء التحقيق مهما كان شكله وطبيعته، ولا يجوز استخدام العنف والبطش غير المبرر والوحشية مع بني البشر العزل وفي أماكن الحجز بلا معين.

فالإفراط في استخدام القوة لم يعد سراً في بعض أجهزتنا الأمنية، فقد شاهد كل أهل الكويت طريقة التعامل مع الدكتور عبيد الوسمي أمام عدسة الكاميرات، وما حدث للمعتصمين في ساحة الإرادة وما حل بالبدون المسالمين وهم يحملون أعلام الكويت وصور سمو الأمير، وما تتداوله التقارير والروايات الشخصية عن زنزانات التحقيق بمختلف القضايا خاصة السياسية منها، أما الحالات التي أدت إلى الوفاة تحت التعذيب أو عاهات مستدامة التي تمت طمطمتها أو تحريفها وتزوير التقارير الطبية بشأنها فلا يعلمها إلا الله.

وهذا الشكل من استباحة حرمات الناس وسلب آدميتهم في محاولة لفرض ما يعرف الأمن بالقوة المفرطة وخلق الشعور العام بالخوف لم يكن ليأتي إلا بعد أن غاب الكثير من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية عن دوره الرقابي، والأهم من ذلك الحالة اليائسة لمجلس الأمة الذي يعتبر شريكاً في مثل هذه الجرائم والتعديات ليس بسبب صمت القبور عن أذية عيال الناس، ولكن باعتباره من شرّع الكثير من القوانين الجائرة المقيدة للحريات والحقوق، وصار يطبّل للممارسات القمعية بلا خجل ولا حياء!