أعلنت المدعية الجنائية الدولية فاتو بنسودا انتهاءها من الفحص التمهيدي لمزاعم حدوث جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأنها قد تنتقل للتحقيق دون الحاجة إلى أخذ إذن من الدائرة التمهيدية للمحكمة، حيث إنه قد تيقن لديها توافر أسس مقنعة بوجود انتهاكات وجرائم حرب. بالطبع لن تنتهي المسألة عند هذا الحد، فمازالت السكة طويلة، وستواجهها مصاعب كثيرة، لكن مجرد تصريح من هذا النوع ينقل الحالة الجنائية الدولية إلى محطة متقدمة في اتجاه إدانة إسرائيل.

لكن ما هي المحكمة الجنائية الدولية؟ تأسست المحكمة في سنة 2002، استناداً إلى اتفاقية روما لسنة 1998، ودخلت حيز النفاذ سنة 2002، كثمرة جهود لمنظمات دولية ودعم بعض الدول، وتستهدف معاقبة مجرمي الحرب أينما كانوا. وكانت تلك الجهود قد أنتجت منذ بدء التسعينيات محاكم جنائية دولية خاصة للبوسنة والهرسك، ورواندا وسيراليون، وانتهت أعمال تلك المحاكم الخاصة بإدانة الكثيرين، فمثلاً جل المتهمين في جرائم البوسنة والهرسك، وأغلبهم من الصرب، يقضون مدداً طويلة في السجن كتاديتش، أو ماتوا بالسجن كرئيس صربيا الأسبق مولوسوفيتش. كما انتهت محكمة سيراليون بالحكم على تشارلز تايلور بالسجن مدة خمسين عاماً، ويقضيها في سجن بأسكتلندا، وقد تسنى لي حضور تلك المحاكمة التاريخية.

Ad

المحكمة الجنائية الدولية تختلف كلياً عن محكمة العدل الدولية، حيث يحدث دائماً التباس بين الاثنتين. فالعدل الدولية هي إحدى أجهزة الأمم المتحدة، أما الجنائية الدولية فقد أنشأتها اتفاقية روما لسنة 1998، وأقرتها الأمم المتحدة بأغلبية 130 دولة وامتناع 21 دولة واعتراض 7 دول، هي أميركا وإسرائيل والصين والعراق وقطر وليبيا واليمن، ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ سنة 2002، وصادقت عليها حتى 2015، 123 دولة، ووقعت عليها 34 دولة، لما تصادق عليها بعد، وبينها أميركا وإسرائيل، وغالبية الدول العربية، واللافت أن دولتين، هما إسرائيل وأميركا، سحبتا توقيعهما. كما أن الملاحظ أيضاً أن الولايات المتحدة تناصب المحكمة الجنائية الدولية العداء منذ البداية، وبذلت جهوداً كبيرة لإضعاف اتفاقية روما، حيث كنت قد حضرت جزءاً من تلك الاجتماعات، وعندما تحقق لها تخفيف بنود اتفاقية روما، مقابل توقيعها، فاجأت المجتمع الدولي بسحب توقيعها، وتوقيع اتفاقيات ثنائية مع الدول لمنع تطبيقها عليها.

اختصاص المحكمة هي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك، ولأول مرة، جريمة الاغتصاب، وجريمة العدوان. وقد حققت المحكمة حتى الآن في قضايا بأوغندا والكونغو وإفريقيا الوسطى ودارفور.

هناك العديد من نقاط الضعف في اتفاقية روما وبنودها التي قد تعوق حركة المحكمة، لكنها صارت الهيئة الأولى الدائمة المخولة، ولها ولاية دولية على كل تلك الجرائم. فماذا عن التطور الجديد الخاص بفلسطين؟ وهل ستنجح المحكمة في اختراق التهاون والتواطؤ الدولي الجاري بأرض فلسطين؟ وللحديث بقية.