ما رأيناه فجر الجمعة الماضية في البلدة القديمة في الخليل، يظهر صورة رائعة لنهوض شعبي ضد مخططات الاستيطان والتهويد التي يسعى إلى تنفيذها نفتالي بينيت وحكام إسرائيل.

عشرات الآلاف يتدفقون مع صلاة الفجر، وفي الصلوات الأخرى، ليملؤوا ردهات وباحات الحرم الإبراهيمي الشريف، ولينتشروا في كل الساحات والشوارع المحيطة بالحرم بما في ذلك الشوارع المغلقة والأحياء المهددة من قبل المستوطنين.

Ad

وتكرر هذه الصورة مأثرة أهل القدس عندما تصدوا بعشرات الآلاف لخطط نتنياهو فرض البوابات الإلكترونية على أبواب الأقصى، وأجبروه بعد هبة استمرت ثلاثة أسابيع على التراجع، بعد أن ارتعب وأدرك أن محيط المسجد الأقصى تحول إلى "ميدان تحرير" جديد.

ولم يقتصر المشهد الذي عشناه يوم الجمعة، وهو يتكرر يومياً مع أداء صلاة الفجر في الحرم، على الصلاة، بل شمل أيضاً مظاهر لافتة للتضامن والتكافل الشعبي، في شوارع البلدة القديمة، من تقديم الطعام والشراب والحلويات للمشاركين في الصلاة، إلى فرق الإسعاف والطوارئ التي تقدم العلاج لمن يحتاج، إلى من يقدمون وسائل المواصلات مجاناً.

وكل ذلك ذكرنا بأيام الانتفاضة الشعبية الأولى، وبروح التضامن والتكافل التي عشناها في كل قرية، ومدينة، ومخيم.

ولعل ذلك يؤكد ما كتبه صحافي إسرائيلي في صحيفة هآرتس، حول الفشل الأكيد لمحاولات نفتالي بينيت تهويد مدينة الخليل، قائلاً إنها معركة خاسرة، فما الذي يستطيع مئات المستوطنين فعله وسط ثمانمئة ألف فلسطيني مصرين على الصمود والمقاومة في محافظة الخليل.

يوم الجمعة الماضي اكتمل بصدور قرار المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية بنسودا، بأن كل الشروط القانونية قد اكتملت لفتح تحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبت في فلسطين، ورغم أن هذا القرار تأخر كثيراً، ورغم أن البدء بالتحقيق مازال يتطلب قرار الدائرة التمهيدية في المحكمة بانطباق صلاحياتها على فلسطين، فإن من الواضح أن نتنياهو، وباقي حكام إسرائيل وقادة جيشها، وضباطه، وجنوده يقتربون من يوم الحساب على جرائمهم البشعة ضد أبناء شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية، وعلى ما ارتكبوه ويرتكبونه من ممارسات تجاه الأسرى، وعلى ما يصعدون ممارسته من جريمة الاستيطان الاستعماري المخالفة للقانون الدولي.

لم يخطئ نتنياهو عندما قال "إن هذا يوم أسود لإسرائيل"، وهو يوم أسود له شخصياً أيضاً، وهو يهوي بين مطرقة اتهامات الفساد وسندان الاتهام بارتكاب جرائم حرب دولية، وهو أخطر كثيراً حتى من الاتهامات الموجهة له بالفساد.

ما ضاع حق وراءه مطالب، ولا يمكن للعدالة أن تواصل الغياب عن شعب مصمم على الصمود، والمقاومة، والتمسك بحقوقه الإنسانية والوطنية.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية