يثار في لبنان في كل مرة تحدث فيها أزمة كبيرة أو عند كل منعطف سياسي موضوع تعديل اتفاق الطائف الذي جرى عام 1989، وأدخل في صلب الدستور، منهياً حقبة الحرب الأهلية اللبنانية.

واتفاق الطائف هو الاسم الذي تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي أعدت بين الأطراف المحلية المتنازعة خلال الحرب الأهلية (1975- 1990) والتي تم توقيعها في سبتمبر 1989 في مدينة الطائف السعودية وتم إقرارها بقانون بتاريخ 22 أكتوبر من العام ذاته وتحولت إلى الدستور اللبناني. وظهرت في الآونة الاخيرة مطالبات بشكل مباشر وغير مباشر من العديد من الشخصيات السياسية بتعديل الدستور باعتبار أن لبنان دخل مرحلة جديدة، وأن مرحلة دستور الطائف أدت إلى الوصول بالبلاد الى الوضع الحالي من فشل في إدارة الدولة وسير عمل المؤسسات بشكل طبيعي، وقد ذهب البعض إلى السعي لتغيير الدستور بالممارسة لتعذر الاتفاق على تغيير نصوصه.

Ad

ورأى النائب السابق طلال المرعبي، الذي شارك في لجنة كتابة الدستور في الطائف، في هذا السياق في تصريح لـ «كونا» أمس، أن «اتفاق الطائف جاء بعد احداث أليمة وهو لا يزال ساري المفعول ولا يحتاج الى تعديل بل الى تطبيقه كما ورد». ولفت الى «ان اعتراض المتظاهرين اليوم ليس على الدستور بل على الفساد في إدارة الدولة»، معتبرا انه «لو طبق دستور الطائف كما يجب لما وصلنا الى ما نحن عليه، خصوصا انه نص على إصلاحات حقيقية كإلغاء الطائفية السياسية». وأضاف أنه نص أيضا على انه «مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني غير طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية، إضافة الى النص على اللامركزية الإدارية».

ورأى المرعبي «أن تعديل الدستور في الوقت الراهن غير ممكن لأنه يحتاج الى ظروف ملائمة والمطلوب استكمال تطبيق البنود التي وردت في اتفاق الطائف».

من جهته، قال الخبير الدستوري النائب السابق صلاح حنين، في تصريح لـ «كونا»، إنه «كلما وصلت الأمور في لبنان الى المأزق يثار الحديث عن تعديل الدستور علما بأن أي تعديل للدستور يحتاج الى مرحلة استقرار وهدوء».

ولفت حنين الى «ان الدستور عادة تتم صياغته بشكل جيد ليصار الى تطبيقه ومن ثم مراقبة التطبيق لاكتشاف الثغرات ومعالجتها، بينما اتفاق الطائف طبق بشكل مجتزأ ولم يطبق بشكل سليم، وبالتالي من غير الجائز المطالبة بتعديل دستور لم يتم تطبيقه كما يجب». وأوضح «ان المشكلة المثارة اليوم والتي تتكرر عند كل ازمة تعود الى ان كل طرف سياسي يريد استخدام الدستور كسلاح او أداة لخدمة مصالحه، ولهذا فإن الدستور الذي يراد منه ان يكون أداة في يد طرف في مواجهة طرف اخر لا يمكن ان يفي بالغرض الذي وجد لاجله، بل يجب ان يكون الدستور فوق الجميع يتم الاحتكام اليه من قبل الجميع ليؤدي غرضه».

وأشار حنين «الى الواقع القائم اذ تتبدل نظرة الفريق السياسي الواحد لبعض النصوص الدستورية بتبدل مصالحه»، مشددا على انه متى ما انتفى دور الدستور كمرجعية تعم الفوضى. بدوره، اعتبر الخبير في القانون الدولي والدستوري د. شفيق المصري، في تصريح مماثل لـ «كونا»، أن «المشكلة تكمن في التنفيذ الخاطئ للدستور وليس في نصه»، مشيرا الى عدم تطبيق اتفاق الطائف بحذافيره، وخصوصا في الإصلاحات الأساسية التي نص عليها.

ورأى «انه متى فتح باب تعديل الدستور فلن يغلق وسيفتح شهية الأحزاب السياسية على المطالبة بالتعديل بما يوافق مصالحها». وكان المتظاهرون رفعوا من جملة شعاراتهم المطالبة بدولة القانون وتطبيق البنود الإصلاحية في الدستور، معتبرين ان ذلك يشكل مدخلا نحو بناء دولة مدنية شاملة غير طائفية، وهم يحملون القوى السياسية مسؤولية التطبيق المجتزأ للدستور. يذكر أن من ابرز التعديلات الدستورية التي اتى بها اتفاق الطائف اعادة توزيع الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية حيث نقل السلطة التنفيذية من يد رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء.