في 6 من ديسمبر الجاري، فرضت الحكومة الأميركية عقوبات على 4 عراقيين لتورطهم في انتهاكات حقوق الإنسان وأعمال فساد بموجب الأمر التنفيذي رقم 13818 الذي طبق «قانون ماغنتسكي العالمي لحقوق الإنسان والمساءلة» وفرض حظرًا على ممتلكات الأفراد المتورطين بهذه الانتهاكات، وهي المرة الثانية في عام 2019 التي يتمّ فيها تطبيق قانون «ماغنتسكي» لاستهداف عراقيين من مرتكبي الانتهاكات الخطيرة ولن تكون الأخيرة.

ولتصنيفات قانون «ماغنتسكي» التداعيات التالية على الأفراد المستهدفين:

Ad

• وضعهم على اللائحة السوداء للمصارف؛ فعندما يتمّ إدراج أفراد على قائمة «الرعايا الخاضعين لإدراج خاص» الصادرة عن «مكتب مراقبة الأصول الأجنبية» التابع لوزارة الخزانة الأميركية، يتمّ حجز أصولهم الأميركية، كما أن أسماءهم تضاف إلى أنظمة المسح الآلي المستخدمة الخاصة بالمصارف في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأجنبية، ما يصعب عليهم فتح الحسابات المصرفية أو امتلاكها أو تحويل الأموال أو إجراء معاملات خاصة بالملكية خارج العراق.

• عدم تعامل المستثمرين معهم؛ فغالبًا ما يتخلى المستثمرون عن الأفراد الخاضعين للعقوبات وشركاتهم، ما يؤدي إلى انهيار أعمالهم، كما أن هذا التصنيف يجعل في معظم الأحيان مشاركتهم في مشاريع اقتصادية مربحة (مثل الاستحصال على ترخيص لمصرف جديد) مستحيلة.

• قيود السفر... تمنع تصنيفات قانون «ماغنتسكي» الدخول إلى الولايات المتحدة، ويمكنها أن تعقّد إصدار تأشيرات دخول إلى البلدان الأخرى، وقد تتمكّن أنظمة المسح في الخطوط الجوية من التعرف عليهم.

• العزل عن الحكومة الأميركية... غالبًا ما يعطّل تصنيف مماثل السيرة السياسية للشخص المستهدف، بما أنه ما من شخص أو كيان أميركي– بما في ذلك المسؤولون الحكوميون ووكالات الإغاثة– سيلتقي عادةً بأشخاص مدرجين على قائمة «الرعايا الخاضعين لإدراج خاص».

علاوةً على ذلك، لم يتمّ تعيين أي عراقي مصنّف على قائمة «الرعايا الخاضعين لإدراج خاص» كوزير في الحكومة أو كمحافِظ بعد تسميته– وهذه نقطة مهمة بما أنها قد تمنع الجهات الفاعلة التي لديها طموحات سياسية أطول أمدًا من ارتكاب انتهاكات.

من المستهدفون؟

• قيس الخزعلي. أحد أبرز السياسيين الشيعة وزعيم جماعة «عصائب أهل الحق»، وقد قدّم الدعم الكامل لحملة القمع التي شُنت مؤخرا ضد المحتجين بمساعدة «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، كما قاد حملة التشهير العلنية التي طالت المحتجين لاعتبار التظاهرات مؤامرة مدعومة من الخارج ضد العراق.

• ليث الخزعلي. شقيق قيس وأحد أبرز رجال الميليشيات الذين يحرصون على تطبيق القوانين، ويخضع للعقوبات بسبب قمعه المحتجين ومشاركته في عملية تطهير طائفية بحق السنّة في محافظة ديالى.

• أبو زينب اللامي (اسمه الحقيقي حسين فالح اللامي)، وهو عنصر في منظمة «كتائب حزب الله» التي صنفتها الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب، ورئيس «مديرية الأمن المركزي» ضمن «قوات الحشد الشعبي»، كما قام بتنسيق عمليات القناصة ضد متظاهرين عزّل.

• خميس الخنجر، وهو عضو سنّي بارز في كتلة «البناء» ضمن البرلمان العراقي، خضع للعقوبات بسبب أعمال رشوة وفساد لدعم إيران. .

تسببت العقوبات السابقة التي فرضتها الولايات المتحدة على سياسيين وقادة ميليشيات عراقيين في إحداث صدمة في أوساط نخبة البلاد، التي غالبًا ما تخبئ الدخل الذي تجنيه من الأعمال الفاسدة لدى سلطات خارجية حيث يكون عرضة للعقوبات. وهذه كانت الحال عندما تمّ إدراج في 5 مايو 2018 الخبير المالي العراقي آراس حبيب ومصرفه «مصرف البلاد الإسلامي» على لائحة «الإرهابيين العالميين المصنفين بصورة خاصة» بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، بسبب دوره في تحويل الأموال من «فيلق القدس» التابع لـ»الحرس الثوري الإسلامي» إلى «حزب الله» اللبناني.

كما سادت حالة من الصدمة عند صدور الشريحة الأولى من العقوبات بموجب قانون «ماغنتسكي» في يوليو من هذا العام، لكن واشنطن لم تكن مستعدة لمواصلة فرض رزم لاحقة من العقوبات، ما قضى بالتالي على أي فرصة للاستفادة من الصدمة الأولى وممارسة ضغوط نفسية كبيرة على معتدين آخرين.

ومن هذا المنطلق، على المسؤولين الأميركيين دعم العقوبات المفروضة في 6 ديسمبر بسلسلة مطردة من الرزم الجديدة بموجب قانون «ماغنتسكي»، ربما من خلال فرض رزمة كل بضعة أشهر خلال السنة القادمة. تجدر الإشارة إلى أن هناك عدداً لا يستهان به من الشخصيات التي تستحق إدراجها ضمن العقوبات أو اتخاذ تدابير بحقها لاحقًا، فيجب أن تركز كل رزمة من العقوبات على هدف رئيسي واحد و3 أهداف من المستوى المتوسط أو الأدنى، بما في ذلك:

• سياسيون رفيعو الشأن... خلال رزمة العقوبات اللاحقة، يجب أن يتوقّع العراقيون بشكل صحيح فرض عقوبات على أحد رجال السياسة البارزين، ويعتبر المرشح الأبرز مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة «وحدات الحشد الشعبي» فالح الفياض الذي سهّل إطلاق النار على المحتجين والهجمات على محطات التلفزيون.

• قادة ميليشيات رئيسيون أمروا بقتل المحتجين، يجب أن يكون أبوتراب (اسمه الحقيقي ثامر محمد إسماعيل) هدفًا مهمًا آخر، فهو مقاتل منذ فترة طويلة في صفوف فصيل «بدر» المتحالف مع إيران، ويترأس حاليًا «فرقة الرد السريع» في وزارة الداخلية، وهو منصب يخوله إصدار الأوامر للجنود بإطلاق النار على المحتجين. وأيضًا من الأسماء التي يجب استهدافها أبو منتظر الحسيني، مستشار شؤون «وحدات الحشد الشعبي» في مكتب رئيس الوزراء، بسبب انخراطه في خلية الأزمة التي أمرت بعمليات القتل وبالهجمات على محطات التلفزيون.

• القتلة والجلادون المدعومون من إيران الذين ينفذون العمليات، وهم أهداف صغيرة شاركت في قتل المحتجين بمن فيهم مساعدا اللامي، أبو بكر (مدير مديرية الأمن المركزي لمنطقة الرصافة حيث تتمركز العديد من مواقع الاحتجاجات) وحجي غالب (رئيس قسم التحقيقات في مديرية الأمن المركزي). أما قادة الميليشيات الذين يجب استهدافهم فهم: حميد الجزائري، قائد الميليشيا المدعومة من إيران «سرايا طليعة الخراساني» (اللواء 18 ضمن «الحشد الشعبي») الذي نسق الهجمات على محطات التلفزيون؛ وأبو آلاء الولائي (اسمه الحقيقي هاشم بنيان السراجي)، قائد الميليشيا المدعومة من إيران «كتائب السيد الشهداء» (اللواء 14 ضمن «الحشد الشعبي») الذي أمّن مطلقي النار خلال عملية القمع.

في إطار عملية صقل تكتيكاتهم، على المسؤولين الأميركيين التنسيق بفعالية أكبر مع حلفائهم قبل إصدار كل شريحة عقوبات، ولا سيما بريطانيا؛ فالعراقيون الفاسدون يستخدمون المملكة المتحدة أكثر من أي دولة غربية أخرى لحماية ثرواتهم وشراء ممتلكات والحصول على الرعاية الطبية وتعليم أولادهم. غير أن التدابير البريطانية والأميركية بحق المخالفين العراقيين غير منسقة في الوقت الراهن؛ فمثلاً وفي وقت سابق من فصل الخريف هذا ساد اعتقاد كبير بأن أحمد الجبوري الذي تحدثنا عنه سابقًا زار لندن رغم أنه خاضع للعقوبات بموجب قانون «ماغنتسكي»؛ وهي حادثة أغضبت المسؤولين في البلدين.

هذا ويحرص «مكتب الشؤون الخارجية والكومنولث البريطاني» على اتخاذ تدابير إضافية في قضايا مكافحة الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان في العراق، ومن شأن دعم تحركات لندن على هذا الصعيد تخويف المنتهكين، وما تحتاج إليه بريطانيا هو إعلامها مسبقًا بأسماء الذين سيخضعون للعقوبات، ومشاركة محمية للأدلة، والوضوح في احتمال تعديل العقوبات المفروضة بموجب قانون «ماغنتسكي»، وشرح أساسي لكيفية اختيار الأهداف كي تصب في إطار حملة ردع أشمل.

وفي حال إشراك بريطانيا في هذه الجهود، فإنها تملك العديد من الأدوات التي من شأنها ترهيب المعتدين العراقيين. على سبيل المثال، في 10 ديسمبر، صادرت أصولا بقيمة 190 مليون جنيه إسترليني (بما فيها عقار فاخر بقيمة 50 مليون جنيه) من رجل أعمال باكستاني يملك العديد من العقارات كانت أصدرت «الوكالة البريطانية لمكافحة الجريمة» بحقه «أمر إثراء غير مبرر» وأخضعته لاستجواب لاحق بتهمة «امتلاك أموال غير مشروعة». وستتمّ إعادة الأموال المصادرة إلى باكستان، ولو تمّ إصدار حكم مماثل بحق أحد أبرز المعتدين في العراق، لكانت النخبة خافت، ولكان العديد من المواطنين ليُسروا إلى حدّ كبير عند استعادة الأموال المنهوبة.

أخيرًا، يمكن لفرض عقوبات إضافية مساعدة الولايات المتحدة على كشف ماكينة نفوذ إيران على سياسة العراق ومجتمعه. فقد عزز أصحاب النفوذ الإيرانيون أنشطتهم الآن في وقت يواجه فيه العراق تحدي اختيار رئيس وزراء جديد ليحل محل عادل عبد المهدي الذي قدّم استقالته. يُذكر أن فردين مدرجين على قائمة «الرعايا الخاضعين لإدراج خاص»– قائد فيلق القدس قاسم سليماني، والمسؤول في «حزب الله» عدنان حسين كوثراني، اللذين لعبا دورًا رئيسيًا في تشكيل حكومة عبد المهدي المتحالفة مع إيران، وقد عادا إلى بغداد اليوم لتكرار ما فعلاه.

وعليه، يجدر بالولايات المتحدة أن تتعاون مع المسؤولين العراقيين لكشف كل من يعقد اجتماعات مع سليماني وكوثراني، ويمكن لخطوة مماثلة أن تحدث تغييرات باتجاهين: من خلال بث القلق في صفوف العراقيين حيال الالتقاء علنًا بهاتين الشخصيتين، وربما إغراء البعض للسعي إلى الحصول على تأييد الشعب من خلال رفض هذه الاجتماعات. وقد يؤدي ذلك بدوره إلى قلب وضع قائم ببطء أصبح فيه من الطبيعي جدًا لـ«الحرس الثوري الإسلامي» و«حزب الله» التوسط لتشكيل الحكومات الجديدة في بغداد، وبما أن المواطنين العراقيين كانوا يحرقون قنصليات إيران ويعتدون على اللوحات التي تصوّر المرشد الأعلى علي خامنئي، فقد يكون الوقت مناسبًا لجعل أي مسؤول يلتقي بممثلي هاتين المنظمتين في هذا الوقت الحساس يتحمل ثمن تشويه سمعته علنًا.

مايكل نايتس*