كان الظهور الأخير لمصطفى على تطبيق «واتس آب» يوم الجمعة عند الساعة 21,18، بعد نحو ساعة من هجوم شنه مسلحون على مرآب في بغداد.

ومصطفى، الذي كان يحتل طوابق موقف السيارات ذاك مع متظاهرين آخرين منذ أسابيع، غاب غن السمع.

Ad

ولم يظهر هذا المتظاهر البالغ 20 عاماً خلال الأيام التي أعقبت ذلك، على موقع «واتس آب» للتواصل ولا سائر أمور الحياة اليومية.

وتعرض مرآب يسيطر عليها محتجون منذ أسابيع عند جسر السنك القريب من ساحة التحرير، مساء الجمعة إلى هجوم مسلح أسفر عن مقتل عشرين متظاهراً على الأقل وأربعة من عناصر الشرطة، وفقاً لمصادر أمنية وطبية.

كما أدى الهجوم الذي أثار سخطاً واسعاً في البلاد، إلى إصابة نحو مئة شخص بجروح، وفقاً للمصادر.

وقال الناشط يوسف الحربي، الذي كان يتواجد في المبنى عند وقوع الهجوم «ملأوا حافلتين للركاب، بأشخاص من السنك».

بدوره، قال المتظاهر عامر (26 عاماً)، إنه كان على مقربة من المكان عندما بدأ إطلاق النار يتكرر من داخل المبنى، لذلك اتصل بأصدقاء يعرفهم كانوا في الداخل.

وتابع أن أحدهم «مصطفى رد قائلاً +الأمور سيئة جداً، إنهم يطلقون علينا النار+، ثم أغلق الخط، بعدها أقفل هاتفه».

وأضاف هذا الشاب متحدثاً باسم مستعار لتعرضه لتهديدات، «اتصلنا بالجميع، من الحكومة والميليشات»، لمعرفة ما يحدث.

وأعلنت القوات الأمنية حينها عدم اعتقال أي متظاهر، كما أكدت فصائل مسلحة موالية لإيران، يتهمها المتظاهرون بالتورط في عمليات القتل التي وقعت الجمعة، بأنها لم تلعب أي دور في الهجوم.

اختفاء

سجاد البالغ من العمر 19 عاماً، كان من بين المتظاهرين المختطفين على متن إحدى الحافلات في تلك الليلة.

ولم تسمع عائلته أي خبر عنه، إلى أن ظهر مجدداً على مقربة من منزله صباح الثلاثاء، بعدما احتجزه رجال ملثمون على مدى ثلاثة أيام.

وقال رحيم، والد هذا المتظاهر رافضاً كشف اسمه الكامل خوفاً من التعرض للانتقام لوكالة فرانس برس «ساروا به ثلاثة أرباع الساعة، ثم سلموه إلى مجموعة أخرى»، مضيفاً «سألوا عن أسمائهم وأسماء أبائهم وعناوينهم».

ويشير وصف المكان الذي احتُجزوا فيه، بأنه يقع على أحد روافد نهر دجلة في منطقة تقع شمال شرقي بغداد، الأمر الذي يشابه ما تحدث عنه عراقيون آخرون تعرضوا للاختطاف.

وقال المدون العراقي شجاع الخفاجي، الذي احتجز في نفس المكان بعد اختطافه من منزله في أكتوبر، بأنه «مكان يطل على ديالى»، إشارة لاسم رافد يصب في نهر دجلة.

وقام رجال ملثمون يرتدون ملابس سوداء بسحب هواتف الخفاجي النقالة واستجوابه لوقت قصير، وبعد 24 ساعة ألقوا به في حي فقير من بغداد ومعه 20 دولاراً أجرة تاكسي ليعود بها إلى منزله.

لكن سجاد، أجبر على البقاء على مدى 72 ساعة حتى أطلق سراحه مع 30 محتجزاً آخرين عند منتصف الليل على طريق بأطراف بغداد.

وذكر والده أن سجاد لم يتعرض للضرب، لكن بعض من احتجزوا معه كان حظهم أقل.

وأعلنت مصادر أمنية في وقت لاحق من ذلك اليوم، العثور على ما لا يقل عن 35 شاباً من الذين أخذوا من السنك، وهم معصوبو الأعين ومقيدو الأيدي على ضفاف نهر دجلة.

وكشفت مشاهد تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، وتم التأكد من صحتها، عثور قوات الأمن على حوالي عشرين شاباً، وضعت ضمادات جروح على كثيرين منهم، محاطين بقوات الأمن، فيما تعالى صياح أحدهم وهو يبكي ويقول «ضربونا كثيراً».

اختطاف

تسجل حالات اختفاء شبه يومية، لمتظاهرين في بغداد ومدن جنوبية، منذ انطلاق الاحتجاجات في الأول من أكتوبر.

وفي أغلب هذه الحالات، يجري اختطافهم قرب منازلهم أو على طريق عودتهم من ساحات الاحتجاج، لتعيش عائلاتهم بعدها خوفاً مما هو أسوأ.

ففي الأسبوع الماضي، عثر على متظاهرة شابة يبلغ عمرها 19 عاماً جثة هامدة قرب منزلها في بغداد، وقتل ناشط مدني بارز بهجوم مسلح مساء الأحد في كربلاء (جنوب بغداد) على يد مسلح يستقل دراجة نارية.

كما وقعت حالات اختطاف متكررة، وعثر فجر السبت على العديد من المتظاهرين على ضفاف دجلة بعدما كانوا في طريق عودتهم من ساحة التحرير إلى منازلهم.

وتحدث شاهد عيان لفرانس برس عن شاحنتي «بيك أب» كانتا تقلان رجالاً ملثمين يطلقون النار في الهواء وتنقلان ستة متظاهرين كانوا يحاولون الهرب، واكتفى عناصر من الشرطة بالنظر لما يحدث.

ويعد الاختطاف بين الحوادث المتكررة في العراق، الذي شهد خلال الأعوام الماضية موجات عنف أدت إلى مقتل عشرات الآلاف غالبيتهم من المدنيين.

ويبدو أن حملة التخويف والخطف وقتل المتظاهرين تتصاعد في البلاد منذ انطلاق موجة احتجاجات لـ «إسقاط النظام» أسفرت عن مقتل أكثر من 450 شخصاً وإصابة أكثر من 20 ألفاً بجروح، حتى اليوم.

يقول حيدر الذي تعرض ابن عمه (23 عاماً) لاختطاف مؤخراً على مدى أيام في بغداد، إن الظروف في السابق كانت «تجعلك قادراً على معرفة من يأخذهم»، ويطلقون سراحهم مقابل المال كفدية.

وتابع لكن «الآن، لا نعرف على الإطلاق، الكل خائف جداً».