بقصد وتأكيد وضعت علامة التعجب بعد كلمة "قادماً" في عنوان المقال. فـ"فوّاز الهاجري" اسم لشاب أتوقع أن يكون له شأن كبير، وكبير جداً، على ساحة كتابة الرواية في الكويت والخليج وحتى على مستوى الوطن العربي والعالم، إن هو ثابر على القراءة والكتابة، وإن هو استفاد وأمعن النظر في نتائج تجربته الروائية الأولى "حديقة الفحيحيل العامة" الصادرة في الشارقة، عن دار "روايات- إحدى شركات مجموعة كلمات" بطبعتها الأولى 2020.

قليلة وقليلة جداً تلك الأسماء الشابة التي تقرأ لها عملها الأول وتشعر في أكثر من لحظة أنك أمام كاتب روائي حاذق، وقادر على قيادة النص ومعه القارئ إلى مزيد من الدهشة والمتعة معاً. فرواية "فوّاز" الأولى لا توحي بأي شكل من الأشكال أن صاحبها شاب يسير في درب الكتابة الروائية أول مرة. فهي مكتنزة بالعناصر الفنية الضرورية لأي رواية: الحكاية، والزمان، والمكان، والحدث، والشخصية، واللغة، والخيال، والحبكة، والرؤية الإنسانية.

Ad

"حديقة الفحيحيل العامة" وبقدر محلية عنوانها اللافت، فهي رواية جريئة ببعد إنساني كبير، خلافاً لروايات البدايات عند الشباب، فهي بعيدة عن الرومانسية، وقصص الحب المسطّحة، وهي بعيدة أيضاً عن اللغة ذات البعد الواحد، ففي أكثر من فقرة يقدم فوّاز الهاجري نفسه، بصوته ولغته وكأنه كاتب خبير بشأن المشهد الحياتي والمستويات المختلفة لقراءته، خاصة أن الرواية اختارت لنفسها موضوعا صعبا، وهي أن تأتي على لسان بطلها المصاب بمرض "التوحد" بمعيشته في بيت أهله أو دار الرعاية، وعلاقاته غير الطبيعية بمن حوله من بشر وبيئة وكل ما هو كائن سواء كان جماداً أو بشراً أو طيوراً أو أشجاراً، وكل هذا يأتي بلغة مكثّفة وموحية ودالة: "لم يكن من أمي حينها سوى أن تلحق بعينيّ الزائغتين في محاولة لاقتفاء أثر شبح الكلمة المعبرة التي أردت.

"ماذا يا حبيبي، ماذا تريد؟ ها يا ماما شوفني... حاول أن تنطق... تكلم!"

فتحت فمها، فصارت ملامحها مشدوهة مثلي، كانت تحاول أن تسحب الكلمة مني بسنارة غير مرئية رمت خطافها داخل بطني الممتلئ بالكلمات المعبرة لكنها لم تتمكن من ملامسة سطح ماء لغتي، بل مكثت بعيدة عن مفاتيح تعبيري المنثورة في قاع جوفي".

في خضم إصدارات روائية عربية كثيرة وكثيرة جداً، تكاد تصيب المشهد الروائي العربي بالتخمة، فإنه يصبح مفرِحاً جداً عثورك على رواية شبابية تستوقفك، وتخاطبك بثقة قائلة: ها أنا رواية شابة جديدة، ومتقنة، وقادرة بشكل فني على الوقوف كتفاً إلى كتف إلى جانب أي رواية لروائي عربي معروف.

تقصّيت عن الشاب كاتب الرواية، وحين وصلت إليه فرحت به أكثر، قال لي بصوت مرتبك: "أهلاً أستاذ طالب..." وحين سألته: "تعرفني؟" أجاب وشيء من ارتباك لم يزل بنبرته: "نعم، فأنا كويتي". لا أدري لماذا وددت لو أصل إليه في تلك اللحظة وأحتضنه، فأنا منذ سنوات دائم البحث عن موهبة كبيرة، عن كاتب أراهن عليه، وأقدّمه للساحة الإبداعية والثقافية العربية، وها أنا أعثر على فوّاز. شاب في الثانية والثلاثين من عمره، أنهى دراسته الجامعية للقانون في جامعة الكويت، ويكمل الآن مرحلة دراسة الماجستير في بريطانيا. سألته إن كانت هذه روايته الأولى، فأجبني بنعم، وأن له كتابات كثيرة سابقة على هيئة خواطر. وعاودت سؤاله عن براعته في سبر أغوار شخصيته، فأخبرني بأنه قرأ كثيراً عن المرض، وكرّس الكثير من الوقت لمعرفة كل ما يتصل به. على أمل أن يفهم الحالة تمهيداً للكتابة عنها، خصوصاً ومرور حالة إنسانية مشابهة بالقرب من حياته. وأخبرني أنه يعشق الرسم، وأنه يستعين بالموسيقى على الكتابة.

فوّاز الهاجري، اسم لروائي كويتي شاب، أنجز عمله الأول "حديقة الفحيحيل العامة"، الذي لا يخلو هنات قليلة، لكنني أظن أن كل من سيقرأ الرواية سيشعر أنه أمام عمل روائي لافت ومحكم البناء.

كلي فرح بك يا فوّاز، وأنتظر منك روايتك القادمة.