قُدر لي بحكم صلة القرابة أن أفتّح عينيّ ويكون الروائي والقاص إسماعيل فهد إسماعيل أمامي. ولأن إسماعيل كان لافتاً بما تحمل هذه الكلمة من معان كثيرة؛ لافتاً بهالة حضوره الآسر، ولافتاً بتسريحة شعره المنفلتة، ولافتاً بصوته الجهوري وضحكته المميزة، ولافتاً بطيبته وكرم وصله، ومطر إنسانيته، وأخيراً كان لافتاً بالنسبة لي، كوني أرى صوره في الجرائد والمجلات، وتتردد أمامي كلمة كاتب أو قاص أو روائي أو أديب. وكان يستوقفني أن هناك وفي أكثر من ركن في بيته مكتبة عامرة بالكتب، وإلى جانب المكتبة صورة بالأسود والأبيض، تمَّ التقاطها بحرفية عالية لشاب وسيم، حسبته لفترة نجم سينما لاكتشف لاحقاً أنها صورة الشاعر الصديق عبدالرحمن الأبنودي.

دارت الأيام دورتها، واقتربتُ أكثر من إسماعيل، وبدوره، وهذا واحد من أهم الملامح في شخصيته؛ ما إن تقترب منه حتى تشعر كأنه لكَ، وأنه يفتح أبواب قلبه واهتمامه ليشعرك بأنك الأقرب والأحب إليه، اقتربت منه حتى صرنا صديقين، وكانت الكلمة درباً لصداقتنا.

Ad

قراءاتي الأولى، وكنت في مرحلة الدراسة المتوسطة، كانت بالضرورة من مكتبة إسماعيل، باختياراته، وتالياً باهتمام ورعاية الصديق العزيز، يرحمه الله عبدالمحسن البراك. علاقة جديدة بدأت بيننا حين صارت الكلمة والكتاب والقصة والرواية والشعر والمسرح والتشكيل مائدة حديثنا. وحين صار العالم أبعد من البراحة التي ألعب فيها في "فريج بورسلي" وشاطئ البحر في منطقة "شرق" ومدرستي المتوسطة "المتنبي"، وتالياً ثانوية "يوسف بن عيسى القناعي".

علاقتي بإسماعيل أخذتني إلى عوالم شاسعة وملونة، وأحد أبرز هذه العوالم هو عالم الصداقات، فمن خلال إسماعيل تعرفت على الكاتب الأستاذ وليد أبو بكر، ومن خلال وليد تعرفت على الصديقة العزيزة ليلى العثمان، ومن ذلك الوقت، منذ منتصف السبعينيات، وأنا بقرب شجرتي إسماعيل وليلى، نعيش معاً، ونقرأ معاً، ونلتقي معاً، ونسافر معاً، ونقتني اللوحات التشكيلية نفسها، ونستقبل ضيوفنا سواء في بيت إسماعيل أو بيت ليلى أو بيتي، فأي من هذه البيوت هو بيتنا، وسرعان ما التحق بنا الصديق المخلص محمد جواد، والذي يعرف أكثر بلقبه "أبو مازن".

شجرة إسماعيل فهد إسماعيل، الإنسان والقاص والروائي والمسرحي والناقد، كانت بظلال واسعة، ففي مرحلة السبعينيات وحتى الثمانينيات كان عالم إسماعيل عامراً بجميع الأصدقاء الكتّاب والشعراء والمسرحيين والفنانين التشكيليين والمطربين، ومن مختلف أقطار الوطن العربي، وكان من النادر أن أزور بيت إسماعيل دون أن أجد صديقاً خليجياً أو عربياً بقربه.

شجرة إسماعيل، التي شملت بظلها أصدقاءه العرب، كانت عباءة واسعة لأهله وأصدقائه ومحبيه في وطنه الكويت. وكأني بإسماعيل قد تمثل بيت الشاعر العربي عروة بن الورد:

أُقَسِّمُ جِسمي في جُسومٍ كَثيرَةٍ

وَأَحسو قَراحَ الماءِ وَالماءُ بارِدُ

نعم، فلقد وزع إسماعيل جسمه وحبه وعلمه وموهبة إبداعه وإنسانيته على كل من حطَّ بقربه، ولذا فإذا كانت أعمال إسماعيل فهد إسماعيل الإبداعية التي جاوزت الأربعين عملاً تسير في طريق تخليد ذكراه وإبقائه حاضراً عبر الزمان والمكان، فإن أصدقاءه وطلابه في شتى بقاع الوطن العربي والعالم، يمثلون امتداداً إنسانياً وإبداعياً حقيقياً عنه.

بموهبة فطرية صقلتها القراءة والدرس وخبرة الحياة، وبإنسانية عالية استطاع إسماعيل أن يحتضن كل من يعبر عالمه، وينتبه وينبّه موهبة كل شاب أو شابة كاتب أو كاتبة يجلس أو تجلس معه. ولذا فإننا في الكويت كنا محظوظين بشخص في موهبة وذكاء وإنسانية ووصل الأديب إسماعيل فهد إسماعيل في مختلف مراحل عمره. ومؤكد أن طلاب إسماعيل من النابهين في شتى أنواع الكتابة الإبداعية في القصة والرواية والمسرح سيبقون بُعداً إنسانياً حاضراً معنا حضور الإبداع والمبدع.

رحم الله إسماعيل، وأبقى ذكره حاضراً بيننا.

* ارتجلت شيئاً من هذه الكلمة بمناسبة إعلان الفائز

بـ "جائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة"، في معرض الكويت الدولي للكتاب الـ 44، التي تقدمها دار العين المصرية، ممثلة بصاحبتها الأستاذة فاطمة البودي.