"- معالي السيد / تشن شياو دونغ مساعدَ وزيرِ خارجية جمهورية الصين الشعبية.

- سعادة السيد / تشي تشنهونغ رئيس المعهد الصيني للدراسات الدولية.

- السيدات والسادة الحضور.

Ad

- السلام عليكم ورحمة الله.

إن الوضع الصعب والأزمات التي تشهدها معظم دول منطقة الشرق الأوسط والتي بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة، وهي أزمات شاملةٌ بمعنى أنها تنال من الأنظمة السياسية واستقرارها، ومن سلامة البلدان والعمران، ومن وحدة المجتمعات وتضامنها، ومن السكينة الدينية باتجاه التطرف والانكماش، ومن التدخلات الإقليمية والدولية، التي لا يواجهها أي مظهرٍ من مظاهر الفعالية الباقية في النظامَين العربي والإقليمي... هذا الوضع الصعب بقدر ما هو حقيقة مؤسفة هو حقيقة شائكة ومعقدة بأبعادها الكثيرة المتشعبة السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، وتداعياتها السلبية على الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية والقضية الفلسطينية وتحقيق الأماني القومية.

هذه الأبعاد والتداعيات ليست وليدة الزمن الذي يعيشه الجيل الحالي أو نتاج حدث معين أو أزمة من الأزمات العابرة التي تواجهها الشعوب أو مشكلة سياسية واحدة، بل نتاج تراكمات طويلة، بعضها ذو طابع سياسي وبعضها له طابع أيديولوجي.

تحديات المنطقة

تلك التحديات التي تمر بها دول المنطقة يمكن تلخيص بعضها في النقاط التالية:

1 - الاضطراب السياسي والمجتمعي والأمني في العديد من دول المنطقة، بسبب الفشل في إدارة ملفات التنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان.

2 - استفحال الصراع الدولي والإقليمي على دول المنطقة وتكالُب القوى الطامعة فيها وتحويلها إلى مناطق نفوذ تمهيداً لإعادة تقسيمها ورسم حدودها طبقاً لمصالح هذه القوى.

3 – افتقار المنظمات الدولية والإقليمية إلى معايير فض النزاع في المنطقة، وسياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها بعض الدول الكبرى، مما تسبب في تفاقم المشاكل والصراعات بالمنطقة وعدم الوصول إلى حل دائم وعادل لقضايا المنطقة وعلى رأسها قضية العرب والمسلمين الأولى وهي القضية الفلسطينية.

4 – ازدياد ظاهرة التطرف الديني وتأثيرها الخطير على أمن دول المنطقة ووحدة مجتمعاتها، مما يؤدي إلى شرعنة التدخلات من جانب القوى الدولية والإقليمية واستباحة الموارد وتفتيت الشعوب.

5 - انهيار نظام الأمن العربي الجماعي وعجزه عن التصدي لهذه التحديات وتفاقم الخلل في التوازن الاستراتيجي بالمنطقة.

6 - فجاجة التدخلات الإقليمية والدولية بذرائع مختلفة في أراضي دول المنطقة، والاعتداء على سيادتها وسلامة أراضيها وتهديد نسيجها الاجتماعي وأمن واستقرار مواطنيها.

7 – يؤسفني القول إن الدول الكبرى كلها دون استثناء تتعامل مع قضايا منطقتنا من زاوية مصالحها فقط دون اعتبار حقيقي لمصالح دول المنطقة، ولهذا نجد هذه الدول تقيس بمعايير مختلفة تبعاً لتلك المصالح، فهي – مثلاً – تؤيد حكومات ثيوقراطية في بلاد معينة، وتنتقد دولاً أخرى لأن حكوماتها ثيوقراطية، وتدعم الحراك الشعبي في دول بينما تقف ضده في دول أخرى، وتبيع السلاح لدول في وقت تمنعه عن دول أخرى.

مطاردة الأشباح

وعلى سبيل المثال نذكر هنا بعض هذه التدخلات التي غيرت مجرى التاريخ في المنطقة:

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 فقد الأميركيون أعصابهم فقرروا الانتقام من أشباح، فذهبوا وأسقطوا ألد أعداء إيران في المنطقة، فقد أسقطوا نظام طالبان في أفغانستان، إلا أنهم شعروا بأن ذلك غير كاف، فذهبوا إلى العراق وأسقطوا نظام صدام حسين بحجة وجود أسلحة دمار شامل، وبنصيحة من المحافظين الجدد الذين كانوا يحكمون الإدارة الأميركية من خلال نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع رامسفيلد ونائب وزير الدفاع وول فودز، وهم جميعهم حلفاء إسرائيل، ثم حل الأميركيون الجيش العراقي وأجروا انتخابات سريعة جاءت بكل حلفاء إيران إلى الحكم، ثم جاءت الانتخابات التشريعية عام 2010، وفاز بهذه الانتخابات القائمة العراقية التي يتزعمها الدكتور أياد علاوي، إلا أن الأميركيين دعموا نوري المالكي في رئاسة مجلس الوزراء، رغم أن قائمته جاءت في المركز الثاني في هذه الانتخابات، بطريقة لا تمت إلى الديموقراطية بصلة، اعتقاداً منهم أن المالكي حليفهم، ومن هنا بدأت سيطرة إيران على العراق ثم التدخل في شؤون بعض الدول الأخرى، بسبب هذه الرعونة في التعامل مع المنطقة.

حلول

واستناداً إلى ما تقدم، وتفادياً لاستمرار الاضطرابات الداخلية، وصراعات القوة بين دول المنطقة، والمشاجرات والتدخلات بين بعض الدول المتجاورة، ومن أجل إقرار توازن واستقرار أمني بالمنطقة، فإننا نؤكد على أهمية وضرورة طرح بعض الحلول لأزمات المنطقة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1 – إنشاء نظام أمن إقليمي مناسب وأمثل للمنطقة العربية وجوارها الإقليمي، أخذاً في الاعتبار المطامع والطموحات التوسعية لدول الجوار غير العربية، من خلال إعادة تعريف دقيق وواضح للأمنَين الإقليمي والعربي، على غرار تجربة منظمة الأمن والتعاون الأوروبي.

2 - وضع تصور لعلاقات دول المنطقة بالمنظمات الدولية، والتكتلات الدولية، والدول الكبرى، والقوى الإقليمية، وكيف يمكن تنمية الفعاليات وبناء الدفاعات بهذا الخصوص، وتفعيل سياسة فض النزاعات بالمنطقة.

3 - الاهتمام والتركيز على نشر الوعي السياسي لدى شعوب المنطقة بشأن مفاهيم المصير المشترك، والتكامل الاقتصادي، ووحدة وترابط الأمن القومي لدول المنطقة.

4 - وضع خطة عمل ترتكز على بذل الجهود الجماعية المنسَّقة لتحقيق مصالحات عربية - عربية ومصالحات عربية – إقليمية، وتغليب سياسة حسن الجوار بين دول المنطقة.

5 ‌- وضع تصور لحالة اقتصادات دول المنطقة، ورؤية واضحة للنهوض بها، ونشر الوعي الديني الصحيح ومكافحة التطرف.

في الختام، يطيب لي أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لمعالي مساعد وزير الخارجية في جمهورية الصين الشعبية، وإلى سعادة رئيس المعهد الصيني للدراسات الدولية، على دعوتهما الكريمة لنا للحضور والمشاركة في فعاليات هذا المنتدى المهم، وعلى كرم الضيافة، متمنياً لهذا المنتدى النجاح وتحقيق الأهداف المنشودة من تنظيمه.