طوال المسيرة البشرية، دائماً هناك نماذج من الرجال يتميزون بأن يقيض الله على أيديهم كل ما هو رائع وجميل ومفيد للإنسانية، قروناً طويلة والمشتغلون بفن التطبيب ينكرون أن للدم دورة يتجول فيها في أنحاء الجسم من مركزه في القلب إلى أصغر الأنسجة بُعداً عنه ثم يعود إليه من جديد، ليتابع دورته إلى آخر أنفاس صاحبه.

• وقد ورد في كتاب الشفاء لابن سينا أن "الدم في جسم الإنسان والحيوان يسير على أسلوب واحد لا يتغير، فهو ينتقل عن طريق الكبد إلى القلب... وللقلب قسمان، ولكل قسم غرفتان بينهما ثقب في الجدار الفاصل يُسد هذا الثقب حالاً عندما يتنفس المولود لأول مرة، والجنين يأخذ غذاءه بواسطة المشيمة من شريانين اثنين، ويرد ورداً واحداً عن طريق حبل السرة".

Ad

وقد توسع في ذلك من بعد ابن سينا، ابن النفيس، حتى اعتبره البعض من أوائل من اكتشفوا الدورة الدموية.

***

• ومن المؤكد أن وليم هارڤي قد أفاد من كتاب الشفاء، لأن ذلك الكتاب كان شائعاً في الأكاديميات الأوروبية قروناً طويلة... مما جعله يجهر بالقول: "إن القلب عضلة عملها ضخ الدم ليسير في الشرايين إلى الأنسجة، ثم يعود إليه من خلال الأوردة".

***

• تصدت لهارڤي أصوات كثيرة واتهمته بالاشتغال بالسحر والتعامل مع الجن، وبالغ بعضهم بأنه لم يتزوج لأنه متزوج من جنية تسرق له جثث الموتى ليقوم بتشريحها! لكن هارڤي كان يرد على مناوئيه: "إنني متحرر تماماً من كل الآراء القديمة في الطب، والتي لم تزل متشبثة بكتب أرسطو، فلن أكون ضحية لمن حكموا بإحراق الكتب التي أكدت صحة دوران الأرض والشمس وسجنوا جاليليو لعدم اعترافه بنظريات أرسطو، وكذلك أرسلوا كوبرنيكوس إلى المنفى لرفضه قرارات البابا بشأن دوران الأرض حول نفسها... فإذا كان أرسطو يقول إن الدم البشري مثل النهر يصب في أطراف الجسم ثم ينتهي، فأنا أقول: أحرقوني أو انفوني، فإن أرسطو لا يدري شيئاً عن دورته الدموية".

***

• وصار هارڤي يلقي محاضراته العملية أمام المتخصصين في الطب:

- هل تنكر يا هارفي أن الدم يتجه دائماً إلى الأطراف كما قال أرسطو؟

- نعم أنكر ذلك، وهو خطأ جسيم، فمن غير المنطقي أن الدم يتجه إلى الأطراف دون رجعة.

- طبعاً دون رجعة، لأنه يتبدد في أنسجة الأطراف ويغذيها ويعطيها الحيوية والنشاط.

- أنا أخالف القدامى المتأثرين بكتب أرسطو ممن يقولون إنه لا عودة للدم بعد تبدده في أنسجة الأطراف... وعندي قناعة بعودة الدم إلى القلب.

- هل سمعتم مثل هذا الهراء؟

- أيها الزملاء القلب هو المحرك للدورة الدموية كلها، وهو المضخة التي تدفع الدم في الشرايين وليذهب إلى الجحيم من يقول بعكس ذلك.

***

• ثم أثبت وليم هارڤي عملياً نظريته أمام الجميع، بعدما كان أرسطو يقول إن الدم يتبدد عندما يصل إلى الأطراف، فدحض هارڤي هذه النظرية لأن القلب هو مضخة الدم في دورته في الجسم... فاحرص على قلبك.