لا أتصور أنه قد سبق أن مر في تاريخ الكويت السياسي حالة من الغضب والاعتراض والرفض على واقع التدهور والفساد السياسي كما هي الحال اليوم. لم يسبق أن شملت هذه الحالة أغلب قطاعات المجتمع وفئاتهم كما يجري حاليا، وهذه رسالة صارخة، سيكون من الخطأ الكبير عدم الالتفات إليها، بل التوقف عندها.

علّمنا التاريخ أن "معظم النار من مستصغر الشرر"، فما بالكم ونار الفساد في بلادنا قد صارت عظيمة أصلا، وما هو معلن من فضائحها التي تقدر بالمليارات، يقول العارفون بأنه ليس سوى جزء صغير مما لم يكشف عنه بعد أو لا يزال مخفيا!

Ad

تطول الفضائح والشبهات كل المؤسسات والصناديق والاحتياطيات ومصادر الريوع المالية للدولة، إما بسرقات مباشرة، أو هدر وعبث صريح، أو سوء إدارة وتخبط على يد من هم ليسوا بأهل لمناصبهم التي حصلوا عليها بطرق بعيدة عن الصواب، حتى بات بقاء الدولة واستمرارها مهدداً، وأعني ذلك حرفياً ولا أبالغ!

السنن الكونية لا تحابي أحدا، ولطالما رأينا حضارات وأمماً علا شأنها ثم انهارت وصارت أثرا بعد عين تحت وطأة معاول الفساد والهدر وسوء الإدارة، والأمثلة أكثر من أن نحصيها في الماضي القريب أو البعيد، والكويت ليست في مأمن ولا منعة من ذلك، بل إن خطر واقعها المتردي سياسيا واقتصاديا وبنيويا، يزيد الأمر إلحاحا في ظل الظروف الإقليمية الملتهبة، والعالمية المقلقة سياسيا واقتصاديا.

هذا المستقبل الخطير يحتاج إلى مواجهة شجاعة مخلصة كبرى، مواجهة تدرك مقدار التبعة والمسؤولية الشاخصة أمامه، وإن كان الأمر منوطا، طوال العقود الماضية، بالأطراف التي بيدها مقاليد الأمور، فاليوم قد صار الأمر من صميم دور الشعب كذلك. إن كان الشعب طوال حياته يعيش في السابق في بحبوحة الاطمئنان لقرارات قياداته السياسية ونخبه الشعبية لإدارة شؤون هذه البلاد، فاليوم قد صار الوضع مختلفا كليا، حين تسيدت قوى الفساد المشهد ودانت لها الأمور أو كادت. حان للشعب أن يكون له دوره الصريح لإنقاذ نفسه، وحين أقول نفسه فأنا أعني الوطن في الوقت ذاته، فالوطن هو الشعب والشعب هم الوطن، والشعب هو مصدر السلطات جميعا!

لا مجال للصمت، ولا للانزواء، ولا حتى للشعور بأن صوتا واحدا لفرد من أفراد المجتمع لن يغير في المعادلة شيئا. الكل مطالب بأن يكون له موقف لإنقاذ وطننا الجامع، فهو سفينتنا الوحيدة التي إن غرقت غرقنا جميعا.

***

الصحف والخدمات الإعلامية التي انكشفت مواقفها عبر السنوات، وتبين انحيازها لقوى الفساد ودفاعها عن كل المصالح الفئوية إلا مصلحة الوطن والشعب، ليس عليها ملامة، فهذه ساقطة قولا واحدا، ولكن عتابنا على تلك التي لا تزال لم تتلوث بالفساد الصريح، ولا تزال واقفة في المنطقة الرمادية. نحن اليوم في مرحلة تاريخية مفصلية، فإما الوقوف مع الوطن والشعب ضد الفساد وقواه، وإلا السقوط في "مزبلة" التاريخ!