في وقت تتزايد فيه المحاكم والمرافق القضائية داخل دولة الكويت كنتيجة طبيعية لارتفاع أعداد القضايا التي تنظرها المحاكم وجهات التحقيق المختلفة، بات من المهم جداً تحوّل مكاتب المحاماة في الكويت إلى التخصص والتفرغ للعمل في مجالات محددة؛ لعدم قدرتها على مواكبة العمل في جميع التخصصات القانونية.

وبعد أن كان قصر العدل، ومنذ إنشائه عام 1986، قادراً على استيعاب كل الملفات القضائية وتخصصاتها المتعددة، الأمر الذي كان يسمح للمحامين تولي مهام الدفاع في أغلب المجالات القانونية لسهولة التنقل داخل المبنى الواحد، تطور الأمر بالانتقال إلى محكمتي الرقعي وحولي ثم الأحمدي، مما دفع عدداً من مكاتب المحاماة إلى ممارسة العمل في عدد من المحافظات فقط، دون أخذ القضايا في باقي المحافظات، ولم تتكمن المكاتب من مسايرة حالة التوسع العمراني للمحاكم والتأقلم معها إلا من مكاتب المحاماة الكبيرة، التي مع مرور الوقت لن تستطيع هي الأخرى من مجاراة التوسع مستقبلاً.

Ad

تجاهل القائمين على مهنة المحامين في إيجاد حلول تصب في مصلحة المهنة بدفع المحامين إلى فكرة التخصص وإيجاد قائمة للحد الأدنى لأجور أتعاب مهنة المحاماة سيسهم في استمرار حالة الفوضى بالمهنة، وسيجعل من فكرة التوكيل بكل أنواع القضايا مستمرة رغم أنها من الأفكار التي تعود على المحامين بالخسارة المالية والمهنية؛ لعدم قدرتهم على تحمل رواتب المحامين لاستيعاب الحضور في كل المحاكم وبكافة الدرجات، كما أن تحملها لن يحقق العائد المالي الكبير نتيجة قلة الأجور المتدنية، والتي تعانيها مكاتب المحاماة إذا أصر المحامي على تولي الدفاع بكل القضايا، وذلك يعني اتباعه فكرة الإنابات القضائية عبر مساعدة بعض المحامين الموجودين له في قاعات المحاكم التي لا يغطيها، مما يساهم في تعريض ملف الدعوى إلى خطر عدم الاهتمام المهني بسبب عدم الحضور وقد يعرضها بنسبة كبيرة إلى الخسارة، وهذا الأمر الذي سيزعزع ثقة الموكل بالمحامي!

إن عدم التصدي للوضع المهني والمالي لمكاتب المحاماة أسهم في خلق جملة من القضايا في مقدمتها خفض أجور المحامين على حساب جودة الالتزام بحضور الجلسات، وإعداد المذكرات القانونية من أساتذة متخصصين في علوم القانون، فضلاً عن خلقه فكرة تأجير رخص مكاتب المحاماة لبعض الوافدين لعدم قدرة المحامي على مواجهة أعباء المهنة المتعددة، واكتفائه بأجور تأجير الرخصة السنوية، كما أنه ساهم باعتماد بعض المحامين على رسوم وأتعاب نتيجة الحضور بجلسات الانتداب في المحاكم الجزائية والتوقيع على صحف الدعاوى لمحاولة تغطية مصاريف المكتب والاعتماد على مورد مالي مستمر وثابت بعض الشيء.

وتلك القضايا السابقة ونتيجة لعدم مواجهتها من جمعية المحامين وإخضاع بعضها للتنظيم كتحديد الحد الأدنى لأجور المحامين وتنظيم حضور الانتدابات في قاعات الجنايات وعدم التشدد بفتح مكاتب المحاماة ساهم إلى جانب عدم تخصصها في تراجع المهنة وأدائها.

قانون مهنة المحاماة الحالي أعطى للجمعية وعبر لجانها أمر تنظيم المهنة وترتيب شؤونها وشؤون العاملين فيها، واستمرار تجاهل مجالس الإدارات المتعاقبة الدخول إلى تلك المناطق ساهم بشكل كبير في تردي حالها، وهو الأمر الذي يتطلب من مجلس الإدارة المقبل التنبه إلى تلك المسائل الهامة.