من كان يصرف على الكويتيين؟

Ad

عنوان مقال كتبه السيد أحمد باقر في عموده الأسبوعي (رياح وأوتاد) يوم الاثنين الماضي على صفحات «الجريدة»، ليجيب في مقاله عن السؤال الذي يحمله هذا العنوان: بأنه بحمد الله كان عندنا شيء اسمه احتياطي الأجيال المقبلة، بحوالي 130 مليار دولار.

هذا الاحتياطي صرف منه نحو 100 مليار على إعاشة الكويتيين في الغربة، وفي الكويت المحتلة، وكذلك دفع تكاليف التحرير وتكاليف إعادة الإعمار عندما كانت آبار النفط تحترق ولا تصدر.

وأنه تذكر هذا الدور العظيم لهذا الاحتياطي قائلا «ونحن نسمع نداءات بغيضة فاسدة تدعو إلى السطو على هذا الاحتياطي لسداد القروض الشخصية بدون عدالة بين المواطنين، ولتوزيع هبات ومنح من التأمينات بدون أرباح».

نظام الاستبدال المفترى عليه

وقد وضع معالي الوزير الأسبق النقاط على الحروف في نظام الاستبدال الجاري تعديله لتوزيع هبات ومنح على الخاضعين لهذا النظام، فيما أشار إليه في مقاله من استنكاره الدعوة إلى «توزيع هبات ومنح من التأمينات بدون أرباح».

والوزير الأسبق باقر، إذا قال كلمته في نظام الاستبدال فهي كلمة لها مصداقيتها وقيمتها ووزنها من ناحية تبرئة نظام الاستبدال من اتهام ظالم بالربا.

وهو أحد نواب التيار الإسلامي في الفصل التشريعي العاشر الذي أقر نظام الاستبدال في صورته الراهنة بالقانون رقم 30 لسنة 2005 وكان يمثل معه في هذا التيار 18 عضواً، ومن رموزهم على سبيل المثال لا الحصر فهد الخنة وناصر الصانع وفيصل المسلم ومحمد محسن البصيري وخالد العدوة ومخلد العازمي وعادل الصرعاوي، ود. وليد الطبطبائي، ووليد العصيمي، ومحمد المطير العضو الحالي.

وبموجب القانون رقم (30) لسنة 2005 الذي أقره المجلس في الفصل التشريعي العاشر تضاف نسبة معقولة إلى أصل القيمة الاستبدالية التي صرفت لهم لتعويض الصناديق عن بعض عائد الاستثمار الذي فات عليها عند منح مبالغ الاستبدال، وكذلك للإبقاء على فكرة التكافل التي يقوم عليها نظام الاستبدال، بحيث تسقط أقساط الاستبدال في حالة الوفاة ويتحملها باقي المستبدلين على قيد الحياة.

يدخل عائد استثمار هذه الأموال- التي يغترف منها نظام الاستبدال- في موارد صندوق تأمين الشيخوخة والعجز والمرض والوفاة إعمالا للبند سادسا من المادة (11) من قانون التأمينات الاجتماعية، لتحقيق الهدف السابق، وهو ضمان قدرة النظام على الوفاء بالتزاماته.

شرعية عائد المشاركة في الاستثمار

وقد أقر الفقه الإسلامي المعاصر شرعية عائد المشاركة في الاستثمار، الذي تقوم عليه البنوك الإسلامية الآن، وهو العائد الذي تحققه المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من استثمار أموال المؤمّن عليهم وأصحاب الأعمال، فهؤلاء وأولئك يشاركون المؤسسة في استثمار أموالهم لتغطية التأمين الاجتماعي من الأخطار التي يواجهها المؤمّن عليهم وأصحاب المعاشات، وهي أموال خاصة، تتمتع بالحماية المقررة للملكية الخاصة في الدستور، ويحميها الشرع الإسلامي في قول الحق تبارك وتعالى «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ».

وفي هذه الآية الكريمة ينهانا المولى، عز وجل، عن أكل الأموال التي بيننا بالباطل، عندما يكون من شأن توزيع المنح والهبات سالفة الذكر في نظام الاستبدال أكل أموال سائر المؤمّن عليهم وأصحاب المعاشات الآخرين الذين لم يستبدلوا، بالباطل، فضلا عن أكل أموال المواطنين بالباطل في الدعم الذي تقدمه الخزانة العامة للنظام، وسدادها العجز الاكتواري فيه، وهي أموال كان يمكن أن تنفق على الخدمات العامة التي تقدم لكل المواطنين على قدم المساواة مع غيرهم، بما يعود بالنفع العام على الأمة كلها.

وهي أموال أدلى المؤمّن عليهم وأصحاب المعاشات بها إلى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، يقول المولى عزوجل «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا».

تجاوز الخطاب الدستوري

فضلا عن تجاوز تعديل نظام الاستبدال الى نظام للقروض أو نظام للقرض الحسن، خطاب الدستور في المادة (11) الذي يلزم الدولة بتوفير خدمات التأمين الاجتماعي، عندما تُلزم المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بتقديم قروض فتتحول إلى مؤسسة مصرفية تتقاضي فوائد عليها، أو تتحول إلى مؤسسة للقرض الحسن، وهو أدخل في نظام المساعدات العامة، لمن تشملهم هذه المساعدات من المستحقين لها وللقرض الحسن شروطه الشرعية.

فضلا عن إخلال ذلك كله بالمساواة بين المؤمّن عليهم وأصحاب المعاشات الذين استبدلوا، وبين أقرانهم الذين لم يستبدلوا، بل بينهم وبين سائر المواطنين، الذين لا تظلّهم مظلة التأمينات الاجتماعية، والذين قد يكونون في أمسّ الحاجة الى القرض الحسن.

الاستبدال ومبادئ الشريعة الإسلامية

والواقع أنه ليس هناك من الأنظمة القانونية في الكويت ما هو أكثر وفاء بأحكام الشريعة الإسلامية من نظام التأمينات الاجتماعية، ونظام الاستبدال فرع منه، فهما يقومان على التعاون والتراحم، ويستوحيان أحكامهما من التكافل الاجتماعي في الإسلام في قول المولى عز وجل «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» وفي قوله سبحانه «وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً»، وفي قول النبي، صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وقوله أيضا «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا».

فقد جاء الإسلام ليحقق التكافل العام بين جميع أفراد الأمة، ليعيش الجميع تحت راية الإسلام في أمن وطمأنينة ورخاء وتعاون وعيش كريم.