ربما لا يوجد مرفق في الكويت يلخص علل الإدارة العامة وانحراف الاقتصاد عن أهدافه الأساسية مثل «المدينة الترفيهية» التابعة - حتى الآن - لشركة المشروعات السياحية المملوكة للهيئة العامة للاستثمار بنسبة 100%.

وبنظرة عامة، فإن المدينة الترفيهية تعكس صورة مصغرة من تراجع الكويت خلال العقود الماضية بعد سنوات من التخلّف، إذ إنها كانت عند افتتاحها في عام 1984 المدينة الأضخم في منطقة الخليج والشرق الأوسط في قطاع التسلية والترفيه، حتى انحدرت خدماتها في السنوات الـ 10 الأخيرة قبل إغلاقها رسميا عام 2016. أما في التفاصيل، فإن مراجعة مشروع أو مشاريع تطويرها تحكي قصصا من الانحرافات والعلل على الصعيد المالي أو التنموي أو الإداري، فضلا عن عدم الرغبة في تحمّل المسؤولية.

Ad

فالخطة الاستراتيجية لشركة المشروعات السياحية ما بين عامي 2011 و2015 قيّمت مشروع المدينة الترفيهية عند كلفة 34 مليون دينار، حيث تمول الشركة المشروع بـ 14 مليون دينار، في حين يطرح البقية بقيمة 20 مليون دينار بنظام الـ BOT، غير أن رؤية «المشروعات السياحية» في عام الاستراتيجية الأخير تغيرت لمزيد من التطوير والتحديث، بهدف تشييد المدينة وفق نظام عالمي - وهو هدف منطقي - لترتفع كلفة المشروع في الدراسة المقدّمة في يناير 2016 بنسبة 1847 في المئة، بقيمة 628 مليون دينار، قبل أن تنخفض هذه النسبة في دراسة أخرى تسلّمتها «المشروعات» في أغسطس من العام نفسه الى 1284 في المئة بقيمة 436.8 مليون دينار، وفي النهاية تم اعتماد المبلغ الأكبر، أي 628 مليونا تدفعها الهيئة العامة للاستثمار، في وقت أحال مجلس الوزراء الى الديوان الأميري عملية تنفيذ المشروع.

وفي الفقرة أعلاه مجموعة من الاختلالات، أقلّها عدم تنفيذ الشركة استراتيجيتها حتى عام 2015، ثم تخلّيها عن استراتيجية نافعة تمثّلت في طرح المدينة الترفيهية كمشروع تنموي بنظام BOT لمصلحة مشروع آخر هو تولّي شركة يختارها الديوان الأميري بنظام المناقصات تنجز المشروع وتديره وتشغّله، وفي هذا الأمر اختلالان واضحان، أولهما أن الديوان الأميري، كجهة بروتوكولية، ليس مختصا بإدارة المشاريع في ظل وجود جهات متخصصة، وفي هذه الحالة تكون شركة المشروعات السياحية، حتى وإن بلغت قيمة مشاريع «الديوان» - حسبما كشف وزير شؤون الديوان الأميري الشيخ علي الجراح - 1.4 مليار دينار، مع العلم بأن «المشروعات السياحية» أبلغت هيئة الاستثمار أن لديها استراتيجية شاملة لتطوير المدينة الترفيهية وتشغيلها، لكن المشروع انتقل الى الديوان الأميري حتى دون نقل خطة الشركة المسؤولة عنه، أما الاختلال الثاني فيتعلق بتضييع فرصة إقامة مرافق خدمية يديرها القطاع الخاص بنظام شراكة BOT يقلّل الكلفة على المال العام ويحسّن الإدارة والخدمة للجمهور، وتقول الدولة إنها تريد أن تدعمه على حساب نظام المناقصات.

لكن ما يحدث هو العكس تماما، فنظام مثل BOT في معظم دول العالم، يقام للمرافق الخدمية الكبرى، مثل المطارات والموانئ والمواصلات ومدن الصناعة والترفيه والخدمات المتنوعة، لكنه في الكويت يقتصر في الغالب على مجمعات تجارية واستراحات خدمية محدودة.

ولا تقتصر الاختلالات على الكلفة الباهظة لتطوير الرؤية بالنسبة للمشروع، والتي قفزت الى 1847 في المئة بقيمة 628 مليون دينار، أي اعتماد الكلفة الأكبر، بل تمتد الى أن الجهة التي ستتحملها، وهي الهيئة العامة للاستثمار، لن تتولى إدارتها او تنفيذها، وهو أمر لافت وجديد بأن تضخ الهيئة أموالا في السوق لا تشرف على استثمارها أو إدارتها، كما أن خطط التطوير لهذا الإنفاق العالي تتحدث عن مدينة مساحتها 2.65 مليون متر مربع، بعد إضافة أرض «منتزه الشيخ زايد» تتكون من 3 مراحل وفندق ومارينا ومواقف وأنشطة تجارية، لكنها كعادة أي مشروع حكومي يستنزف أموالا كثيرة دون تعهّد، ولو مبدئي، بتوفير فرص عمل للعمالة الوطنية، أو أن تنطبق عليه بعض القوانين التي فيها فائدة، ولو نسبية للاقتصاد، كقانوني الشراكة أو المستثمر الأجنبي.

في متابعة ملف المدينة الترفيهية، نجد مجموعة ملخصة من علل الاقتصاد والإدارة، فهي تستنزف اموالا طائلة وتتجه مباشرة للقيمة الأعلى في الإنفاق، مع أن بدائل التوفير عديدة تقدم للاقتصاد مهنية أكثر في مشاريع الشراكة أو منحها إيرادات غير نفطية، عبر نظم ضريبية موجودة في قانون الاستثمار الأجنبي، بل ان ديوان المحاسبة وصف المشروع بأنه غير ذي جدوى اقتصاديا وتعزز الكيانات الموازية على حساب مؤسسات الدولة، بما يزيد من هدم قواعد الإدارة من خلال إيلاء التنفيذ لجهة غير مختصة كالديوان الأميري، والأسوأ من هذا كله أن يكون تمويل المشروع بصيغة استثنائية بين الممول والمنفذ.

ليست هنالك أي مشكلة مع بهجة الناس وتسليتها من خلال إقامة مرافق خدمية تصبّ في هذا الاتجاه، لكن الخطورة في تسويق فكرة أن تجاوز القواعد الاقتصادية والإدارية والتنفيذ غير السليم يمكن أن يقدم إنجازا للمجتمع، والتوجس من أن يكون أسلوب تنفيذ المدينة الترفيهية كمقدمة لتنفيذ أضخم مشاريع الدولة مستقبلا، بالآلية نفسها، منطقيا ومستحقا.