بدأ التحالف الروسي الصيني، كما وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مناسبات متكررة حديثاً، يزداد قوة، قد يكون هذا التحالف اتفاق مصلحة قصير الأمد ويرتكز على صراع الطرفين المشترك مع الولايات المتحدة والغرب، إلا أنه يتعمق بطريقة تنعكس على الغرب وآسيا أيضاً، يتعلق أحدث مؤشر على عمق هذه العلاقة بإقدام روسيا على مساعدة الصين لبناء نظام إنذار مبكر صاروخي استراتيجي.

في بداية شهر أكتوبر، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر الشؤون الدولية أن روسيا "ستساعد الصين على بناء نظام إنذار مبكر لرصد أي هجوم بالصواريخ البالستية العابرة للقارات، علماً أن هذا النوع من الأسلحة هو حكر على روسيا والولايات المتحدة في الوقت الراهن". وأضاف بوتين في خطابه خلال مؤتمر منتدى "فالداي" في موسكو: "إنها خطوة جذرية لتعزيز الإمكانات الدفاعية الخاصة بجمهورية الصين الشعبية". لم يكشف المتحدث باسم الكرملين عن أي تفاصيل محددة، مثل توقيت تشغيل النظام، لكنه ذكر أن هذه الخطوة "تثبت الروابط الوثيقة بين روسيا والصين". إنه مؤشر واضح على توسّع الشراكة الاستراتيجية وطبيعة العلاقة الخاصة بين البلدين.

Ad

في السنوات الأخيرة، اكتسبت الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين أهمية تفوق أي علاقة أخرى تقيمها موسكو مع مختلف البلدان، حتى أن روسيا ذهبت إلى حد اعتبار هذه العلاقة "تحالفاً" فعلياً، أولاً في "فلاديفوستوك" في 6 سبتمبر 2019، ثم في "سوتشي" في 3 أكتوبر 2019، وأخيراً في منتدى "فالداي" في موسكو في 7 أكتوبر 2019. في المناسبة الأولى في "فلاديفوستوك"، أعلن بوتين: "لقد طوّرنا علاقات خاصة في العقد الأخير، وأصبحنا حليفَين استراتيجيَين حقيقيَين". يُقال إن بوتين أضاف لاحقاً في منتدى "فالداي": "تربطنا درجة غير مسبوقة من الثقة والتعاون. إنها علاقة بين حليفَين وشراكة استراتيجية متعددة الأوجه".

وفق التقارير الإعلامية الروسية، تم التوقيع على عقد بقيمة 60 مليون دولار لتطوير برنامج خاص بشبكة نظام الإنذار المبكر لصالح جيش التحرير الشعبي، يشمل "نظام الإنذار من الهجمات الصاروخية" أجزاءً برية (تستعمل رادارات ثابتة وفاعلة) وأخرى فضائية. ذكرت التقارير أن الشركة المساهِمة الدولية "فيمبل" ومعهد الأبحاث المركزية "كوميت" سيستلمان معظم المشروع. تملك الصين أصلاً نظام الدفاع الجوي الروسي "إس-400" الذي يؤدي جزئياً وظائف دفاعية وصاروخية. تعمل روسيا من جهتها على تطوير نظام "إس-500" أكثر تقدماً، وإذا اشترته بكين، تظن موسكو أنها ستتمكن من تحديد الهندسة الكاملة لنظام الإنذار من الهجمات الصاروخية وشبكة الدفاع الصاروخي.

كذلك، تسود توقعات مفادها أن ذلك النظام يسمح للبلدَين بتحذير بعضهما من عمليات أي طرف ثالث، لكن لا مفر من التشكيك بهذا الاحتمال. يظن المحلل العسكري سونغ تشونغ بينغ في هونغ كونغ مثلاً أن العرض الروسي سيُسهّل تطوير نظام إنذار مبكر ومشترك بين روسيا والصين: "إذا أرادت الولايات المتحدة مهاجمة الصين [بصواريخ بالستية عابرة للقارات]، فمن المتوقع أن تنطلق صواريخها من المنطقة القطبية الشمالية، ويستطيع نظام الإنذار المبكر الروسي تغطية هذا النشاط، مما يعني أن موسكو قادرة على إنذار بكين". لكن من المستبعد أن يحصل ذلك. تُعتبر أنظمة الإنذار المبكر الاستراتيجية من أهم مؤسسات الأمن القومي وأكثرها خضوعاً للمراقبة المشددة لأنها تستطيع، حرفياً، أن تُحدد مصير أي بلد، ومن غير المتوقع إذاً أن تنشط هذه الأنظمة بطريقة مشتركة مع دولة أخرى، لا سيما في ظل وجود تاريخ من الصراعات الماضية بين موسكو وبكين وشكوكهما المتبادلة راهناً. يبدو أن الصين هي المستفيدة الأولى من تدهور العلاقات بين روسيا والغرب، فبعد الأزمة الأوكرانية وفرض العقوبات على روسيا، شعرت موسكو بحاجتها إلى إقامة شراكات قوية وخاصة بها في آسيا واستفادت الصين كثيراً من هذه المقاربة الروسية، لكنّ العكس صحيح أيضاً: نتيجة تدهور العلاقات الأميركية الصينية، أصبحت بكين أكثر تجاوباً مع المبادرات الروسية. بغض النظر عن أسباب تعمق هذا التحالف، لا مفر من أن ينعكس على أطراف أخرى، بما في ذلك قوى آسيوية من حقها أن تقلق من هذه العلاقة، على غرار الهند.

* راجسواري راجاغوبالان

* «ديبلومات»